عودة الوعي

عنوان الكتاب عودة الوعي
المؤلف توفيق الحكيم
الناشر  دار الشروق
البلد مصر
تاريخ النشر 2017
عدد الصفحات 105

أشتري الكتاب حمل الكتاب

الوصف

عودة الوعي

ثمة كتب تشعر صدق كاتبها من الصفحات الأولى، وبانتهائك من القراءة يتأكد إحساسك، وتتمنى لو أن كل من يهمك أمره يطلع عليها، وهذا ما شعرت به وأنا أقرأ هذا الأسبوع للأديب الكبير توفيق الحكيم كتابه المشهور “عودة الوعي”.
“عودة الوعي” عبارة عن مذكرات وخواطر وانطباعات ومناجاة للنفس وليست كتابا معدا للنشر. كتبه الحكيم ووضعه ضمن أوراقه الخاصة. كان يعاتب ذاته، يؤنبها على سكوتها، على غفلتها، على تغليبها العاطفة على العقل إبان عشرين عاما مرت على مصر حكم خلالها البلاد رجل واحد وحزب واحد وصوت واحد اسمه عبد الناصر.
خطَّ الحكيم هذه الخواطر بعد وفاة الزعيم ووضعها في درج مكتبه إلى أن علم بأمرها أحد أصدقائه فألح على استعارتها وقراءتها؛ وفيما يبدو أن هذا الصديق قد نسخها ومنه تسربت إلى فلان وعلان ثم وصلت مجتزئة إلى الصحافة، فما كان من أديبنا إلا أن قرر نشر نسختها الأصلية فكان الكتاب الذي بين أيدينا.
الكتاب لا ينطلق من روح الغل ولا يستبطن مشاعر الانتقام كما عهدنا في بعض الكتابات التي تناولت تلك الحقبة، فتوفيق الحكيم كان محبا لعبد الناصر، مؤيدا له، ولم يناله من أذاه شيئا؛ بل على العكس من ذلك، كرمَّه عبد الناصر فمنحه أرفع وسام في الجمهورية الوليدة آنذاك، وعزل بسببه وزيرا حاول الدس له، وما ذلك إلا لأن عبد الناصر وبعض رفاقه كانوا متأثرين قبل الثورة بكتاباته وبخاصة ما كان منها في نقد سلبيات النظام البرلماني وتكالب الأحزاب على السلطة. وقد صرح عبد الناصر غير مرة أنه تأثر بمسرحية “بجماليون” وبكتاب “عودة الروح” وكليهما احتويا على إشارات للحكم وما ينبغي له أن يكون.
من هنا فحينما يتحدث توفيق الحكيم عن عبد الناصر فإنَّ الذي يُسمع هو صوت الضمير مهما كانت العلاقة مع الشخص الذي يتحدث عنه. الذي يتحدث هو إنسان قرر أن يعترف بخطئه حينما كان ينبغي عليه القيام بأفعال لم يقم بها، والتنبيه على أخطاء لم ينبه الناس من خطورتها، إذ قعدت به همته، وخوفه من بطش السلطان، وانسياقه – وهو الأريب المثقف حامل مشعل العقل ومصباح التنوير – وراء العاطفة الجياشة التي كانت تعم البلاد آنذاك، والتأثر بأجواء الحماس الوطني المبالغ فيه والذي كان ضجيجه يخفي أصوات العقلاء المخلصين حتى ولو كانت همسًا.
هذه إذاً الظروف التي ألَّف فيها توفيق الحكيم كتابه “عودة الوعي”، فعن أي شيء يتحدث هذا الكتاب؟
يتحدث عن أحوال مصر قبيل ثورة 1952 وبالأخص ما كان منها متعلقًا بفساد الملك وحاشيته وتوق البلاد للخلاص منه. ويتحدث عن حركة الضباط الشبان – الذين سُموا بعد ذلك بالأحرار – وكيف أنها تطورت من حركة مطلبية لتحسين أوضاعهم الوظيفية إلى حركة أعم طالبت بعزل الملك وأجبرته على التنازل عن العرش وآلت إليها بعد ذلك مقاليد الأمور.
ثم تحدث عن غلبة الرأي القائل بأن على هؤلاء الضباط أن يتولوا الحكم بأنفسهم على الرأي المنادي بضرورة عودتهم إلى ثكناتهم وتسليم السلطة إلى المدنيين الذين كانت تعج مصر بالأكفاء المخلصين منهم.
ثم يُسمك الحكيم بخيط “الوعي” -والذي جعله عنوانا للكتاب- ويتتبع مساره ويخلص إلى أنه غُيِّب لأسباب بعضها نفسي يرجع إلى أن الشعب المصري اعتاد أن يصنع من الحكام آلهة يطيعها ويقدسها، وبعضها عائد إلى سكرة الشعب بالقرارات السريعة التي اتخذها الضباط الشباب مثل إلغاء الألقاب وإلغاء الطرابيش وتحديد الملكية الزراعية وقوانين التأميم، وفي الوقت نفسه السياسة التي اتبعوها حتى يظهروا للشعب ألا بديل أمامه يقوده إلى بر الأمان إلا هم، فعملوا على تشويه صورة الساسة المدنيين الذين كانوا يحكمون مصر قبل 52 وإظهارهم (كلهم أو أغلبهم) بمظهر الفاسدين العملاء للقصر والإنجليز..إلخ.
ويتحدث الحكيم عن الحروب الثلاثة التي خاضتها مصر وهزمت فيها خلال العشرين عاما المذكورة، وهي حرب 1956 و حرب اليمن وحرب 1967، وما تكبدته البلاد من خسائر بشرية ومادية فادحة كان يمكن تجنبها لو لم تكن البلاد تُحكم – كما يقول – حُكمًا فرديًا تسلطيًا، ويتحكم فيها شخص انفعالي يبني سياساته على ردات الفعل بأكثر مما يبنيها على الحسابات الدقيقة والتقدير العميق.
والكتاب على صغير حجمه (76 صفحة) إلا أن ما أورده المؤلف من أمثلة كان كافيا للتدليل على وجهة نظره.
الحكيم أكد على أنه لا يكتب تاريخًا، وأن ما يقوله ينبغي ألا يؤخذ على أنه موقف سياسي أو حكم نهائي وإنما هو محاولة لكشف الحقيقة (ذلك لأن) المهمة الكبرى لحامل القلم والفكر هي الكشف عن وجه الحقيقة، على حد قوله.
ويختم كتابه بلوم نفسه – وهو الكهل الذي يستعد للرحيل عن الدنيا – قبل أن يلوم غيره فيقول: ما الذي خدَّر عقولنا؟ فينا من يقول إن إجراءات عنيفة قد اتخذت لمنع تكوين رأي عام حر يناقش ويعارض، وإنها الرقابة المشددة على كل ما يُنشر والاعتقالات والتعذيب لمن يشتبه في أن له رأيًا مخالفًا. وفينا من يقول إن من أفلت من الاضطهادات وقع في شَرَك الأوهام. فالحقائق محجوبة. والرؤية الصحيحة للأشياء ممنوعة. ولم يبق أمامنا إلا اتجاه واحد وصورة واحدة وهي ما ترسمه لنا سلطات محفوفة بدوي الطبول. سحرونا ببريق آمال كنا نتطلع إليها من زمن بعيد، وأسكرونا بخمرة مكاسب وأمجاد فسكرنا حتى غاب عنا الوعي.
ثم يُنهي كتابه بهذا التساؤل القلق: هل ستسترد مصر الوعي الحر يومًا؟
كتاب “عودة الوعي” لتوفيق الحكيم من الكتب الجديرة بالقراءة شرط أن يتم ذلك دون تشنج أو انفعال، ودون أن يكون الهدف هو تسجيل نقاط على هذا الخصم أو ذاك. فالله هو المبتغى والوطن والكرامة هما الهدف والغاية.

عودة الوعي

للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية

TOP