هل بات محرك الرأسمالية معطوبا؟
يضع هذا التقرير بين يديّ القارئ العربي أحدث الإصدارات العالمية، وهو تقرير جديد من نوعه في فكرته ومحتواه، يُعنى بتقديم وجبة دسمة للقارئ، قوامها أحدث وأهم المطبوعات الصادرة مؤخرا باللغات الثلاث الأكثر إنتاجا للكتب في العالم، الإنجليزية والفرنسية والألمانية:
هل أصبح محرك الرأسمالية الذي يُمسك بناصية الاقتصاد الدولي الجديد في ظل “العولمة”، مكسورا؟!
هذا السؤال الغريب، بات مطروحا بقوة في أوساط الخبراء الاقتصاديين الدوليين، من الولايات المتحدة غربا، إلى اليابان في أقصى الشرق، على اعتبار أن العالم يتجه منذ فترة إلى أنظمة اقتصادية أكثر “إنسانية” وأقل خطورة على مستقبل البشر فوق سطح الأرض.
وفي السطور التالية، نُبحر سويًّا بين أحدث الإصدارات العالمية في هذا المجال الاقتصادي،وفي إصدارات المطابع الغربية،لكي نقرأ عن الأسباب التي ستؤدي إلى فشل عملة “اليورو” الأوروبية، ونتعلم كيف يمكننا أن نستثمر في العملات الرقمية.
كما نستكشف مع المصرفي البنجلاديشي المعروف محمد يونس “عالم الأصفار الثلاثة” في الدول الناشئة عن التجارب الاقتصاديةالجديدة، عبر كتاب بنفس العنوان، لنصل إلى “أطلال الرأسمالية” على جناح كتب أخرى:
المستقبل لـ”العملات الرقمية”
يرزح العالم عاما بعد عام تحت وطأة أزمة المالية بدأت تتراجع إلى حد ما خلال الآونة الأخيرة، حيث شرع الاقتصاد العالم في دخول مرحلة التعافي أخيرا، وهذا هو ما يسجله كتاب “كل شيء من البداية: لماذا يفشل اليورو، وكيف تنجح بداية جديدة”، بأقلام ثلاثة خبراء شباب ينتمون إلى جيل الاقتصاديين الجدد في أوروبا، هم نيكولاس هاينن، وجان مالين، وفلوريان تونكار، وهم يتوقعون الفشل لعملة “اليورو” الأوروبية الوحدة، بسبب التوترات الراهنة في مجالي الاقتصاد والسياسة،ولكون النظام المالي العالمي الحالي بات مرهونا بالتوترات السياسية الحادثة في غير مكان من العالم، وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط.
ورغم ذلك، يقول المؤلفون،”سيكون من الخطأ العودة إلى العملات الأوروبية الوطنية، ما يمثل فرصة لابتكار اليورو الجديد الذي من شأنه أن يتغلب على العيوب البنيوية الحالية، وسيستفيد من تجربة العملة الموحدة،وسيكون ذلك بمساعدة كل من البنك المركزي الأوروبي، والتنظيم المصرفي الذكي، الذي يمنع حدوث الأزمات المالية”.
كتاب “كل شيء من البداية: لماذا يفشل اليورو، وكيف تنجح بداية جديدة” صدر في أغسطس 2017 عن دار Campus Verlag”“، وجاء في 235 صفحة.
ومن مستقبل”اليورو”في ظل النظام المالي الجديد، إلى عملات أخرى متداولة في العالم الافتراضي،عبر كتاب جديد صدر مؤخرا للكاتب آرون كونيج بعنوان“الاستثمار في العملات الرقمية”، حيث يمكنأن تكون هذه العملات التي يطلق عليها اسم العملات الرقمية المشفرة “الكريبتوكوينز”، استثمارات مربحة على شبكة المعلومات الدولية “الإنترنت”، مع ضمان معدلات نمو تصل إلى “عدة آلاف في المئة”سنويا، حيث يؤكد المؤلف أن “المستقبل للعملات الرقمية”.
لكن ما الذي يجب أن تنتبه له عندما تستثمر في العملات الرقمية؟ وإلى أي حد يمكن لاستثمار المال في هذه العملات الافتراضية أن يكون محفوفاً بالمخاطر، وأي عملة من بين مئات العملات الرقمية يُوصى بالاستثمار فيها؟
يبسّط “آكوينيغ” للقارئ العالم الخفي للعملات الرقمية، بطريقة يسهل فهمها، ويقدم الأهم منها، كما يعطي نصائح عملية حول الاستثمار فيها، عبر هذا الكتاب الصادر عن “فينانزبوشفيرلاغ” الألمانية، في سبتمبر 2017
وفي كتابها بعنوان “التأثير الحقيقي: الاقتصاد الجديد للتغيير الاجتماعي”، تتساءل الكاتبة مورغان سيمون: هل سيمنح الاستثمار ضمن الاقتصاد الدولي الجديد “سلطة الفعل” للناس في جميع أنحاء العالم، أم أنه سيكرر نفس الأخطاء التي عانت منها المعونات والتمويل؟
ويبيّن هذا الكتاب كيف نفعل ذلك بطريقة صحيحة، وكيف نستفيد من موارد العالم لتغيير الاقتصاد حقا، لا سيما بعدأن يصبح أثر الاستثمار ودعم المشاريع الاجتماعية والبيئية ذات العائد المالي مواضيع ساخنة في العقد المقبل على الساحة العالمية؛ توازي المعونة التقليدية بمقدار 10 مرات.
ويُذكر أن “سيمون”خبيرة استثمار في مجال التمويل الاجتماعي والعدالة الاجتماعية،وهي تعمل على أكثر من 150 مليار دولار استثمارات ذات طابع اجتماعي عبر العالم، وتقدم في هذا الكتاب الصادر في أكتوبر 2017 عن دار”Barnes and noble” الأمريكية، تجربتها كمستثمر وناشط،كما تقدم استراتيجيات واضحة للمستثمرين وقادة المجتمع ورجال الأعمال، على حد سواء.
المحرك الرأسمالي “مكسور”
من عالم الاقتصاد الجديد إلى “عالم الأصفار الثلاثة”لمحمد يونس، الخبير المصرفي البنجلاديشي الشهير، حيث يصف المؤلف الحضارة الجديدة الناشئة عن التجارب الاقتصادية المختلفة عالميا، مثل تجربة بنك “جيرمين” للفقراء التي قادها “يونس” نفسه في بنجلاديش.
ويوضح “يونس” كيف شاركت شركات عالمية عابرة للقارات أو “كارتلات”، مثل “ماكين ورينو وإسيلور ودانون”في هذا النموذج الاقتصادي الجديد من خلال مجموعاتها للعمل الاجتماعي، ويصف الأدوات المالية الجديدة لتمويل المشاريع الاجتماعية، كما يصور التغييرات القانونية والتنظيمية اللازمة لتحريك “الابتكارات المدفوعة اجتماعيا”.
محمد يونس، الذي ابتكر “الائتمان الصغير”، وحصل على “جائزة نوبل” للسلام لعمله في مجال التخفيف من حدة الفقر في بنجلاديش، يعتبر واحد من أبرز النقاد الاجتماعيين في عالمنا اليوم، وهو يؤكد أن “الوقت قد حان للاعتراف بأن المحرك الرأسمالي مكسور”،ما سيؤدي حتما في تقديره إلى “تفشي التفاوت والبطالة والتدمير البيئي. لذلك نحن بحاجة إلى نظام اقتصادي جديد يطلق العنان للإيثار كقوة خلاقة بنفس قوة المصلحة الذاتية”.
وكما يمكن للتجارب الاقتصادية أن تؤثر في الحضارة الناشئة، حسب “يونس”، يمكنها أيضا أنتغيّر من رفاهية الدول إلى الأسوأ، وفقكتاب بعنوان “الأيديولوجية الحكومية والضغط الاقتصادي ومخاطر الخصخصة”، للمؤلفين نيكولاوسهاينن، وجان مالين، وفلوريان تونكار.
ويضرب المؤلفون في هذا الكتاب عدة أمثلة عن شكل النظرة الاقتصادية للخيارات السياسية الاجتماعية في أوقات الأزمات، ومنها ما قامت به حكومات الديمقراطيات الغربية الغنية، منذ ما يقرب من 40 عاماً، من تحجيم المخاطر سوق العمل.
ويحلّل الكتاب مجموعة من التغيرات في ثمانية عشر بلداً،وقد صدر عام 2017 عن مطبعة جامعة أمستردام في هولندا،وجاء في 228 صفحة.
ونبقى مع تبعات الأزمة الاقتصادية من خلالكتاب “الأزمة الحضرية الجديدة”، الذي يطرح أسئلة عدة،منها: كيف ازدادت ظاهرة عدم المساواة، والطبقية، وتدهور الطبقة الوسطى في العالم الآن؟ وما الذي يمكننا القيام به حيال ذلك؟
ويؤكد ريتشارد فلوريدا في كتابه أن الدوافع التي شكلت المدن العالمية هي نفسها التي شكلت التحديات التي تواجهها الدول حاليا مثل: عدم القدرة على تحمل تكاليف المعيشة، والطبقية، وانعدم المساواة، حيث اندفع الشباب المتعلمين والأثرياء إلى المدن بقوة خلال السنوات الأخيرة.
ويُعد كتاب “الأزمة الحضرية الجديدة” الصادر عن دار”Basic Books“ الأمريكية، عملا مبدعا قائما على البحث والتحليل، وهو يقدم دراسة معمقة”لأمراضنا الاقتصادية” الراهنة، ويوضح كيفية ضمان “النمو والازدهار للجميع”.
وفي كتاب آخر، يكشف ميغان أوسوليفان الأستاذ بجامعة “هارفارد” وصانع السياسة السابق في واشنطن، كيف أفسحت المخاوف الاقتصادية من ظاهرة “نقص الطاقة” المجال لواقع بات يتمتع بوفرة في الطاقة.
ويستعرض “أوسوليفان” في كتاب بعنوان “كسب مفاجئ:كيف تنهض وفرة الطاقة الجديدة بالسياسة العالمية وتقوي أمريكا”، تأثير الطاقة الجديدة العميق على العلاقات الدولية والأمن الدولي، وكيف أدت التكنولوجيات الجديدة إلى وجود أسواق نفطية عديدة ووفرة الغاز الطبيعي.
كتاب “أوسوليفان”يعالج الآثار العالمية لتلك الطاقة الجديدة، وقد صدر عن دار “barnes and noble “، في سبتمبر 2017، وجاء في 496 صفحة.
الوقوف على”أطلال الرأسمالية”
في سياق نقد الأنظمة الاقتصادية المعروفة، يعتبرالمنظر الأمريكي ويليام كينغستون في كتابه الجديد “كيف دمرت الرأسمالية نفسها” أن النظام الرأسمالي حافظ لوقت ما على القيم الأخلاقية الموروثة، لكنه أطاح بها فيما بعد،فقد تم الاستيلاء تدريجيا على القوانين التي تكرس الابتكارات الاقتصادية والمالية والديمقراطية البرلمانية، من قِبل أولئك الذين يمكن أن يستفيدوا منها أكثر من غيرهم.
ويتعامل “كينغستون” بشكل فريد من نوعه مع الرأسمالية من وجهة نظر “حقوق الملكية الفكرية”، ويقدم أول شرح مقنع للدورات الاقتصادية المعروفة في إطار هذا النظام. ويلفت الكتاب الصادر في سبتمبر 2017 عن دار “Edward Elgar Pub”في المملكة المتحدة الانتباه إلى الضرر الذي قد يسببه القياس غير الدقيق للنشاط الاقتصادي، سواء على المستوى الجزئي (مراجعة الشركات) أو المستوى الكلي (نظام الناتج المحلي الإجمالي / الناتج القومي الإجمالي). إنه كتاب أساسي للاقتصاديين الناشطين والعاملين في الأوساط الأكاديمية.
وبعد أن دمرت الرأسمالية نفسها حسبما جاء في كتاب “كينغستون”، تقف آنا لون هاوبتتسينغ على”أطلال الرأسمالية”من خلال كتاب يحمل عنوانا مثيرا هو “ماتسوتاكي فطر في نهاية العالم: حول إمكانية الحياة علي أطلال الرأسمالية”.
و”ماتسوتاكي” هو الفطر الأكثر قيمة في العالم الآن، وهو نوع من الأعشاب تنمو في غابات نصف الكرة الشمالي. ويساعد هذا الفطر الغابات على النمو في أماكن شاقة من خلال قدرته على “تنشئة الأشجار”، كما يعتبر أيضا طعاما شهيا جدا في اليابان، حيث تصل أسعاره إلى أرقام فلكية تعادل آلاف الدولارات للجرام الواحد.
وتقدم “تسينغ”في كتابهاواحدة من أغرب سلاسل السلع في عصرنا لاستكشاف ما سمّته “الزوايا المثيرة” للرأسمالية، حيث العالم المتنوع والغريب لتجارة فطر “الماتسوتاكي”، بما في ذلكعوالم الذواقة اليابانيين، والتجار الرأسماليين، وأحراش غابة “همونغ” في اليابان، والغابات الصناعية، ورعاة الماعز الصيني، ومرشدي الطبيعة الفنلندية، وسواهم.
الكتاب الصادر في سبتمبر 2017، عن دار Barnes and noble”“، في الولايات المتحدة الأمريكية يقدم رصدا للعلاقة بين “الفناء الرأسمالي والبقاء التعاوني”.
ومن انهيار الرأسمالية إلى تعافي الاشتراكية، يشرح إكسيل هونيث في كتابه”فكرة الاشتراكية: محاولة التحديث”التغيرات الحادثة في المفاهيم الضرورية بما في ذلك مفهوم “الحرية الاجتماعية”،لكي تستعيد الأفكار الاشتراكية خسارتها ورونقها.
ويشرح “هونيث” في كاتبه الصادر باللغة الفرنسية عن دار “Gallimard” في باريس، العمليات الاجتماعيةالاقتصاديةالمعقدة إلى حد كبير، والبعيدة عن الوعيالعام للجمهور العادي،مؤكدا أن هناك استياءً عاما بسبب “التوزيع الفاضح للثروة والسلطة” على سطح الكوكب الأرضي. وربما يرجع السبب في ذلك – حسب المؤلف- إلى اختفاء “بديل الرأسمالية” الذي كان متجسدا في “النظام السوفيتي” سابقا، الذي “وإن كان قد وفر بعض المنافع الاجتماعية، لكن ذلك كان على حساب الحرمان من الحرية”.
https://old.booksplatform.net/ar/product/%D8%AA%D9%86%D8%A7%D9%82%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D8%B1%D9%88/