تُرجمت أعماله إلى أكثر من 40 لغة دان بروان.. كيف أصبح “ساحر الرواية” الكاتب الأكثر مبيعاً في العالم
• بدأ حياته “كاتب أغاني” للأطفال.. وقام بإنشاء شركة تسجيل خاصة وأطلق عليها اسما غريبا هو “العبث”!
• بعد صدور روايته “شيفرة دافينشي” عام 2003 بات براون واحداً من أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم
• “الرمز المفقود” طبعت 6.5 مليون نسخة وباعت مليون في يوم واحد فنالت لقب “الرواية الأسرع مبيعاً في التاريخ”
• أعمال تُظهر مدى حرفية الكاتب ودقة الكتابة وإتقانها.. حيث توضع أشياء كثيرة من نسج الخيال كوقائع تاريخية حقيقية
• نقاد: أدب براون لا يدخل في نطاق التراث العالمي بجانب الأدباء الكبار.. وأعماله هي ابنة “السوق الاستهلاكية”
• والكاتب يرد: لا أدري إن كانت الروايات “المكتوبة للجماهير” قادرة على البقاء باعتبارها شكلاً أدبياً مستداماً
• يشتهر بالتواضع وحب الخير.. وفي 2009 تبرع هو وأسرته بـ 2.2 مليون دولار لمؤسسة خيرية
• معظم روايات بروان ترجمت إلى اللغة العربية فحققت أرقاماً عالية في المبيعات لم يعرفها أي كاتب عالمي آخر
الروائي الأمريكي دان بروان هو الكاتب الأكثر شهرة في العالم الآن، فقد تُرجمت أعماله إلى أكثر من 40 لغة، وبات الرجل الذي يصفه البعض بـ”ساحر الرواية” هو الكاتب الأكثر مبيعاً على المستوى العالمي. جعلت أعمال بروان من فن الرواية متعة لا تضاهيها أي متعة أخرى، فقدرته على جعل القارئ متشوقاً إلى مزيد من الأحداث بعد قراءة أكثر من 400 صفحة دون أن يصاب بالملل، هو في حد ذاته موهبة. وُلد براون في 22 يونيو عام 1964 في ولاية “نيوهامشير” الأمريكية، وكان والده يعمل أستاذاً لعلم “الرياضيات” بجامعة الولاية، أما والدته فكانت تحترف عزف الموسيقى الدينية في الكنائس والحفلات الدينية، فنشأ “دان” الطفل في بيئة تجمع بين العلم والدين معاً. درس “دان” الآداب في جامعة “آمهيرست”، ثم عمل لبعض الوقت بعد تخرجه معلماً للغة الإنجليزية في المدارس الثانوية، قبل أن يتفرغ تماماً الكتابة. ونظراً لشغفه بفك “الشيفرات” الغامضة وأسرار المنظمات الغربية.
(1) وبعد تخرجه في الجامعة، اتجه في البداية نحو الموسيقى، ونشر مجموعة من الأغاني الخاصة بالأطفال، باع بضع مئات منها، وبعد ذلك قام بإنشاء شركة تسجيل خاصة وأطلق عليها اسما غريبا هو “العبث”.
وفي عام 1991 انتقل بروان إلى مدينة السينما الأمريكية “هوليوود” وأصبح عازف بيانو وكاتبا لكلمات الأغاني في بعض الأفلام. تزوج بروان من أستاذة جامعية متخصصة في علم تاريخ الفن، تُدعى “بلايث” كانت خير معين له على الإبداع، فكانت كثيراً ما ترافقه في رحلاته الاستكشافية التي يقوم بها بحثا عن غوامض الأشياء التي يهوى الكتابة عنها، ومن هذه الرحلات رحلة إلى باريس، حيث قضيا معاً بعض الوقت في “متحف اللوفر” لاستجلاء أمور تتعلق بأعماله الأدبية. “الشيفرات” الغامضة أصدر أول رواية له بعنوان “الحصن الرقمي” عام 1998، وتدور أحداث الرواية حول تأثير إلقاء القنبلة النووية على مدينتي “هيروشيما وناجازاكي” في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، وبها نوع من الانتقام من القوة الأمريكية، وشجب لمدى سيطرتها ونفوذها على العالم برمته، وسرعان ما أصبحت الرواية رقم 1 ضمن أكثر الكتب مبيعاً على مستوى الولايات المتحدة. وبعد صدور روايته الأكثر شهرة “شيفرة دافينشي” عام 2003 بات براون واحداً من أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم، وفق استطلاع رأي أُجري في الولايات المتحدة وقتها، وظهر دان براون على قناة “سي إن إن” الشهيرة وبرنامج “توداي شو” وتحدث عبر إذاعة “صوت أمريكا”، كما تصدرت صورته كبريات صفحات الصحف والمجلات.
وتدور أحداث الرواية حول عالم رموز دينية في جامعة “هارفرد” اكتشف جريمة قتل لأمين متحف اللوفر الذي وُجدت على بطنه نجمة سداسية مرسومة بدمه، وكان ملقى بنفس وضعية لوحة “الرجل الفيتروفي” للرسام الشهير ليوناردو دافينشي، ووجد العالم أيضا رسالة مكتوبة برموز وهو يحاول فك لغز هذه الرموز ويحاول معرفة من هو قاتل أمين المتحف . واعتلت الرواية فور صدورها قائمة صحيفة “نيويورك تايمز” كأفضل الكتب مبيعاً على الإطلاق، حيث تركزت الأضواء بدءاً من عام 2004 على بروان في صحيفة “نيويورك تايمز”، وصارت أعماله من أكثر الكتب مبيعاً خلال أسبوع. و”شيفرة دافنشي” تُظهر مدى حرفية الكاتب، ومدى دقة الكتابة وإتقانها، حين توضع أشياء كثيرة لعلها من نسج الخيال كوقائع تاريخية حقيقية، ومنها تلك الطوائف الدينية القاسية، والأسرار التي لا يعرفها سوى القلة، ويبحث عنها أهل الشر، من أجل الشر وحده.
وفي الرواية، كثير من التشويق وكثير من الملامح البوليسية داخل نص معقد أشد التعقيد، ويجد القارئ نفسه في النهاية يلهث أيضا من أجل أن يسبق الكاتب في وضعه لنهاية النص، صفحات كثيرة مليئة بالحكايات، لكن التشويق يظل قائما حتى النهاية. وكانت “شيفرة دافنشي” كما يقول بعض النقاد هي المصيدة البارعة التي ألقاها براون من أجل مستقبل كتابته، حتى أصبح هناك من ينتظر كتبه بفارغ الصبر، ومن يقف في طوابير طويلة لاقتنائها، وهناك في العربية من يكتبون لدور النشر أن تسرع بترجمة أي كتاب يصدر له، وهذا ما يحدث دائما. الرمز المفقود أصدر براون أيضا العديد من القصص والروايات التي حققت نجاحاً منقطع النظير، منها “حقيقة الخديعة، و”ملائكة وشياطين” و”الرمز المفقود” وسواها.
وحصلت “الرمز المفقود” الصادرة عام 2009 على أعلى رقم في عدد الطبعات، حيث بلغ المطبوع منها حوالي 6.5 مليون نسخة في أمريكا وحدها، وفي اليوم الأول تم بيع أكثر من مليون نسخة منها في الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا، وبذلك نالت لقب “الرواية الأسرع مبيعا في التاريخ”، وقد تم ترجمتها إلى عدة لغات منها العربية، وتدور أحداث الرواية حول عالم الرموز روبرت لانغدون حينما كان يلقي محاضرة مسائية في مبنى “الكابيتول”، إلا أنه يكتشف بعد لحظات بأن هناك شيفرة بخمسة رموز غامضة تشير إلى دعوة قديمة تؤدي إلى حكمة سرية، ويحاول “لانغدون” معرفة ماهية السر أو الحكمة التي تشير إليها هذه الشيفرة الغامضة. وكل أحدث رواية “الرمز المفقود” تقوم على سوء فهم بين بطلي الرواية: الابن وأبيه.
إنها التقنية السردية المفضلة لدى الكاتب. وبروان ليس موهوباً وبارعاً في حبك “سوء الفهم” بين أبطال رواياته وحسب، بل هو بارع أكثر في فهم وتفسير سوء فهم الناس، خارج الرواية، للفنون، أو اللغة، أو التاريخ: تاريخ التنظيمات السرية والمجتمعات “الباطنية” التي نشأت نتيجة القمع الديني من الكنيسة الكاثوليكية وخصوم تقليدين هم أنفسهم ضحايا “سوء فهم” أيضا! وبصورة مكبرة يمكن القول إن الحياة برمتها، وليس هذا الاعتقاد أو ذاك السلوك، في عرف الكاتب، هي عبارة عن سوء فهم خالص: سوء فهم البشر لبعضهم البعض، كحتمية اجتماعية، وسوء فهم حاجاتهم الأساسية، والتحكم بها، وصراعهم عليها. وتتميز روايات براون بالتشويق والإثارة، حيث يكتب بطريقة سلسة وسهلة تمكن القارئ بسهولة من تذكر الأحداث وتحليلها خلال قراءته للرواية، ومحاولة تخمين الوقائع المقبلة. وهناك عامل مشترك بين كل هذه الروايات، هو أنها كلها تبدأ بجريمة قتل أو انتحار، ثم بعد ذلك تتسلل الأحداث المثيرة. وبذلك يتوقع القارئ أحياناً أنه سيدرك ماذا سيحدث في النهاية، ولكن أحداث وحبكة الرواية تتغلب عليه، فتحدث أمور مفاجئة، ويشعر القارئ غالباً خلال قراءته لأعمال براون وكأنه يشاهد فيلماً سينمائياً.
(2) وتُرجمت روايات بروان الشهيرة إلى اللغة العربية، وعرفت رواجاً شعبياً كبيراً، وأقبل على قراءتها جمهور عربي من أجيال شتى، فحققت رقماً عالياً في المبيعات لم يعرفه كاتب عالمي آخر. ويرى بعض النقاد أن أدب براون لا يمكنه أن يدخل التراث الأدبي العالمي إلى جانب أعمال الأدباء الكبار، فأعماله هي ابنة السوق الأدبية الاستهلاكية وسليلة أدب “البيست سيلرز” أو “الأكثر مبيعاً” الذي غالباً ما يهدف إلى تسلية القراء وجعلهم يقضون وقتاً ممتعاً سرعان ما ينتهي مع انتهاء فعل القراءة. ويرد بروان على هذا الزعم بقوله إن “الأشخاص الذين يختارون مهناً إبداعية يتعرضون للانتقادات، وسواء كنت رساماً أو مؤلفاً موسيقياً أو مؤلفاً مسرحياً أو طاهياً، ستجد أشخاصاً يحبون عملك وآخرين لا يحبونه. ما عليك إلا أن تفعل ما يحلو لك. يمكن أن ترسم لوحة فنية أو أن تؤلف مقطوعة موسيقية أو أن تحضّر طبقاً تحبّه.
سيلاقي عملك إعجاب البعض الذين يصبحون من المعجبين بك. وسيرفض آخرون عملك فهؤلاء هم نقادك. أقوم بتأليف الرواية التي أحب قراءتها وهي رواية تسلّي وتلبّي الفضول الفكري وتلهمه”. ويضيف: “ولا أدري إن كانت الروايات المكتوبة للجماهير قادرة على البقاء باعتبارها شكلاً مستداماً من أشكال الأدب، ولا أملك أدنى فكرة عن كتبي في هذا الشأن، إلا أنّ التاريخ مليء بأمثلة عن كتب ومسرحيات وموسيقى ابتُكرت للجماهير، إلا أنها بقيت شعبية بعد مرور قرون”. من جهة أخرى، يقول البعض الآخر من نقاد الأدب إنه حتى وإن اختلفت مع بروان في بعض كتاباته، فلن تستطيع إنكار روعة أعماله، فأسلوبه قادر على أن يجعلك تعيش مع الكاتب مغامراته الغربية.
(3) وهو يقول عن عمله “إنني أذهب دوماً إلى الأمكنة التي أكتب عنها والتي تدور فيها الأحداث. ولكي أكتب رواياتي، كان علي أن اكتشف بعض المتاحف والكنائس والأمكنة الأخرى. وقد سجلت الكثير من الملاحظات حول بعض اللوحات والطقوس والأسرار. كل هذه المواد تشكل مرجعاً رئيساً لأعمالي الأدبية”، مشيرا إلى أنه يكتب بشكل يومي، ويستيقظ في الرابعة صباحاً، وهي الفترة التي يعتبرها “وقت الإلهام”.
(4) وعن تقنية الكتابة لديه، يقول براون: “أقوم عمداً بإنشاء هذا المزيج بين الواقع والخيال والتاريخ والأسطورة في رواياتي، ربما ساعدني لقائي بأساتذة ملهمين خلال مسيرتي على فهم أهمية التشويق والتنوع في عملية التعلّم، فالقراءة هي عملية تعلّم، وبالتالي أحاول أن أضمّن كتاباتي بعض التقنيات التي يستخدمها هؤلاء المعلّمون الفاعلون”.
(5) ويشتهر بروان على المستوى الشخصي بتواضعه، فهو يقول: “في الحقيقة، لم تغّير الثروة حياتي، ولا أحب السيارات الفخمة والسريعة ولا اليخوت الفاخرة، ما يهمني هو أن أبدع، أن أكتب، أن أتعلم. وهذه الأمور لا تتطلب مالاً كثيراً.
بعد 3 سنوات من صدور «شيفرة دافنشي» كانت لا تزال لديّ سيارتي الفولفو القديمة”. وللكاتب نشاط إنساني ملموس، ففي أكتوبر عام 2009 تبرع براون وأسرته بـ 2.2 مليون دولار أمريكي إلى أكاديمية “فيليبس إكستر” تكريماً لوالده، لكي تقوم الأكاديمية بتوزيع حواسيب وأدوات عالية التقنية على الطلاب المحتاجين على مستوى العالم، كما يتبرع براون وزوجته “بلايث” لمؤسسة “نيوهامشير” الخيرية بانتظام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) موقع “ويكيبيديا”
(2) موقع “أراجيك”
(3) حوار مع دان بروان- موقع صحيفة “الحياة”
(5) موقع “الحياة”
https://old.booksplatform.net/ar/%D8%B9%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D9%8A%D9%86%D8%AA%D8%B5%D8%B1%D9%88%D9%86-%D9%84%D9%80%D9%84%D8%B7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D8%B9%D9%8A/