وقفة قبل المنحدر

عنوان الكتاب وقفة قبل المنحدر
المؤلف علاء الديب
الناشر  الهيئة العامة للكتاب
البلد مصر
تاريخ النشر 1999
عدد الصفحات 106

أشتري الكتاب حمل الكتاب

الوصف

وقفة قبل المنحدر

سمعت عن هذه المذكرات غير مرة ومذاك وأنا أتحين الفرصة لقراءتها. أعرف صاحبها جيدا. إنه الأديب المصري علاء الديب صاحب روايات زهر الليمون وأطفال بلا دموع وعيون البنفسج وقمر على المستنقع، وصاحب العمود الأسبوعي “عصير الكتب” في مجلة صباح الخير، وصاحب القلم المؤثر الذي لم يأخذ من الحضور في وعي القراء ما يستحق رغم أهميته ورغم سنواته التي ناهزت السادسة والسبعين، المذكرات التي أتحدث عنها هي “وقفة قبل المنحدر”.
يحكي علاء الديب فيها وقع الأحداث التي مرت عليه وعلى المجتمع المصري خلال الفترة من 1952 إلى 1982 وهي الفترة التي شهدت سنوات حكم جمال عبد الناصر وأنور السادات. حكيا ليس من قبيل السرد وإنما من قبيل التأمل والمناجاة والمكاشفة، كيف استقبلها، وكيف شاهدها، وكيف شارك فيها، كيف أثرت فيه وكيف تفاعل معها.. حديثا أشبه بإبراء ذمة وشهادة أمام النفس واعترافا وتطهيرا من إثم السكوت. كلمات أرادها أن تكون صدى صوت يُسمع همسًا – فهو لا يحب الصراخ ويكره الزعيق – لعله ينبه الغافلين ويلفت السائرين “انتبهوا.. ثمة خطر عظيم.. قفوا قبل المنحدر”.
من الصعوبة تصنيف هذا العمل. هل هو مذكرات أو سيرة أدبية أو قصة. كاتبنا نفسه قال “لم يكن من الممكن أن أفكر في “الشكل” أكثر مما فكرت: هي قد تكون رواية، أو اعترف أو أجزاء من سيرة. فيها كلمات لي وأقوال لغيري. أردت بها أن تَسمع – أنت – صوتي. ليس ككاتب يحمل حكما على الأشياء أو حكمة، ولكن كإنسان حائر وحيد، يؤنس وحدته أن يتصور أن لكلماته قارئا حائرا وحيدا مثله. فيمكنك – عزيزي القارئ- إذن أن تسميها مناجاة أو تأملات أو أن تقرأها دون أن تنشغل كثيرا بتسميتها أو بتصنيفها.
الحيِّز الأكبر الذي شغل هذه المذكرات وانشغل به علاء الديب وشغلنا نحن القراء هو شخصية الإنسان المصري التي أصابها -كما يقول- “مرض الازدواجية”.. قولٌ يخالف الواقع. تفضيل العيش في الوهم على مواجهة الحقيقة. الاعتقاد بأننا قمنا بثورة (عام 52) والحقيقة أننا عشنا حلم الثورة أما الثورة فقد استحوذ عليها آخرون تحولت (على أيديهم) إلى نظام وأجهزة.
بالطبع قد يكون في هذا الحكم من علاء الديب مبالغة لكنها مبالغة الفنان والأديب الذي يريد أن يصل إلى جوهر المعنى؛ وهو الرغبة في تغيير الإنسان المصري تغييرا جذريا للأفضل، وهو في اعتقاده ما لم تتمكن ثورة يوليو من إحداثه، مدللا على ذلك بالصفات النفسية والعقلية والخلقية ومقدار ما يمتلكه المصري من وعي. وعن هذا الإنسان نسج علاء الديب سرديته في هذه المذكرات.
علاء الديب ابن الطبقة المتوسطة. الصحفي الذي يقول عن نفسه إن رقيبا داخليا يسكنه ويجعله دوما مسجونا تحت جلده. علاء الديب الذي سافر إلى دول النفط ليجرب حظه -كما فعل آخرون- فواجه هناك ذاته المهملة وعايش “الإخوة المصريين” بنماذجهم المختلفة.. (حديث عن الشخصية المصرية مرة أخرى).
يعود علاء إلى مصر حيث “الثورة” التي تحوَّل بطلها الكبير (عبد الناصر) إلى مؤسسة، والتي تحوَّلت هي ذاتها إلى نظام مشغول بحماية نفسه -على حد قوله- فماذا يفعل؟ ما حيلة مثقف لا تسعفه جرأته على قول (لا)؟ ساءل نفسه: ما حيلتي وحركة الواقع من حولي كانت تكشف لي أنه لا يتحرك سوى المصالح، ولا يتقدم سوى الانتهازية. المعنى الطاهر لكلمة “الثورة”… كلماتها الكبرى وقضاياها؛ كانت تُترك في أيدي صغيرة. لا أدري من أين كانت تخرج، كأنها الأفاعي تلتف حول ساق شجرة الثورة الكبير.
يُصوِّر علاء الديب في مذكراته مسيرة شعب فرح حيما تخلَّص من ملك وعاش حلما انتهى إلى فقاعة يوم الخامس من يونيو 67. فقاعة انفجرت فتناثر منها -مع الدم – حقائق مفجعة.. من نحن؟ ما حجمنا؟ ماذا فعلنا بأنفسنا؟ وماذا فعل الاستبداد بنا؟
كما تُصوِّر المذكرات حقبة السبعينات حينما “عاد الوعي” لفترة محدودة ثم غاب مرة أخرى تحت وقع التغيّرات الحادة في منظومة القيِّم وسيادة مفاهيم الفهلوة والانتهازية وشيوع الأنانية وسيطرة الإحساس بالدونية والعدمية لدى كثير من أفراد وشرائح المجتمع. متخذا – أي علاء الديب – من نفسه نموذجا “يرى شرخ الزجاج الذي بدأ دقيقا ثم اتسع. الشرخ الذي لا يُرتق ولا يُجبر. يراه وهو يتكون في نفسه”.
قد ترى – عزيزي القارئ – هذه المذكرات كما رآها صاحبها محزنة، محيرة، كئيبة. لكني مع ذلك أراها – كما وصفها- “صادقة صدق الدم النازف من جرح جديد”.
الأسلوب – كأسلوب علاء الديب في أعماله – سلس للغاية، ناعم، حاد كالسكين، يغوص عميقا في أعماق النفس، يتركها تنزف، تئن. لكن بعد فراغنا من القراءة نجد أنَّ الذي كان ينزف ليس سوى دمنا الفاسد، والذي كان يئن ما هي إلا ضمائرنا المتخاذلة، فنشعر بعدها – رغم الألم – بشيء من الراحة، راحة التطهر من وطأة مشاعر ثقيلة أنقذنا علاء الديب منها حينما حملها فوق أجنحة “عنقائية” غزل ريشها من كلماته الصادقة فطارت بها خارج الروح.
“وقفة قبل المنحدر” مذكرات تقرأنا.. فلمَ لا نقرأها -نحن أيضا- كما قرأتنا، علَّنا نرى فيها أنفسنا أجلى وأوضح؟
محمد عبد العاطي

وقفة قبل المنحدر

للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية

TOP