“فن القراءة”.. لكي نستفيد من الكتب
• أوسكار وايلد: إذا وجدت أنك لا تستمتع بقراءة نفس الكتاب مرة بعد مرة فلا داعي لأن تقرأه على الإطلاق
• لكي تكون قراءتك مثمرة احرص على اختيار الكتاب الصحيح.. فليس هناك كتاب “صالح للجميع”
• القراءة من أجل “توسيع قاعدة الفهم” هي أكثر الأنواع فائدة للإنسان وأرقاها على الإطلاق
“أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة، وهي لا تكفيني، والقراءة تعطيني أكثر من حياة”. هكذا قال الكاتب والمفكر العصامي عباس العقاد، الذي لم يلتحق بالجامعات مطلقا، وكانت الكتب وحدها هي “جامعته” الأولى والأخيرة. وقد اختص الله سبحانه وتعالي أمتنا العربية الإسلامية دون كل الأمم بنعمة القرآن الكريم، ومن بديع آياته أنه سبحانه ابتدأ وحيه لنبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، بقوله “اقرأ”، وكررها “جبريل” عليه السلام ثلاث مرات على النبي في مبتدأ الوحي، فالقراءة بهذا المعنى هي أول “فريضة إسلامية”.
ولكن، كيف تكون قراءتنا هادفة ومثمرة، كما أثمرت القراءة مفكرا في قامة “العقاد” مثلا؟ وكيف نبتعد عن “العشوائية” في القراءة، بحيث نصبح بعد كل كتاب جديد نقرأه أغنى فكرا وثقافة وعلما؟ بداية، يقول الكاتب الإنجليزي أوسكار وايلد: “إذا وجدت أنك لا تستمتع بقراءة نفس الكتاب مرة بعد مرة، فاعلم أنه لا داعي لأن تقرأه على الإطلاق”.
والمقصود من كلام “وايلد” هو شعور القارئ، بادئ ذي بدء، بالمتعة أثناء القراءة، فكل إدراك عقلي لا يصبح محل تطبيق إلا حين يكون مرتبطا بشكل وثيق بحاجة من الحاجات الأساسية للإنسان، والمتعة في هذا الصدد هي “المفتاح” الذي يفتح مغاليق النفس على آفاق معرفية جديدة. ولن تتكوّن عادة القراءة لدى الإنسان إلا عندما يشعر بشيء من المتعة واللذة عندما يقرأ، فمن البديهي أن توفر عنصر الإمتاع في عملية المطالعة يضمن استمرار شغف القارئ بما يقرأه، إذ يجب ألا تكون القراءة عملا روتينيا محضا، وإلا أورثت صاحبها الملل، بل ينبغي الحرص على كل ما لا يُحولها إلى عملية ميكانيكية، من جهة اختيار الكتاب الذي يصادف هوى في نفس القارئ، أولا، ومن ثم تأتي الفائدة المرجوة. منجم من الذهب في كتابه القيم “القراءة المثمرة”، يقول الأكاديمي العربي السوري الدكتور عبدالكريم بكار إن الإنسان متسائل بالفطرة، تواق إلى اكتشاف المجهول بالطبيعة، ولكن كثيرا من الناس لا يعرف لماذا يقرأ، ولا يبالي بمساءلة نفسه عن الهدف التفصيلي الذي يقرأ لأجله، مع أن تحديد ذلك بدقة مهم جدا لمعرفة ما يلائم الهدف من أنواع الكتب وأنواع القراءة ومستوياتها، وإن مكاسبنا من وراء كتب تعطي معلومات كمكاسب شخص امتلك قطعة ذهبية، أما مكاسبنا من وراء كتب تُحسّن الوضع الفكري لدينا، فهي مثل مكاسب من أُعطي مفتاح منجم من الذهب، وهذا النوع من القراءة هو الذي يجعل معلوماتنا تزهر وتثمر. وثمة ثلاثة أهداف عامة للقراءة لدى معظم الناس، وهي:
• القراءة من أجل “التسلية” التي لا تخلو من فائدة في نفس الوقت، فقد ينشغل بها المرء عن ملء فراغه بأشياء ضارة به أو بالمجتمع الذي يعيش فيه.
• القراءة من أجل الاطلاع على “معلومات” عن موضوع ما، وهذه الطريقة شائعة جد في عالمنا المعاصر خصوصا في أوساط متوسطي التعليم.
• القراءة من أجل “توسيع قاعدة الفهم”، وهي أكثر الأنواع فائدة، وأرقاها على الإطلاق، والذين يقرأون من أجل هذا الغرض يبتغون امتلاك منهج قويم في التعامل مع المعرفة. الجنة.. “مكتبة” يقول الروائي والشاعر الأرجنتيني الشهير خوخي لويس بورخيس “لقد تخيلت الجنة دائما في طفولتي على شكل مكتبة”. ومن الطريف أن “بورخيس” شرع وهو في التسعين من عمره في تعلم اللغة العربية، لهدف واحد هو أن يقرأ “ألف وليلة وليلة” في لغتها الأصلية، ولكن القدر لم يمهله! ولكي تكون قراءتك مثمرة وهادفة حقا، احرص على اختيار الكتاب الصحيح، إذ لا يوجد هناك كتاب صالح للجميع، ولكن ما يروق لغيرك قد لا يروق بالضرورة لك، وعليك أن تسأل من تعرفهم من القراء المخضرمين عن الكتب التي تناسبك إذا لم تستطع أن تحددها بنفسك، مع الاستعانة بالمواقع والشبكات المتخصصة في هذا المجال، للحصول على التوصيات بشأن الكتب المناسبة لك. وحتى تتمكن من ذلك، فإن عليك أولا أن تحدّد الأهداف التي لأجلها تسعى للقراءة، والتي أجملناها سريعا في الفقرة السابقة. ثم إن عليك أن تأخذ وقتك في القراءة، وألا تشعر بالقلق لأنّك تعاني من البطء مثلا مقارنة مع غيرك من القراء، فهذا الأمر سيتحسن مع مرور الأيام، ولن تستطيع أن تقرأ كتابا فكريا يتسم بالعمق في وقت وجيز كما تُقرأ الروايات، فلكل كتاب طبيعته الخاصة التي تجبرك أن تقرأه ببطء، أو بسرعة متوسطة؛ حتى تستوعب ما فيه؛ لذلك فإن سرعة القراءة تتفاوت حسب الكتاب وموضوعه، والمهم هو الحصول على الفائدة، وليس إنهاء الكتاب بسرعة. والقارئ الجيد هو الذي يطبق ما يتعلمه، ويفهم ما يقرأه، وهو الذي يقرأ 50% من الكتب التي يطالعها في تخصصه، والـ50% الأخرى في تخصصات مختلفة، أي أنه الذي يسعى لأن يعلم كل شئ في شئ ما، ويعلم شيئا عن كل شئ. وفي كتابهما “كيف تقرأ كتابا”، يقول المؤلفان موريتمر آدلر وتشارلز دورن، إن “من يرد أن تكون قراءته مثمرة، فعليه أيضا أن يضع لنفسه خطة معينة في القراءة بما يتناسب مع وقته، بحيث يخصص وقتا محددا في اليوم للقراءة، وليكن هذا الوقت قبل النوم مثلا، لكي يتمتع بالقراءة في هدوء وسكينة عقلية بعد أن ينتهي من واجباته اليومية”.
والحالة النفسية للقارئ مهمة جدا قبل البدء في عملية القراءة، فعندما يكون ذهنك صافيًا ذهنيا يُمكنك مطالعة الكتب الدسِمة التي تحتاج إلى تركيز كبير. وإن كنت تحس بذهنك مرهقا، فاخْتر الكتب السهلة والخفيفة، ولتكن قراءتك في هذه الحالة بغرض “المتعة فقط” كما يقول الأوروبيون، وكان المفكر الإسلامي المعروف الدكتور مراد هوفمان، يقول عن نفسه “كنت أقرأ الكتب الصعبة، فإذا تعبت وأُرهق ذهني أثناء القراءة، انتقلت للكتب السهلة”. ولابد أن تستصحب القلم حال القراءة، وأن تضع علامة على ما لا تفهمه من الكلمات المبهمة في الكتاب الذي تقرأه، حتى تسأل عنها فيما بعد أهل الاختصاص، أو تبحث عن معناها على شبكة المعلومات الدولية “الإنترنت”، كما أن هنالك فائدة أخرى في ذلك، وهي تسجيل ملاحظاتك الخاصة على الكتاب، للرجوع إليها عند الضرورة. وقد تقرأ كتابا فلا تفهمه، فماذا تصنع؟
استمر في القراءة. فإن استمر شعورك بعدم الفهم، فالأرجح أنك اخترت كتابا أعلى من مستوى معارفك. وفي هذه الحالة عليك أن تبحث عن كتاب آخر في الموضوع نفسه، تستسيغه. فإذا فرغت من قراءته، فعُد إلى الأول، وستجد أنك بدأت تعي ما فيه، فالشمعتان معا تضيئان أكثر مما تضيء الشمعة الواحدة. إن القراءة، في التحليل الأخير، ليست مجرد هواية أو عادة فحسب كما قد يظن البعض، بل هي نشاط إنساني مستمر ومتصاعد يحتاج منا إلى التخطيط والتفكير والمُثابرة والعناء. وإذا تمكنت، أخيرا، من التمرس على طريقة القراءة “الواعية المثمرة”، ستغيّر هذه الطريقة حياتك نحو الأفضل، وترفع من مستوى فهمك للحياة وللبشر من حولك، وتُعيد صياغة وجودك من جديد.
https://old.booksplatform.net/ar/%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%84%D9%88-%D8%A3%D8%B5%D8%A8%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%88%D9%86-%D8%A3%D8%BA%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8A/