الوصف
القرآن والقتال
سنة ١٩٥١ ألقى الشيخ الأزهري المشهور محمود شلتوت (شيخ الأزهر من ١٩٥٨-١٩٦٣) سلسلة محاضرات في الإذاعة المصرية عن الحرب والقتال في القرآن الكريم، وفي العام نفسه عهد بهذه المحاضرات إلى المطبعة لتخرج في كتاب صغير مكون من ٣٥ صفحة حمل عنوان “القرآن والقتال”. ويبدو أن الأزهر معجب بهذه المحاضرات فأعاد طباعتها هذه الأيام بحسب ما قرأت وأنا أبحث في جوجل عن الكتاب لتحميله وقراءته.
تحدث الشيخ شلتوت في مقدمة كتابه عن التفسير الموضوعي للقرآن وقال إنه أفضل تفسير لأنه يجمع كل الآيات المتفرقة التي تتحدث عن موضوع واحد والنظر فيها مجتمعة.
ثم خص الجزء الأول من كتابه للحديث عن الدعوة الإسلامية وخلص إلى أن الإسلام أقر حرية الناس في الإيمان والكفر، وبالتالي فإنه لا يجبر أحدا على اعتناق الإسلام، وانتهى إلى عدم وجود حاجة لتكون الدعوة إجبارية ومن ثمَّ تنتفي مبررات نشرها بالقوة، وهو ما لم يحدث، وفق ما قال ووفق ما استعرضه في كتابه.
وانتقل الشيخ شلتوت من هذا التمهيد إلى الموضوع الأساسي لكتابه وهو استخلاص مفهوم الحرب والقتال كما ورد في القرآن، وتبيان متى يقاتل المسلمون، ومن يقاتلون، ومتى يجنحوا للسلم، وعرَّج على كيفية فهم آيات التعايش والتسامح وآيات الحرب والقتال. وهنا قال إن الحرب في الإسلام يمكن أن تكون بين المسلمين حينما تبغي طائفة على أخرى ولا يردعها إلا الحرب كي تكف طغيانها وتوقف ظلمها وعدوانها، وبعد أن ترتدع تُعامل بالعدل وليس بالانتقام والتشفي.
والنوع الثاني من الحرب هي الحرب ضد غير المسلمين، وحدد أسبابها في رد العدوان إذا هاجم العدو ديار المسلمين أو اعتزم مهاجمتها، أو قتل الدعاة المسالمين الراغبين في الدعوة إلى دينهم ببلدان غير إسلامية.
ونفي شلتوت أن تكون أي حرب شنها المسلمون في عهد الرسول وصاحبيه أبي بكر وعمر (فقط) هدفها هجومي ولكنها كانت بهدف رد العدوان والدفاع عن الأوطان.
وقال إن الخلفاء بعد هذين الصحابيين والأمراء من بعدهما خاضوا حروبا ليست بالضرورة تتطابق تماما مع نصوص القرآن ومسلك النبي وصاحبيه.
وأضاف أنه بعد كف العدوان والشعور بالأمان يحث الإسلام أتباعه على معاملة غير المسلمين غير المحاربين بالعدل والبر.
واستعرض شلتوت موضوع الجزية فقال إنها ليست نظير تمسك الذميين بدينهم لأن هذا يتعارض مع مبدأ حرية المعتقد الذي أقره القرآن (لكم دينكم ولي دين)، ولكن – وأرجو أن يكون فهمي لما كتبه عن هذه المسألة في صفحتي ٣٢ و ٣٣ دقيقا – فرض الجزية علامة على خضوعهم للسلطة الإسلامية الحاكمة، واعترافا منهم بعزمهم عدم التعاون مع المعتدين في الخارج، ونظير عدم اشتراكهم في القتال مع تمتعهم بالأمن الذي يحققه المقاتلون المسلمون، ومن هنا – والكلام دوماً لشلتوت – جاء الوصف تأكيداً لهذا الخضوع باستعمال عبارتي “عن يدٍ” و “هم صاغرون”.
واختتم الشيخ شلتوت كتابه بالحديث عن آيات البر والتسامح ومعاملة غير المسلمين بالعدل إذا كانوا مسالمين، أما إذا لم يكونوا كذلك فقد كثرت الآيات التي تحض المسلمين على الاستعداد للقتال (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) وتحرضهم على الحرب وتمنيهم بالنصر أو الشهادة، وبذلك – كما خلص الشيخ شلتوت – فلا تعارض بين المجموعتين من الآيات.. آيات القتال وآيات التسامح.
إلى هنا، انتهى هذا الاستعراض السريع لكتاب القتال في القرآن للشيخ محمود شلتوت، وربما يصح لنا إبداء هذه الملاحظات بعد قراءته:
١- الجمهور المستهدف من الكتاب من المفترض أن يكون المسلمين وغير المسلمين، وبالتالي كان يُفضَّل استخدام لغة تصلح للاثنين، بعيدة عن المدح المتواصل للإسلام في أغلب الفقرات، والتركيز عوضاً عن ذلك على الأفكار المجردة والحجج والبراهين الواضحة، وهذا لم يحدث، فجاء الكتاب صالحاً للمسلمين، غير مستساغ وغير مقنع لغيرهم.
٢- خلا الكتاب من استعراض – أو حتى الإشارة – إلى آراء أخرى داخل السياق الإسلامي لموضوع القتال، فجاءت صفحاته كلها عارضة وجهة نظر واحدة تبناها المؤلف وقدمها لنا على آنها المفهوم الإسلامي للقتال (بالألف واللام).
كذلك خلا الكتاب من تطوير زاوية النظر إلى بعض المسائل كالجزية على سبيل المثال، خاصة بعد تطور مفهوم الدولة والمواطنة.
عموما..، هذه المآخذ لا تمنع القول إن من مميزات هذا الكتاب صغر حجمه الذي يجعلك تقرأه في أقل من ساعتين، وتركيز أفكاره، ووضوح تقسيماته، مما يسهل على قارئه استيعاب ما فيه.
محمد عبد العاطي
القرآن والقتال
للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية