رواية.. الطلياني

عنوان الكتاب رواية.. الطلياني
المؤلف شكري مبخوت
الناشر  دار التنوير
البلد لبنان
تاريخ النشر 2014
عدد الصفحات 344

أشتري الكتاب حمل الكتاب

الوصف

رواية.. الطلياني

قرأت اليومين الماضيين رواية “الطلياني” للأديب التونسي شكري المبخوت، وهي الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية للعام الحالي (٢٠١٥).

ترصد الرواية التغيرات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها تونس في الفترة التي اختارها الكاتب مسرحا زمنيا لأحداثه وهي السنوات الممتدة من أواخر عهد بورقيبة والسنين الأولى لحكم بن علي، وقد صبَّ المبخوت ذلك في قالب سردي دار حول مسيرة حياة شاب يساري “مناضل” يسمى عبد الناصر، تشبه ملامحه الطليان، متتبعاً محطاته منذ أن كان زعيما للحركة الطلابية في الجامعة إلى أن تخرَّج واشتغل بالصحافة وتنقَّل من مدقق لغوي مختص في اللغة الفرنسية، إلى مخرج صحفي، إلى مشرف على الملحق الأدبي بإحدى الصحف القومية الكبرى، ثم مراسلاً متجوّلاً لوكالة الأنباء الفرنسية فمالكاً لشركة دعاية وانتاج سينمائي.
وقد ألقى المؤلف الضوء، طوال هذه الرحلة، على التحولات الفكرية والنفسية لبطل الرواية وانتقاله من مناضل ماركسي عنيد معادٍ للرأسمالية والاستبداد إلى بوقٍ دعائي لنظام بن علي الديكتاتوري الفاسد.

مصوِّراً شخصية عبد الناصر إنساناً شهوانياً ساعياً بشتى السبل وراء اللذة الحرام. ورأى المبخوت تقديم ذلك في سياق بيئة اجتماعية تحكمها قيم “متحررة” من قيود الدين الذي تعتبره مصدراً للتخلف والرجعية.
وقد أسهب المؤلف في نسج علاقات عبد الناصر النسائية خاصة مع زينة ونجلاء وريم وغيرهن ممن يصطادهن بوسامته ورشاقته وأصوله البورجوازية المدينية مستغلاً رغبتهن، في الوقت ذاته، في إطفاء شهوة جسدية مماثلة تتأجج داخلهن، ووصف المبخوت ذلك كله وصفا تفصيليا استغرق مساحات كبيرة من العمل من خلال لقاءات عبد الناصر بهن، لقاءات بعضها عابر لا يستغرق سوى الدقائق اللازمة لإتمام عملية الإراقة وبعضها الآخر يمتد من حلول المساء حتى مطلع الفجر تُستكمل فيها كل فنون المتعة واللذة والإثارة.
تبدأ الرواية بمشهد جذاب مؤثر يرفض فيه عبد الناصر الصلاة على والده الميِّت مبرراً ذلك بأن الجميع يعلم أنه لا يصلي ولا يصوم، ولم يتراجع عن موقفه هذا رغم إلحاح أخيه الأكبر صلاح الدين، المستشار المالي بصندوق النقد الدولي، ورغم إلحاح وجهاء الحي من أصدقاء المرحوم، حفظاً لماء وجه هذه العائلة المحترمة.
وبعد انتهاء المصلين من صلاة الجنازة يصطحب عبد الناصر جثة أبيه إلى مثواها الأخير، وهناك ما إن يرى شيخ المسجد “علاَّله” يسجيها التراب حتى ينهال عليه ركلاً وضرباً ويُسمعه سباباً فاحشاً ويكاد يفتك به لولا تكالب المشيعين عليه وتخليصه من يديه، وقد أحدثت هذه الفعلة صداها فشوشت على الجنازة التي انتهت سريعا وعاد المشيعون يضربون كفا بكف مترحمين على والد عبد الناصر الذي عاش شيخاً مهاباً وقوراً ثم جاء من صلبه هذا الابن السكير العربيد بحسب أهل الحي.
وبعد هذا المشهد توالت فصول الرواية متتبعةً حياة هذا الابن، كاشفةً أبعاده النفسية، راسمةً ملامحه الفكرية، فنجد مثلا أن شيخ المسجد الذي ضُرب قبل قليل شاذ جنسياً مصاب بالعنة مما أثر على حياته الجنسية مع زوجته “جنينه” الجميلة الفاتنة التي وجدت في الفتى عبد الناصر، جارهم، متنفسا لشهوتها المكبوتة، المتأججة، فعرَّفته أسرار الجماع ودرَّبته على أوضاعه الممتعة والمثيرة، ومن ثم انطلق الفتى بلا رجعة في هذا الطريق، يتعرف على هذه فيعاشرها ويوقع تلك في شباكه فينال منها، ويساعده على ذلك تحلله من الدين بحجة أنه أفيون الشعوب، وتحرره من العرف بذريعة أنه نتاج المجتمع المتخلف.
وتدور بحكم ثقافة عبد الناصر وثقافة عشيقته (زوجته فيما بعد) زينه، دارسة الفلسفة، التي لها في الرواية مكانة محورية، حوارات فكرية عميقة.
يخون عبد الناصر زينة مع صديقتها نجلاء، وتوافق نجلاء، ذات القوام الرياضي الممشوق، بيسر وبساطة على ذلك طالما أن في الأمر متعة لكليهما، وطالما أن ضررا لن يلحق بزينة المنشغلة بإعداد أطروحتها الجامعية.
يتعرف عبد الناصر على مدير ورئيس تحرير الصحيفة القومية التي يعمل بها ويرتبطان بصداقة متينة فينقل لنا المؤلف من خلال هذه الشخصية النافذة جانباً مما يدور في أروقة الحكم وقصور الرئاسة وصراعات مراكز القوة، مبرزاً دور الإعلام في تلميع الصورة الكريهة للديكتاتورية و التغطية المقيتة على الفساد.
وعلى هذا الدرب من المواقف والأحداث تطالعنا شخصيات الرواية التي نجح المؤلف في رسم ملامحها الداخلية والخارجية بدقة كدنا معها نراها ونسمعها ونشم رائحتها.
البناء الروائي محكم، والأحداث تتالى دون ملل، وبواعث السلوك تتكشف فنفهم أسباب الإقدام على هذا الفعل أو ذاك دونما حاجة إلى المباشرة.
المبخوت بذل في هذا النص جهدًا يستحق الثناء. درس شخصياته جيدًا، وراجع بدقة تفاصيل الحياة السياسية للفترة التي اختارها، وتأمل القيم الاحتماعية والتيارات الفكرية التي تدور أحداث الرواية في أجوائها، ونقل لنا الأمكنة من شوارع ونهج ومنازل وأسواق نقل العين فكنا نقرأ وكأننا نسير فيها ونرى مبانيها، ولم ينس أن يقدم لنا وهو يستعرض التفاصيل أسماء الأكلات ووصفاتها والأمثال العامية واستعمالاتها، كل ذلك في لغة عربية موشّاة بالبهاء والجمال، كانت تنساب معها القراءة انسياب قطرات الندى على ورد الصباح.
وككل عمل أدبي مهم، كالذي بين يدينا، فإن نص المبخوت لم يخل من عيوب، ولعل أهمها، في رأيي، ذلك الربط الذي يتوَّلد لدى القارئ بين علمانية بورقيبة وبين التحلل الأخلاقي الذي شهده المجتمع التونسي كما صورته الرواية. فالذي يقرأ رواية الطلياني يخرج بانطباع أن تونس بورقيبة وبن علي كانت فقط ماخوراً للموبقات.. زنى وخمر ولواط وحكم بوليسي و استبداد وفساد وتفسخ اجتماعي.. قشرة خارجية براقة تدندن بالعقلانية والحداثة بينما الروح نتنة جاهلية.. كل من فيها من يساريين وإسلاميين وقوميين تجار دين ووطنية وعروبة وطلاب سلطة ومنافقين وانتهازيين وشهوانيين.
أعتقد – خاصة بعد زيارتي لهذا البلد ومعايشتي لأهله – أن الصورة ليست بهذه المبالغة التي يستشفها قارئ الرواية.
عموما “الطلياني” رواية ممتازة، تستحق الجائزة التي نالتها، وستمثل إضافة مهمة لمكتبتنا العربية أياً كانت الملاحظات التي نأخذها عليها.. شكري لشكري المبخوت على هذه المتعة التي أمتعنا بها.
محمد عبد العاطي

رواية.. الطلياني

للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية

TOP