الوصف
تعتبر السياسة الخارجية المرآه التى تعكس آراء الدولة وتوجهاتها نحو المواقف المختلفة فى الساحة الدولية فتعبر عن مصالح دائمة لهذه الدولة، حيث لايوجد صداقة ولا عداوة بل مصالح دائمة، وبما أن روسيا لديها العديد من المصالح التي تسعي إلي تحقيقها بإستخدام جميع الوسائل سواء الدبلوماسية أو الإقتصادية أو العسكرية.
فى 8 ديسمبر1991م أعُلن فى مدينة برست فى جمهورية روسيا البيضاء أن الإتحاد السوفييتى كأحد أطراف القانون الدولى، وكواقع جيوبوليتكى، لم يعد قائماً وإنتهت بذلك مرحلة الحرب الباردة وتغيرت الخارطة السياسية الدولية، وأثرت بدورها على سياسات الدول الكبرى، حيث تفردت الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى وحيدة في العالم ، وأصبح لديها الأثر الأكبر في صياغة السياسة الدولية، وفق مصالحها الخاصة
ونظراً لما كانت تعانيه روسيا الاتحادية من خلل كبير داخل نظامها السياسي، ومن مشاكل متفاقمة ورثتها عن الإتحاد السوفيتي، حاولت أن تتقرب من الغرب من أجل الخروج من الأزمات التي تحل بها، وعلى هذا الأساس صاغ الرئيس الروسي بوريس يلتسن سياسة تقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية تارة والتحالف معها تجاه بعض القضايا تارة أخري، وهو ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية لها تأثير كبير في محددات وتوجهات السياسة الروسية بصفة عامة ، وفي ظل محاولات روسيا للتقارب مع الغرب ومع الولايات المتحدة الأمريكية لإثبات الولاء وكسب الثقة فقدت السياسة الروسية توازنها تجاه العديد من القضايا الدولية، إلا أن تدارك الساسة الروس للموقف وإعادة مراجعته وتقييمه بعد فشلهم في إقامة علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفقدانهم للدور الذي كان يتمتع به الاتحاد السوفيتي على الصعيد الدولي، جعلهم يعيدون ترتيب أولوياتهم وصياغة إستراتيجيتهم وفق مصالحهم تجاه القضايا الدولية
وبعد تولي فلاديمير بوتين الحكم إتبع سياسة جديدة تهدف إلي تقوية مؤسسات الدولة، وقام بإعادة توجيه السياسة الروسية من جديد بشكل يتوافق مع المصالح الخارجية الروسية وإنعكس هذا بوضوح حينما أعلن أن سنوات الضعف والمهانة قد إنتهت، وطالب الولايات المتحدة وأوروبا بمعاملة روسيا بإحترام، وكقوة لها مكانتها ودورها العالمي.
وللسياسة الخارجية مجموعة من المحددات التى تشكلها وتصيغها فى إتجاه معين يخدم مصلحة الدولة بشكل عام، وتتأثر السياسة الخارجية للدولة بعدد من المحددات التي تؤثر في صنعها، مابين المحددات الداخلية التي تشمل الرأي العام والأحزاب والقيادة.. وغيرها والمحددات الخارجية التي تشمل العامل الإقليمي والدولي.
ويسعي هذا الكتاب إلي توضيح الدور الذى تلعبه المحددات الداخلية والخارجية فى إعادة صياغة وتشكيل السياسة الخارجية الروسية تجاة القضايا الإقليمية والدولية، مع دراسة العديد من الحالات لتوضيح هذه المحددات والعوامل المؤثرة في صنع القرار الروسي علي أرض الواقع.
يقول العوضي إن روسيا إستطاعت في السنوات الأخيرة أن تؤسس لنفسها سياسة خارجية مستقلة ومنفتحة علي العالم، مكّنتها من إستعادة هيبتها وإستعادة دورها ومكانتها العالمية التي فقدتها بسقوط الاتحاد السوفياتي. وتبعاً لنظرية الدور، فإن كل دولة ذات موقع استراتيجي وتراث تاريخي وحضارة متميزة، وذات قوة اقتصادية وعسكرية، تشعر بواجبها بل وبحقها في المشاركة في تحديد مصير العالم، حتى وإن كانت وسائلها في مرحلة معينة محدودة. وهذا الأمر ينطبق على روسيا تماماً، فالتحولات الكبرى التي مسّت بنيان النظام الدولي والتغيّرات الداخلية فيها، أدت إلى تغيير شكل صناعة القرار الروسي، فأصبح للمتغيرات الاقتصادية والمجتمعية والخارجية دور كبير.
أما أهداف السياسة الخارجية الروسية، فبقيت طويلة المدى إذ لا تزال روسيا تعتبر نفسها قوة على الساحة الدولية وترغب في عودتها إلى العالم مرة أخرى، فحاول بوتين إعادة بناء الإمبراطورية الروسية من جديد من خلال إستراتيجيات جديدة، منها عدم الدخول في مواجهات مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، والسعي إلى عالم متعدد الأقطاب، وتكوين تحالفات إقليمية ودولية جديدة. فلم تعد موسكو تتخذ القرارات لإثبات الوجود فقط، بل لخدمة مصالحها، ومن خلال الأحداث الإقليمية والعالمية التي إستأثرت بإهتمام السياسة الخارجية الروسية حيث كانت الأزمة السورية والملف النووي الإيراني وأزمة القرم أدلة على ذلك. لذلك عادت روسيا من جديد إلى النظام الدولي لتكون واحداً من الفاعلين الدوليين فيه.