“الحداثة والمقاومة لـ” طه عبد الرحمن

عنوان الكتاب الحداثة والمقاومة
المؤلف د. طه عبد الرحمن
الناشر  معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية
البلد المغرب
تاريخ النشر 2007
عدد الصفحات 107

أشتري الكتاب حمل الكتاب

الوصف

“الحداثة والمقاومة لـ” طه عبد الرحمن

استأثر المفكرون الغربيون بمفهوم “الحداثة” باعتباره نتاجًا خاصًا بهم، وراح نظراؤهم العرب يقلدون النظريات والكتابات الغربية في هذا الصدد، مُهولين من قدر هذا المفهوم، وعاجزين عن إبداع “حداثتهم الخاصة”، فجاء إنتاجهم الفكري خاليًا من أي أدوات مبتكرة، فلم تكن هذه سوى أدوات منقولة من ثقافة مستوردة.
ولقد أدت هذه الموجة الحداثية إلى قطع الصلة بين المفكر العربي وتراثه، رغم أن هذا الأخير كان من الممكن أن يشكل منطلقًا لبناء حداثة عربية إسلامية خالصة، إذا توفر شرط القدرة على الإبداع، لتظهر نظريات تستند إلى التراث العربي الإسلامي، الحافل بالقيم الأصيلة.
غير أن الفيلسوف المغربي الدكتور طه عبد الرحمن يخالف سواه من الفلاسفة والمفكرين العرب، الذين ساروا في ركب الحداثة الغربية مقلدين لها، ينهلون من نظرياتها ويستخدمون أدواتها، وينظرون إليها باعتبارها “القيمة والمثل”، فوقف عبد الرحمن ناقدا لها عبر مشروع فكري ممتد أصدر خلاله أكثر من كتاب في هذا الصدد.
“الحداثة والمقاومة” هو أحد هذه الكتب التي تصدى بها عبد الرحمن للطروحات الغربية، ولظاهرة التهويل من مفهوم “الحداثة”، فضلا عن غياب الإبداع في الفضاء الفكري والفلسفي العربي.
جاء هذا الكتاب عقب حدث كبير شهدته الساحة العربية وهو انتصارات ونجاحات “المقاومة الإسلامية” في صراعاتها مع إسرائيل، هذه الانتصارات اعتبرها عبد الرحمن بمثابة “تحول وجودي” في الأمة، نقلها من طور العجز إلى طور القدرة، مانحًا إياها الأسباب الكفيلة بأن تعيد إثبات ذاتها وتدفع حركتها في العالم، ومؤكدا أن أفعال المقاومين تنتمي إلى الحداثة كما تنتمي إليها أفعال غيرهم الغربيين، ومبررا ذلك بأن “الحداثة ليس لها طريق واحد في التطبيق، لأن الإبداع ليس له طريق أوحد”.
في مقدمة كتابه أكد عبد الرحمن أن المقاومة الإسلامية فتحت للأمة طريق الحداثة واسعا أمامها، من جهة أخرى ليست هي الجهة التي اتخذها “النهضويون والأنواريون والثوريون” في الغرب، فهؤلاء أبدعوا في قطع الصلة بالقيم المورثة، طالبين التحرر من أنفسهم، بينما أبدع المقاومون في التصدي للاحتلال طالبين “التحرر من عدوهم”.
وكتاب “الحداثة والمقاومة” هو عبارة عن محاضرتين، الأولى تتناول “الحداثة وقيم الإسلام”، بينما تركز الثانية على “المقاومة الإسلامية ودورها في التجديد التكاملي للوعي الديني”. وقد خصص فيلسوفنا لكل محاضرة جزءاً من الكتاب.
الحداثة.. إذ تستبعد الإنسان
في المحاضرة الأولى، رفض عبد الرحمن ظاهرة التهويل من مفهوم “الحداثة”، وأبدى دهشته من حجم الكتابات التي تناولتها، وكأن هذه الحداثة جاءت بـ”إنسانية أخرى” وبتاريخ آخر، مؤكدًا أن آثار هذا التهويل لا تقف عند حد تزييف الحقائق، بل تتعداه إلى جلب المضار للإنسان وتاريخه، وذلك بتصنيفها الأفراد والأمم إلى فئتين متعارضتين، هما “فئة الحداثيين”، و”فئة غير الحداثيين”.
ومن أجل اتقاء هذه المضار، أكد عبد الرحمن أنه لا بد من رفع التهويل عن مفهوم الحداثة والسبيل إلى ذلك هو إعادة تعريف الحداثة تعريفًا جديدًا يُبنى على مسلمتين، الأولى أن هدف التاريخ الإنساني هو الارتقاء بالإنسانية إلى مراتب الكمال، والثانية أن كل زمن من الأزمنة المختلفة لهذا التاريخ يختص بواجبات محددة لتحقيق هذا الارتقاء الإنساني.
وبناء على ذلك، قدم عبد الرحمن تعريفه لـ”الحداثة” باعتبارها نهوض الأمة – كائنة من كانت- بواجبات أحد من أزمنة التاريخ الإنساني، بما يجعلها تختص بهذا الزمن من دون غيرها وتتحمل مسئولية المضي به إلى غايته في كمال الإنسانية، أو هي بإيجاز: نهوض الأمة بواجبات زمنها.
وأوضح فيلسوفنا أن هذا التعريف “يعمم الفعل الحداثي على جميع الأمم، بحيث يجوز لنا أن نتكلم على الحداثة بصدد كل أمة قامت بواجبات زمنها في الرقي بالإنسان”، وعلى هذا رأى أن الأمة الإسلامية قد حققت حداثتها حينما أنُيط بها أمر النهوض بالإنسانية، كما حققتها قبلها أمم أخرى شهد التاريخ بعطائها الحضاري.
حتى يصل عبد الرحمن إلى خصائص روح الحداثة، مشيرا إلى أنها عبارة عن مبادئ ثلاثة أساسية، الأول هو “مبدأ الرشد” ومقتضاه أن الأصل في الحداثة هو الانتقال من حال القصور، إلى حال الرشد، والمراد بـ”القصور” هنا هو التبعية الفكرية والسلوكية.
والثاني هو “مبدأ النقد”، ومقتضاه أن الأصل في الحداثة هو الانتقال من حال الاعتقاد إلى حال الانتقاد، والمقصود بـ”الاعتقاد” هو أن يسلّم المرء بالشيء من غير أن يحصّل أيّ دليل عقلي عليه، ولا يجتهد في طلب هذا الدليل. أما المقصود بـ”الانتقاد” فهو الاستدلال العقلي على الأشياء والفصل التقني بين مجالاتها، بما يتيح ضبط أسبابها وكشف آلياتها الخاصة.
أما الثالث فهو “مبدأ الشمول”، ومقتضى هذا المبدأ أن الأصل في الحداثة هو الانتقال من حال الخصوص إلى حال الشمول، والمراد بـ”الخصوص” نوعان: خصوص المجال وخصوص المجتمع، فيكون المراد بـ”الشمول” هو القدرة على تجاوز هاتين الخصوصيتين، والتأثير في مختلف المجالات، الحياتية، ومختلف المجتمعات الإنسانية.
ويكشف عبد الرحمن أن الحداثة الغربية لم تكن سوى تطبيق واحد لهذه المبادئ الثلاثة من بين كثير من التطبيقات الممكنة لها، ويتساءل هنا: كيف ندرأ الآفات التي عرضت للتطبيق الغربي للحداثة من أجل تمهيد الطريق لتطبيق أفضل لهذه الروح؟
في الإجابة على هذا التساؤل يقول فيلسوفنا أن التطبيق الغربي لمبدأ “الرشد” اختزل مفهوم الاستقلال في التخلص من قيد الوصاية التي يمارسها رجال الكنيسة على الناس، وما لبث هذا التخلص أن صار هذا تخلصًا من قيد الدين المسيحي نفسه.
إن الإنسان – من وجهة نظر عبد الرحمن- يحتاج إلى التخلص من كل القيود، التي ثبت بالبرهان أنها تهدر كرامة الإنسان وتهضم حقوقه. والإنسان لا يتوصل إلى هذا الاستقلال إلاّ متى توجه في تصرفاته كلها إلى المطلق، ومثل ذلك التوجه لا تحققه إلى قيمة إسلامية وهي الإخلاص، لأن المؤمن كلما ازداد إخلاصًا لله في أعماله استغنى بالله وازداد تحررًا مما سواه، حتى أنه يبلغ مرتبة يستوي فيها “الفقدان والوجدان.
ومن هنا يتبين أن الحداثة الغربية وقعت في نقيض مقصودها، فقد ظنت أن الاستقلال عن الدين هو الذي يفضي إلى الحرية، في حين أن الإخلاص فيه هو الذي يفضي إليها، فتكون هذه الحداثة، قد تسببت في نوع من الاستعباد للإنسان.
عقلانية الإيمان
الى ذلك واصل عبد الرحمن نقده للتطبيق الغربي الذي اختزل مبدأ الرشد ومفهوم الإبداع في الانفصال عن قيم التراث، في حين أن في قيم التراث ما لا تُبلى فائدته أبدا، لذلك يتعيّن حفظ الصلة به كما اختزلت الحداثة الغربية مفهوم “الاستدلال” في ممارسة العقل الأداتي الذي لا يُعنى إلا بالوسائل والتقنيات، بينما القيم والمقاصد الإنسانية لا تقل توسطا بالعقلانية عن الوسائل والتقنيات الأخرى.
إن “عقلانية الوسائل” كما يؤكد فيلسوفنا تحتاج إلى الاسترشاد بعلانية المقاصد، ولا يمكن أن يتحقق هذا الاسترشاد إلا عبر قيمة إسلامية هي الإيمان الذي محله القلب، كما هو محل كل المعاني الباطنة، فالعقلانية الإيمانية كفيلة بأن تقي الحداثة آفة الاستغراق في الفكر الآلي الضيق، وترتقي بها إلى أفق فكر عقلاني أوسع.
كما اختزلت الحداثة الغربية أيضا مفهوم “الفصل” في التفريق بين بنيات الأشياء بما يجعل هذه الأشياء أشبه بجواهر أو ماهيات قائمة بذاتها، بينما نجد من الفصول ما يتعلق بوظائف الأشياء لا ببناها. ويوضح عبد الرحمن أنه لا يمكن حفظ هذا الاتصال إلا باللجوء إلى قيمة إسلامية هي التكامل، لأن مجالات الحياة في الإسلام يأخذ بعضها بأسباب بعض، متبادلة التأثر والتأثير.
وعلى هذا، فإن النقد التكاملي هو الكفيل بأن يقي الحداثة آفة الاستغراق في التفصيل البنيوي، ويرقى بها إلى الجمع بين الفصول حفظًا لوحدة الإنسانية، كما أن الحداثة الغربية قصرت مفهوم التأثير في مجالات الحياة على التأثير المادي وحده، فيكون شمولها لهذه المجالات عبارة عن تعميم الصبغة المادية على مجموع الأشياء. ومن أجل حفظ المجالات الحياتية لابد من اللجوء للقيمة الإسلامية وهي الروحانية.
ويؤصل عبد الرحمن نقده هنا، مؤكدا أن الحداثة الغربية قصرت مفهوم التأثير في المجتمعات على التأثير الفرداني وحده، جاعلة من تحصيل مصالح الفرد غاية كل نشاط إنساني، فأصبح شمول الحداثة الغربية للمجتمعات عبارة عن تعميم “الصبغة الفردانية” على مجموع الصفات البشرية والقيمة الإسلامية التي تستطيع دفع الفردانية، وهي الرحمة، لأنها المظهر الذي تتجلى به عناية الفرد بغيره قدر عنايته بنفسه.
ويخلُص المؤلف من ذلك كله إلى أن الأخذ بالقيم الإسلامية في تحصيل الحداثة يوصلنا إلى تطبيق أفضل لروحها من التطبيق الغربي، وفي هذه الحالة يظهر تساؤل آخر وهو: هل التطبيق الحداثي الذي تدعي بعض الدول الإسلامية التوصل إليه يمكن أن يعتبر تطبيقاً إسلامياً لروح الحداثة حقاً؟
أجاب عبد الرحمن على ذلك بأن التطبيق الحداثي لا يكون تطبيقًا لروح الحداثة حتى يستوفي شرطين: أولهما الانبعاث من الداخل، وثانيهما الالتزام بالاجتهاد. وعلى ذلك يؤكد المؤلف أن التطبيق الحداثي الذي تعاطت معه بعض الدول الإسلامية لا يستوفي هذين الشرطين، فلا هو تطبيق داخلي لروح الحداثة، ولا هو تطبيق اجتهد في تحقيق هذه الروح وإنما هو تقليد لتطبيق معين لهذه الروح توصل إليه الآخر الغربي.
وينهي عبد الرحمن هذه المحاضرة بالتأكيد على أن “الحداثة الإسلامية” لا يمكن أن تنهض بها الدولة من خلال مؤسساتها الرسمية التي لا تنفك تقلد المؤسسات الغربية، وإنما ينهض بها المجتمع بمؤسساته الشعبية التي تتفتق فيها الطاقة الإبداعية، مشيرا إلى أن أجلى مظهر لإبداعات الجمهور المسلم التي تتحقق بها الحداثة (الإسلامية) هو المقاومة الشاملة للقهر الخارجي والظلم الداخلي، معاً
نموذج “المقاومة الإسلامية”
في المحاضرة الثانية ركز عبد الرحمن على نموذج المقاومة الإسلامية، مؤكدا أنها أدخلت الأمة في طور فاصل من أطوار الحداثة الإسلامية، فالوعي الديني الذي حصلته هذه المقاومة امتلك خصوصية مكنتها من الانتصار في معاركها.
وهذه الحقيقة يبرهن عليها الفيلسوف من خلال وضع تعريف عام لـ”المقاومة الإسلامية”، ينطلق فيه من التداول اللغوي العربي لها، فهذه “المقاومة” تجمع بين عدة معان أساسية، وهي “القوم والقيام والقيمة والقومة”. والمقاومة ينهض بها قوم يقومون بدفع شر قائم، ويتوسلون في ذلك بقيم مُثلى عاملين على تحقيق “قومة مخصوصة”.
والمقاوم، من وجهة المؤلف هذه، يتولى تجديد الوعي بالقيم، والمقاوم الإسلامي خصوصا يتولى تجديد الوعي بالقيم الدينية التي يدعو بها الإسلام. وانطلاقا من هذه المعاني التداولية يضع فيلسوفنا تعريفا لـ”المقاومة الإسلامية” على وجه العموم.
ويرى المؤلف “المقاومة الإسلامية” على أنها “قيام طائفة من المسلمين بدفع الشرور التي ابتُلى بها الناس في الزمن القائم مجددة الوعي بالقيم الإنسانية التي اكتملت مع الدين القيم”. ومن منطلق هذا التعريف، يكشف فيلسوفنا عن قوة الصلة الموجودة بين الفعل المقاوم وبين ظهور القيم، موضحًا أن “الفعل المقاوم باعث للقيم”، وأن هذا التعريف يجعل الإسلام دين الاستقامة والقيام على الحق، أي دين التمسك بأفضل القيم، لأن القيم الإنسانية تبلغ فيه كمالها.
إن “المقاومة الإسلامية” كما يراها عبد الرحمن هي أقدر مشاريع التجديد الديني الحديثة قيامًا بتجليات الإسلام المختلفة، بحيث تمكن الأمة من تحقيق “قومة متكاملة” تدخل بها عهد الانتصار على قوى الظلم والشر.
ويشير العلاّمة المغربي إلى أن “المقاومة الإسلامية تمتاز عن السلفية الإحيائية بكونها تحفظ التكامل العمودي لقيم الخاتمة، لأن وصلها للقيم العقدية بالقيم الروحية يولد باقي القيم الإسلامية”، وهي تمتاز عن “السلفية الإصلاحية” بكونها تحفظ التكامل العمودي لقيم العالمية، نظرًا إلى أن وصلها للقيم الفكرية بالقيم العملية هو الآخر يولد باقي القيم الإسلامية.
كما تمتاز المقاومة الإسلامية عن السلفية الأصولية، بكونها تحفظ التكامل العمودي لقيم الجامعية، لجهة أن وصلها للقيم السياسية يجعلها تقوى على تجديد الوعي بالقيم الدينية، وتحقق قومة إسلامية، بما لا تقوى عليهما هذه الحركات السلفية الثلاث.
إن المقاومة الإسلامية بحسب المؤلف، استطاعت أن “تحقق للأمة وعيًا متكاملاً بالقيم الإسلامية فاق في سعته ورتبته ما حققته المشاريع السلفية للتجديد الديني”، فاتحة بذلك عهد الانتصار للأمة، وبهذا يكون الإسلام قد تجلى في المقاومة الإسلامية بحالة جديدة، وهي الذات التكاملية.
وكما يقول المؤلف في ختام كتابه، أن “القيم الدينية التي تروم المقاومة تجديد وعي المسلمين بها، تندرج تحت تجلي التكاملية، وهي أحد تجليات الإسلام المحضة”.

“الحداثة والمقاومة لـ” طه عبد الرحمن

لمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية

 

TOP