الشرق الأوسط في إصدارات الغرب
عند الحديث عن الشرق الأوسط، لا يمكن تجنب الخوض في السياسة والصراعات والثورات التي طغت على المشهد خلال السنوات القليلة الماضية، وكذلك بالنسبة للمؤلفات والكتب العالمية الحديثة التي جعلت من هذه المنطقة محورا رئيسيا لموصوعاتها.
وفي نظرة قريبة، نلقي الضوء في السطور التالية، على أحدث الكتب العالمية الصادرة مؤخرا باللغات الانجليزية والفرنسية والألمانية، والتي تتصدر فيها منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي المشهد.
والبداية مع كتاب “تاريخ الشرق الأوسط الحديث: الحكام، والمتمردين، والمتشددين” (A History of the Modern Middle East: Rulers, Rebels, and Rogues)، الصادر عن دار مطبعة جامعة ستانفورد الأمريكية، سنة 2017، (554 صفحة) للمؤلفة بيتى اندرسن (BETTY S. ANDERSON) التي تقدم تقييما شاملا للمنطقة، يمتد من القرن الرابع عشر عندما تأسست الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية، وصولا إلى الاحتجاجات والاضطرابات الحالية.
ويركز هذا الكتاب على تركيا وإيران والدول العربية في الشرق الأوسط، فضلا عن المناطق التي غالبا ما تسقط من تاريخ الشرق الأوسط (مثل البلقان) إلى جانب الأدوار المتغيرة التي لعبتها القوى الغربية في المنطقة لعدة قرون.
وترسم “اندرسن” العلاقات الاجتماعية المعقدة، من وجهة نظر العمال والمهنيين، والتجار الحضريين، والأعيان الإقليميين؛ والعبيد، والطلاب، والنساء، والفلاحين، فضلا عن القادة السياسيين.
“تاريخ الشرق الأوسط الحديث”، يسلط الضوء على التعقيدات التي توجد في المنطقة واختلافاتها، في مواجهة الافتراضات السهلة حول الشرق الأوسط، وأولئك الذين يحكمونه، من حكام ومتمردين ومتشددين والذين يشكلون المنطقة.
وفي إصدار آخر، يستعرض الكاتب “جورج كورم” (Georges CORM) التاريخ المأساوي ومصير بلاد الشرق الأوسط والبلدان العربية في كتاب “شرق أوسط جديد” (La nouvelle question d’Orient) الصادر عن دار “لا ديكوفرت” La Decouverte)) بفرنسا، مارس 2017، في 250 صفحة.
ونظرا لموقع تلك البلدان السياسي والجغرافي ظلت مطمعا للقوى الاستعمارية في القرن التاسع عشر، ومنذ ذالك الحين، ظهر ما يعرف بـ “قضية الشرق”. وفي بداية الأمر كان ما يحدث عبارة عن منافسة شرسة بين بلدان أوروبا على استعمار أكبر جزء من أراضي الخلافة العثمانية.
وقبل أن ينتقل بنا الكاتب إلى ما يدعوه بالشرق الجديد يوضح لنا الشرق القديم بداية من بعد الحرب العالمية الثانية وممارسات العنف التي تلت تلك الفترة والتي بلغت ذروتها الآن.
ويَعتبر “جورج” أن كل الصراعات الأهلية في الشرق هي إرث عنصري للاستعمار الغربي في الشرق، وأن التسارع المتزايد لنمو الإرهاب في هذه المنطقة هو نتيجة لاختلال عقلي شارك فيه الاستعمار.
ومن الشرق الجديد إلى كتاب “الشرق الأدنى” (The Near East: A Cultural History)، الصادر عن دار “بوك توبيا” (Booktopia) بأستراليا، أغسطس 2017، في 288 صفحة، يستعرض “آرثر كوتريل” (Arthur Cotterell) التاريخ الشعبي الطموح والواسع النطاق، وهو أول وصف سردي للشرق الأدنى بأكمله (تركيا والعراق وسوريا ولبنان والأردن وإسرائيل والمملكة العربية السعودية ودول الخليج)، بداية من نشأة الحضارة في الألفية الرابعة قبل الميلاد حتى العصور الحديثة.
ويقدم “آرثر” مخططا تاريخيا للحضارات والثقافات التي هيمنت على المنطقة، والتي كان لها تأثير هائل على تنمية الجنس البشري، منذ أن اخترع السومريون القدماء الحياة الحضرية والكتابة 3200 قبل الميلاد.
وفي وقت لاحق، بني البابليون والآشوريون على الإرث السومري، وكانوا أول قوى عظمى في العالم، والتي أثرت أعمالها في مهد التوحيد على اليهودية، وفي نهاية المطاف على المسيحية والإسلام.
هذا الكتاب يناقش العصور الطويلة من الحكم العربي والفارسي والعثماني، والتدخل المزعزع للاستقرار من القوى الاستعمارية الغربية.
إن كتاب كوتريل هو تذكير في الوقت المناسب لكيفية تشكيل الأحداث التاريخية التي وقعت لمختلف الشعوب، وأيضا الاضطرابات السياسية التي وقعت في الشرق الأدنى وفى البلدان المجاورة وفى العالم ككل.
وبالنظر إلى الاضطرابات التي شهدتها البلدان العربية في الفترة الأخيرة، نجد أنها شغلت حيزا واسعا من المؤلفات الحديثة، ففي كتاب “الأراضي المتقطعة: كيف تفكك العالم العربي” (HOW THE ARAB WORLD CAME APART)، الصادر عن دار ينجوين راندوم هاوس (penguin random house) بالولايات المتحدة، في مايو 2017، (270 صفحة) يدرس “سكوت أندرسون” (SCOTT ANDERSON) عدد لا يحصى من الأسباب المعقدة للتفكك العميق في المنطقة، ويتتبع ويعيد الصراعات الإيديولوجية في الوقت الحالي إلى أصولها بعد غزو الولايات المتحدة للعراق في عام 2003 وما حدث بعدها.
وفي عام 2011، اندلعت سلسلة من الانتفاضات المناهضة للحكومات وهزت الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فيما أطلق عليه بعد ذلك بالربيع العربي.
وقد تنبأ عدد قليل بأن هذه التشنجات، التي أشاد بها الغرب في البداية على أنها انتصار للديمقراطية، سوف تفسح المجال لحرب أهلية وحشية، وأهوال من تنظيم الدولة الإسلامية، وأزمة عالمية فى اللاجئين .
هذا التحقيق الوارد في الكتاب يظهر وجهة نظر نادرة عن أرض مليئة بالاضطرابات من خلال عيون ستة أفراد: أم تعول عائلة مصرية، وطالب في سلاح الجو الليبي وولائه مقسم؛ وطبيب كردي من عشيرة محاربة؛ وطالب جامعي سوري اشترك في الحرب الأهلية، وناشطة عراقية لحقوق المرأة، ومقاتلة عراقية تحولت إلى مقاتلة فى داعش.
هذا العمل أقرب إلى “ريبورتاج” يقدم صورة لاختراق العالم العربي المعاصر، وحقائق مذهلة لمأساة جيوسياسية لم يسبق لها مثيل.
ونبقي في العالم العربي، مع كتاب “انقلابات العالم العربي: الثورة وما بعدها في تونس ومصر” (THE ARAB WORLD UPENDED: REVOLUTION AND ITS AFTERMATH IN TUNISIA AND EGYPT) صدر هذا العام، عن دار “لين رينر” “Lynne Rienner” بالولايات المتحدة، وجاء في 269 صفحة، للكاتب ديفيد أوتاواي (DAVID B. OTTAWAY)، الذي يجيب من خلاله على سؤال: لماذا لا تزال الأنظمة الحالية في كلا البلدين هشة جدا؟
ويفسر “أوتاواي” ذلك استنادا إلى سنوات قضاها في البحث المباشر والمتعمق، لكي يستكشف أسباب الثورات في تونس ومصر، وأسباب اختلافها جذريا، والمسار المحتمل للتنمية السياسية في البلدين.
وفي رأيه، بعد أن انهارت الأنظمة الاستبدادية في الدول البوليسية تونس و مصر في عام 2011، أسرعت الأحزاب الإسلامية بدورها لكي تقومبالمزيد من الانتفاضات الضخمة، وهذه المرة كانت بمساعدة من قبل العلمانيين الساخطين، وفي مصر، كانت بمساندة من الجيش.
وفي مصر وتونس أيضا، كيف يمكن للدول العربية أن تبني الأسس لسيادة القانون في أعقاب حكم استبدادي قضى فترة طويلة في الحكم؟ وما هي التحديات المحددة التي تواجهها؟ وهل هناك رؤى يمكن أن تكتسب من التحليل المقارن خارج المنطقة؟
باستكشاف هذه الأسئلة، فإن إيفا بيلين وهايدي لين مؤلفي كتاب “بناء سيادة القانون في العالم العربي: تونس ومصر وما بعدهما” يقدمون، من الناحية النظرية، تقرير تجريبي غنى عن القضايا الرئيسية التي تواجه البلدان في طليعة التغيير السياسي منذ الربيع العربي، حيث تسعى الحكومات إلى تطوير أجهزة قضائية فعالة ومسئولة، وقطاعات، ووکالات لمکافحة الفساد.
وفي سياق الحديث عن اضطرابات الشرق الأوسط، تميزت الموجة الثورية التي اجتاحت المنطقة في عام 2011 بتعبئة مذهلة، فقد انتشرت داخل وبين البلدان بسرعة مذهلة وغير عادية، لكن بعد مرور عدة سنوات، وجد أنها قد تسببت في تحولات محدودة في هياكل السلطة، مما ترك جزءا كبيرا من النظام السياسي والاجتماعي القديم سليما.
ويذكر ذلك الكاتب “آسيف بيات” الذي عاش حياته كناشط سياسي أثناء الربيع العربي، في كتابه “ثورة بدون ثوار” (Revolution without Revolutionaries) الصادر في أغسطس 2017، عن مطبعة جامعة ستانفورد الأمريكية (Sanford University Press)، ويشير إلى سبب حدوث تلك الموجة الثورية، وما جعل هذه الانتفاضات متميزة جدا عن تلك التي كانت موجودة من قبل.
“ثورة بدون ثوار” هو تاريخ الربيع العربي وتاريخ الثورة على حد سواء، حيث تكشف ثورات عام 2011 جنبا إلى جنب مع ثورات السبعينات، ولا سيما الثورة الإيرانية، عن تحول عالمي عميق في طبيعة الاحتجاجات، فكما انتشر قبول السياسة النيوليبرالية، تضاءلت النبضات الثورية الراديكالية وبدأ المتظاهرون يدعون إلى الإصلاح بدلا من التحول الأساسي.
ومن خلال تعقب ملامح انتفاضات 2011وإلقاء الضوء عليها، يعطينا “بيات” الكتاب اللازم لشرح وفهم عالم ما بعد الربيع العربي.
وفي كتاب “الاحتجاجات والأجيال: الموروثات وحالات الطوارئ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط” (Protests and Generations: Legacies and Emergences in the Middle East, North Africa and the Mediterranean)، الصادر عن دار “بريل أكاديميك” (Brill Academic Pub) بهولندا، يونيو 2017، يركز المؤلفان مارك مهند عياش، ورتيبة حاج موسى (Mark Muhannad Ayyash , Ratiba Hadj-Moussa) على الاحتجاجات الأخيرة والجديد فيها، لكنه لا يستكشف مختلف الصلات القائمة بينها وبين ما سبقها.
وفى هذا الكتاب توثيق للعديد من دراسات الحالة التي تسلط الضوء على الروابط التي تربط الأجيال بالاحتجاجات وقدرة هذه الأجيال في التعبير عنها، وهو واحد من المواضيع الرئيسية في هذا الكتاب والذي يحتوى على العديد من الأسئلة ومحاولة الرد عليها.
كتاب “الاحتجاجات والأجيال” يوضح إشكالية العلاقات بين الاثنين، حيث يقول إن التعبير عما حدث في وقت واحد يعود إلى الروابط التاريخية والمعارضين لها.
وفي المجلد الـ13 من سلسلة الأعمال العالمية لمؤسسة فريدرش إيبرت يقدم الكاتب “فولكر فيناي” نظرة عامة تمهيدية عن الأحداث في المنطقة العربية بأسرها في الفترة من النصف الثاني للقرن العشرين وحتى انهيار الكتلة الشرقية، في كتاب “التحديات في الدول العربية: مؤسسة فريدرش ايبرت في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، الصادر عن دار “ديتز هاوس” (Dietz house) بألمانيا، سنة 2016، وجاء في 408 صفحة.
ويلقى الكاتب سيغريد فاث والكاتب سونيا هيغاسي الضوء على التطور الحادث في تونس ومصر كما يعرض المشاكل والفرص التي كشفتها مؤسسة فريدرش إيبرت. ويكمل أكيم فوغت النظرة العامة بالتحديثات المستمرة حتى اليوم.
إن المرونة التي كانت ومازالت تتعامل بها المؤسسات السياسية مع التحديات الجيواستراتيجية مثل “الربيع العربي” و النكسات أيضاً تجعل من الواضح لماذا كانت وما زالت تعد المؤسسات السياسية في ألمانيا وسائل لا غنى عنها في السياسيات الخارجية التكميلية.
ونبقى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع كتاب “بين الشك واليقين: الشباب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، (Zwischen Ungewissheit und Zuversicht: Jugend im Nahen Osten und in Nordafrika)، الصادر في ديسمبر المقبل، عن دار “دايتز هاوس” ( (Dietz house بألمانيا، في 336 صفحة، حيث تتيح الدراسات التمثيلية الواسعة الخاصة بالشباب في العالم العربي لأول مرة، في هذا الكتاب، رؤى عميقة حول إحساسهم بالحياة وفهمهم لذواتهم وأفكارهم المستقبلية.
وتقوم الدراسة التي قام بها يورغ جيرتيل، ورالف هيكسيل، على حوالي 9 الآف شاب تتراوح أعمارهم من 16 لـ30 عام من مصر والبحرين واليمن والأردن ولبنان والمغرب وفلسطين وسوريا وتونس.
وذكرت الدراسة أن معدلات العنف والحرب والفقر والجوع في تزايد مستمر، بالإضافة إلى أن إمكانية الانفصال العاطفي المادي والاجتماعي عن العائلة هنا تعد أمر صعب للغاية.
وعندما يضطر الشباب لتأسيس بيوت في تلك الظروف الصعبة دائما ما يجدون طرق مدهشة لذلك. وعلي الرغم من التقلبات الاقتصادية الكبيرة وغياب المشاركة السياسية والإحساس بانعدام الآمان المنتشر في جميع الأرجاء والذي يتفاوت من بلد إلى آخر فإن الكثير منهم ما زال يتطلع بتفاؤل للمستقبل.
وعن العلاقة بين الهوية والمعارضة السياسية في سياق الشرق الأوسط العربي وغير العربي، يركز المؤلفان شبنام هوليداي وفيليب ليتش (Shabnam J. Holliday and Philip Leech) على الانتفاضات والاحتجاجات الأخيرة في المنطقة، وذلك في كتابهما الصادر مؤخرا “الهويات السياسية والانتفاضات الشعبية في الشرق الأوسط” (Political Identities and Popular Uprisings in the Middle East)، الصادر عن دار “Rowman & Littlefield” بالولايات المتحدة الأمريكية، سنة 2016، في 228 صفحة.
في الكتاب دراسات حالة عن إيران وفلسطين وإسرائيل واليمن وتونس ومصر وسوريا وكردستان العراق، كما يتم تسليط الضوء على عدد من الديناميات وأشكال المقاومة المختلفة.
وتبين هذه الأمثلة كيف أن الهويات السياسية متعددة، وليست ساكنة، وأنها معقدة للغاية بحيث لا يمكن تخفيضها أو تقسيمها هكذا الإسلاموية مقابل العلمانية أو السنة مقابل الشيعة.
ومن خلال دراسة العلاقة بين السياسات الشعبية اليومية ومسألة الهوية، فضلا عن خطابات الهوية للنخبة، يقدم هذا المجلد تحليل محكم عن المجتمعات السياسية الديناميكية في المنطقة.
كما يستكشف الكتاب كيف يجب التنقل بين الهويات المختلفة، وكيفية التفاوض، وكيفية تقاطعها في وقت التغير الجذري في الشرق الأوسط.
وعن أثر الانتفاضات العربية على السياسة والاقتصاد السياسي، سيصدر كتاب “النضال من أجل النفوذ في الشرق الأوسط” عن دار “روتلدج” (Routledge)، نوفمبر 2017، للمؤلفين: فيديريكا بيتشي، بينوا شالاند، ستيفن هيدمان، للكشف عن تأثير توفير المساعدات الخارجية على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
هذه المجموعة من الأوراق البحثية ترتبط بالسياسات الخارجية والإستراتيجية للجهات المانحة الرئيسية ( الولايات المتحدة، أوروبا، دول الخليج و تركيا) وأيضا على العلاقة بين المانحين والمتلقين للمعونة الخارجية، وهى مجموعة مختارة من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ( تونس ومصر وفلسطين وبدرجة أقل المغرب).
وعلى الرغم من الخطاب الواسع النطاق بين المانحين الرئيسيين والذين تعهدوا فيه بدعم إمكانات التحول فى بلدان الانتفاضات العربية، فإن المساهمات وجدت نمطا أكثر تعقيدا في تقديم هذه المساعدات الخارجية منذ عام 2011.
لكن بالنسبة للمانحين الغربيين، يجد المؤلفون درجة عالية من الاستمرارية. وهناك العديد من الفصول التي تركز على المانحين الغربيين ومراعاة استمرارها من جانب الحكومات الغربية والاتحاد الأوروبي .
وهناك عاملان وراء تعطيل بعض هذه المساعدات وهما البيروقراطية والأمن، وهما يستحوذان على معظم التفسيرات المقدمة، والتي تأخذ في الاعتبار مجموعة متنوعة من الأبعاد المحلية أيضا.
وتناقش المساهمات الواردة في هذا الكتاب، بيئة المساعدات المتغيرة (بمعنى آخر عولمة المساعدة الخارجية (والترتيبات البيروقراطية المعقدة التي في يدها مسئولية تسليم المعونة الأوروبية والأمريكية، وأيضا دور المنظمات غير الإقليمية والدولية في تقديم المساعدات الأجنبية.
وفي كتاب آخر يكشف عن العنف الذي يحدث في الحياة العامة في مدن الشرق الأوسط الحديثة، يقترب “نليدا فوكارو” (NELIDA FUCCARO) من العنف كظاهرة فردية وجماعية، وكحدث تاريخي، وعملية حضرية، في كتابه الصادر مؤخرا تحت عنوان “العنف والمدينة في الشرق الأوسط الحديث” (Violence and the City in the Modern Middle East)، عن دار “برانز آند نوبل” (Barnes & Noble) بالولايات المتحدة، في 312 صفحة.
وتعكس المقالات الواردة في هذا المجلد تنوع الحضارة في الشرق الأوسط من القرن الثامن عشر إلى أواخر القرن العشرين، من عواصم مثل القاهرة وتونس وبغداد إلى مدن المحافظات في جدة ونابلس والبصرة والمستوطنات النفطية في الظهران و عبادان.
ويرى ” فوكارو” أن العنف والمدينة يتعايشان في حوار معقد، وبنظرة نقدية للمدينة يتوفر لدينا وسيلة هامة لفهم القوى التحويلية للعنف، وأيضا قدرته على إعادة رسم حدود الحياة الحضرية، وفى خلق المجتمعات وتقسيمها، التأثير على الاستراتيجيات الحاكمة من النخب المحلية والحكومات والجهات الفاعلة السياسية.
وفي دراسة تجمع بين التاريخ الماضي بأحداثه العسكرية الرئيسية وديناميكيات الشرق الأوسط في القرن العشرين والواحد وعشرين، يقدم “جيمس بريان مكناب” (James Brian McNabb) فهم واضح لما يحدث في المنطقة في وقتنا الحاضر، في كتابه الجديد “التاريخ العسكري للشرق الأوسط الحديث” (A Military History of the Modern Middle East)، الصادر في سبتمبر 2017، عن دار “أ ب ث-سليو إنكوربوراتيد” (ABC-CLIO, Incorporated) بالولايات المتحدة، وجاء في 459 صفحة.
يعرض الكتاب تطور القتال والفكر العسكري في المنطقة من العصور القديمة إلى العصر الحديث، كما يلخص تأثير العوالم القديمة والعصور الوسطى على الشرق الأوسط الحديث.
الكتاب فيه توليفة لسياسات الشرق الأوسط، وإستراتيجيته الجغرافية، والعمليات العسكرية التي حدثت فيه، كما يناقش الكتاب الديناميات الدينية والثقافية الرئيسية التي دفعت الأحداث في المنطقة.
كما يركز الكتاب ، على العلاقة بين مصالح النخب، والفصائل، ومشكلة التنمية من حيث صلتها بالصراع واتخاذ القرار العسكري.
وفي كتاب “بعد صدام: السياسة الخارجية الأمريكية وتدمير العلمانية في الشرق الأوسط”، ((After Saddam: American Foreign Policy and the Destruction of Secularism in the Middle East، الصادر عن “رومان وليتلفيلد” Rowman & Littlefield)) بالولايات المتحدة، سنة 2017، تحقق دينا بادي (DINA BADIE) في الطريقة التي حولت بها السياسة الخارجية الأمريكية في العراق مصطلح ميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط وجلبت الهويات الدينية إلى المقدمة.
ونتج عن إعدام صدام حسين نظام إقليمي جديد قلل من قوة القومية العلمانية، ورفع من قدرة إيران والمملكة العربية السعودية كمنافسين إقليميين، وأدى ضمنا إلى إنشاء نموذج إيديولوجي جديد تميزت فيه الفصائل الدينية المتنافسة على النماذج العلمانية.
وهناك ديناميكية مماثلة وواضحة أيضا في الحروب الإقليمية الحالية في سوريا واليمن. من خلال رفع مجموعات معينة بدعمها ماليا وعسكريا، وتعكس الصراعات الأهلية في الشرق الأوسط الأيديولوجيات التي تكمن خلف التنافس السعودي الإيراني.
ولذلك فإن هذا الكتاب يتخطى الروايات الشائعة عن الصراع السني – الشيعي الذي طال أمده، وذلك لشرح مصدر التوتر الطائفي الحالي باعتباره نتاجا لديناميات توازن القوى.