الوصف
قصة بوذا
كتاب قصة بوذا للأستاذ عبد العزيز محمد الزكي الصادر عام ١٩٥٩ عن الدار المصرية للنشر مرجع مهم كتب باللغة العربية عن ديانة قلما حظيت عندنا بالاهتمام، وهو ما أشار إليه الكاتب في مقدمته والتي قارن فيها بين اطلاعنا على المنتوج الثقافي الغربي وإهمالنا لنظيره الشرقي.
تتبع المؤلف حياة جوتاما (بوذا فيما بعد) وأفاض في وصف سنوات ميلاده وشبابه المبكر كأمير داخل قصر أبيه الملك الذي عاش في الهند في القرن السادس قبل الميلاد، واستفاض الكاتب في تبيان حرص والده على إعداد ابنه لتولي العرش لا سيما وأن هذا الابن كان وحيد أبيه.
وحدث أن أخبر بعض العرافين الملك أن ابنه هذا سيكون إما ملكا عظيما أو ناسكا وعابدا مشهورا، وأن الأمر سيتوقف على تفكر هذا الأمير في قضايا ثلاث هي الشيخوخة والمرض والموت.
وقد حاول الملك أن يحيط ابنه جوتاما بشتى صنوف الملذات والنعم حتى لا تميل نفسه إلى الزهد غير أن الشاب مل ذلك كله واعتزله وحُببت إليه الخلوة ورغب في الاعتكاف والتفكر والتأمل إلى أن قرر هجر قصر أبيه تماما وخلع ملابس الأمراء وارتداء مسوح الرهبان والتنسك متخذا في موسم الأمطار من الكهوف ملاذا وفي غيره من المواسم من الغابات مستقرا ومآبا.
ثم أوضح المؤلف البذور الفكرية للديانة البوذية كما اهتدى إليها بوذا فذكر أن ذلك جاء ببحث جوتاما عن سر السعادة التي لا يعقبها شقاء، عن الفرح الذي لا يعرف ألما بسبب ما يعتري الإنسان من شيخوخة ومرض وموت، عما يخلص الإنسان من الحلقة اللانهائية من الولادات (كان جواتاما يؤمن بتناسخ الأرواح).
وقد حاول هذا الناسك أن يقلد رهبان عصره بحرمان الجسد وتعذيبه حتى تُقتل شهواته ويسلس قياده لكنه وجد الجوع مَقْعَدةً عن العبادة ومفسدة عن التفكر والتأمل فرفض هذا النوع من التربية وآثر أن يأكل من الصدقات دون شره أو نهم وأن يلبس ما يقيه فقط الحر والبرد.
ودخل جواتاما في مرحلة من مجاهدة النفس والتأمل لتنقية نفسه من الشهوات والأمراض الروحية ثم التسامي بها عن طريق اكتساب الصفات الحميدة بتشجيعها على التحلي بالقيم والفضائل كالمحبة والإيثار والبر والإحسان والتواضع واللين.
وبالمضي في هذا الطريق يصل المرء إلى حالة الشعور بالسعادة للانتصار على الشهوات والرغبات والمللذات، ثم بمزيد من الاجتهاد في التأمل والتعبد والتنسك يرتفع المريد إلى مرتبة تستوي عنده فيها السعادة والألم، والحزن والفرح، فتسقر روحه تماما ولا يقلقه مرض ولا شيخوخة ولا موت، فكل شئ يصبح عنده سيان، ومصدر الفرح في قلبه بات غير مرتبط بحزن لمجئ نقمة ولا بسعادة للفوز بنعمة. هذه الحالة هي النيرفانا أو السعادة الأبدية والمطلقة وهي ما وصل إليها جوتاما وبعدها صار “بوذا” أي المستنير المطمئن.
ويستمر الكتاب في تتبع قصة هذا الناسك وكيف أنه وضع لطريقته تلك الأسس النظرية والسلوكية ودعا إليها ولمّا أقبل الناس على اعتناقها نظم تجمعاتهم من خلال تعليمات وقوانين ترسم كيفية انضمام العضو الجديد وتحدد له أعمال اليوم والليلة.
وعاش بوذا بعد ذلك حتى بلغ الثمانين يبشر بدينه الخلقي ويدعو الناس إليه حتى كثر أتباعه ومات عنهم وقد انتشروا في طول الهند وعرضها، ثم بعد مماته ذاعت البوذية خارج الهند وعمت سيلان والصين والتيبت واليابان وسائر بلدان آسيا.
ثم انقسمت البوذية إلى فرق متعددة بطول العهد بها واختلاطها بأصحاب الديانات الأخرى وامتزاج تعاليم بوذا بشروحات واجتهادات المريدين والمرشدين.
فالبوذية إذاً هي دعوة أخلاقية وطريقة صوفية -إن جاز التشبيه- وليست دينا بالمعنى المتعارف عليه في عالمنا العربي، فهي لا تؤمن بإله محدد ولا تعترف بكهانة وليس لها معبد وكل ما تحتاجه هو استراحات وسط الغابات على مقربة من المدن والقرى والتفرغ للتأمل والتنسك.
هذا باختصار خلاصة كتاب “قصة بوذا” الذي يخرج قارئه بانطباع مفاده أن الصراع بين الجسد والروح لا يُحل بانتصار طرف على الآخر وإنما بإحداث التوازن بينهما.
وأن الديانات التي انتشرت في آسيا والتي اهتمت بمساعدة الإنسان على تصفية روحه من الكدر وذهنه من الغبش قد انعكست على شخصية هذه الشعوب فصارت نفوس أهلها أكثر هدوءًا واستقرارا وتوازنا.
وأن العقائد قد تختلف وهذا ليس في حد ذاته مشكلة طالما كان أساس التعامل بين البشر قائما على قاعدة متينة من الأخلاق السوية، وأن هذه الأخلاق ليست حكرا على ديانة دون غيرها حتى ولو كانت هذه الديانة في أصلها توحيدية.
محمد عبد العاطي
قصة بوذا
للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية