الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
الروح الفرنسية
تعرف فرنسا منذ قيام الثورة الفرنسية عام 1789 نظاماً جمهورياً، باستثناء فترة قليلة عاد فيها النظام الإمبراطوري بقيادة نابليون. لكن رغم حوالي قرنين ونصف من النظام الجمهوري لا يزال هناك من يحنّون إلى النظام القديم على أساس أنه يحمل الكثير من القيم التي تمثل مصادر القوّة الحقيقية للأمة الفرنسية وأنها الملاذ من مختلف أشكال الانحراف والتقهقر.
تلك القيم هي التي يعود لها الكاتب والروائي والصحافي الفرنسي «دونيس تيلنياك» في كتابه الأخير الذي يحمل عنوان «الروح الفرنسية». ومن العودة إلى تلك القيم يقوم، من جهة، بنوع من استقراء التاريخ الفرنسي وشرح مكامن عظمة فرنسا خلال مسارها التاريخي الطويل وما يشكّل برأيه الرموز الأساسية التي كوّنت «الهوية الفرنسية»، ومن جهة أخرى، يوجّه «نقداً شديداً» للحياة الفرنسية الحالية بكلّ مكوناتها، التي غابت عنها مثل تلك القيم.
إن المؤلف يشرح على مدى الفصول الـ 11 التي تتوزع بينها محتويات هذا الكتاب كيف أن القيم الأساسية التي يطرحها في هذا الكتاب على أنها تمثّل «الروح الفرنسية» بامتياز «لم تعد هي التي تسترشد بها الطبقة السياسية الفرنسية» في الحقبة الراهنة. والإشارة أن «التاريخ» هو الغائب الأكبر عن ساحة النقاشات الدائرة في البلاد في هذه المرحلة من تاريخها.
ويشرح المؤلف أن «السياسي ــ رجل السياسة ــ لا يقوم بواجبه عندما يبقى على الرصيف حينما يمر قطار التاريخ في المحطة. والتاريخ يقترح اليوم على اليمين الفرنسي خوض مغامرة مصيرية. لكنه سوف يفشل إذا لم يكن يعرف ما هي المرجعيات التي يعتمد عليها. وحتى لو قدّمت له صناديق الاقتراع فرصة الوصول إلى الحكم».
ويعتبر بالتالي أن اليمين الفرنسي بصورته الحالية عليه أن يتعرّف من جديد على «جذوره الروحية والفكرية والأخلاقية والعاطفية والجمالية» وعدم الاكتفاء بالتفكير على المدى القصير وإيقاع العمليات الانتخابية. والتأكيد أنه حان الوقت الذي ينبغي فيه على اليمين «التخلّي عن خيالاته وأوهامه».
ويحدد «دونيس تاليناك» القيم الأساسية المنسيّة بما يلي: «الشرف» الذي تمثله «روح الفروسية»؛ و«العناد والتصميم» الذي يرمز له «حصار مدينة لا روشيل» الذي أمر به الملك لويس الثالث عشر وقاده وزيره الأول الشهير الكاردينال روشيليو في 10 سبتمبر من عام 1627 وانتهى باستسلام المدينة «البروتستانتية» يوم 28 أكتوبر من عام 1628.
ويحدد أيضاً من بين القيم الأساسية «الذاكرة» التي ترمز لها الكثير من معالم فرنسا؛ و«الشرعية» التي يمثّلها برأي المؤلف «الجنرال شارل ديغول» والذي يعتبره بمثابة الرمز الأخير لما يحيل إلى «الذاكرة الموروثة»؛ وأخيراً هناك قيمة «الحس الوطني» الذي يرمز له «نابليون».
وبالنسبة لتعريف المؤلف للوطن الذي يعيش فيه فإنه يقول بوجود وطنين. وهذا ما يعبر عنه بالقول «ليس لي سوى وطنين هما قريتي وبلادي. وهذا ما يشكل بالنسبة لي ما يعنيه اليمين». وبكل الحالات يرفض «محو الماضي الذي ينبغي أن يسكننا، ونسكنه، باستمرار».
وما يؤكّده بأشكال مختلفة في تحليلاته أن الشخصية الفرنسية «تنعكس صورتها في تراث رمزي مشترك». وهذا «التراث المشترك»، بكل ما يحتوي عليه من «أبطال» ومن «شخصيات استثنائية» و«معارك ظافرة، يقدّم العديد من الدروس للأجيال الحاضرة وللأجيال القادمة».
ويشرح «دونيس تيليناك» أن الأمة الفرنسية هي اليوم بمثابة «سفينة جانحة» وأنه ينبغي ترميم «الشرف الضائع».
إن مؤلف هذا الكتاب يقوم بالتذكير بأشكال مختلفة أن فرنسا تأسست تاريخياً على ركائز اجتماعية ثلاث يحددها بـ«الفلاحين» و«الأرستقراطيين» و«البورجوازيين». ويشرح أن هذه المكونات الثلاثة «ولّدت نوعاً من فن العيش ومن معنى الشرف». وبالتالي ينبغي على معسكر اليمين الذي يؤكّد تمسّكه بالماضي ووفائه لقيمه أن يقوم بـ«التوليف بين مصادر الإرث للثلاثة المعنيّة».
ويذكّر المؤلف أن فرنسا عرفت حتى الآن خمس جمهوريات منذ الثورة الفرنسية الكبرى حتى اليوم. ويكتب بصدد هذه الجمهوريات أن «الجمهورية الأولى أدمت البلاد.
والجمهورية الثانية لم تستمر سوى الفترة المطلوبة لرفع حفيد نابليون إلى العرش. والجمهورية الثالثة قامت بالعديد من الخدمات وعبّدت الطرق لكنها انتهت إلى تفجير نفسها. والجمهورية الرابعة كانت تحت النفوذ الأميركي. ونحن نعيش اليوم في ظل الجمهورية الخامسة التي أسسها الجنرال شارل ديغول عام 1858».
ويضيف المؤلف في هذا السياق: «هناك عدد كبير من الجمهوريات خلال أقل من قرنين ونصف من الزمن». ويردف: «هناك اليوم كُثر يطالبون بقيام الجمهورية السادسة».
أبعد من الشعارات
ما يؤكّد عليه المؤلف، بأشكال مختلفة في هذا الكتاب، أن «اليمين لا يعني مجرّد رفع مجموعة من الشعارات والمبادئ الليبرالية. ولكنه يفترض أيضاً التمسّك بالماضي وقيمه والتمسّك بذاكرة بدأت مع فيرسينجينتوريكس ــ الذي يتم اعتباره بمثابة مؤسس فرنسا، حيث وحّد شعوب منطقتها من الغاليين «الغولوا» لمحاربة يوليوس قيصرــ وانتهت مع شارل ديغول».
المؤلف في سطور
دونيس تيليناك، كاتب وصحافي وناشر. وهو من المثقفين الفرنسيين الذين يعلنون صراحة أنهم يمينيون، ويعترف أنه سعيد بتوصيفه «رجعياً». وهو يكتب أسبوعياً زاوية في مجلة «فالور اكتويل» الشهيرة.
https://old.booksplatform.net/ar/product/the-media-and-religious-authority/
This post is also available in: English (الإنجليزية)