الوصف
من الرواية:
لما كان في الثامنة من عمره عانى من سوء تغذية حاد ظهر على ملامحه وجسده بكل وضوح , وكاد مدير المدرسة أن ينقله إلى مصحة ما لولا لفتة حنونة من مشرفة في المدرسة , لازال صوتها وبشكل جلي في أذني “ورد” , تقول ” هذا طفلي سأعتني به أنا ” وفعلاً كل يوم تأتي إليه “أمل” تطعمه في سريره ثلاث مرات , وبعد كل وجبة تستلقي بجانبه تحدثه وتقص عليه بعض القصص القريبة جداً إلى الواقع والتي تشبه كثيراً أحاديث الراشدين , وأحياناً تغفو بجانبه حتى الصباح لكنه ما شعر يوماً بمغادرتها الفراش , ويوماً بعد يوم , وأسبوعاً بعد أسبوع أخذ لون وجهه يعود إلى طبيعته واشتد عوده واكتسب بعض الوزن , ومر بمرحلة الذي لا يريد أن يغادر السرير خوفاً من أن يخسر “أمله” , نعم كان يناديها “أملي”ويسأل عنها ” أين أملي ؟”,وعندما تأتي ولو في موعدها يسأل “لماذا تأخرتِ عليَّ يا أملي؟” , خاف من تعلقه بها , وخافت عليه من ذلك , حتى دخل غرفته أحد أصدقائه يقول “غداً المشرفة “أمل” ستعود إلى مدينتها فقد أنهت مدة تدريبها في مدرستنا ” .. لا جواب من “ورد” لكن قبل أن يخرج الفتى أضاف ” سيوصلها المدير بسيارته في الساعة السادسة صباحاً إلى محطة القطار” أغلق الباب وفوراً فتحته “أمل” , دخلت ولا يزال “ورد” مشدوهاً فاغر الفم جاحظ العينين مبيضٌ كثلج ذلك اليوم الشتوي الظالم , نظرت إليه نظرةً لم يعهدها من قبل , ففيها الشفقة وفيها الحزن المكبوت والإخفاء المخفق .. فوراً تأكد أنها مسافرة , وفوراً سألها ” أحقاً تذهبين غداً يا أملي ” وبدأت تظهر عليه علائم البكاء الأولى , فأجابت من دون تردد ” لا يا صغيري .. إلى أين سأذهب .. من قال لك ذلك؟ “
– لا يهم من قال .. لا أحد في الدنيا بحاجة إليك مثلي , كيف لك أن تذهبي وتتركيني , أرجوك لا تفعلي .
– لن أذهب إلى أي مكان , ومن قال لك كان يكذب عليك … لماذا تبكي الآن ؟ها , لماذا ؟ ليس هنالك سبب للبكاء .
– لا أعرف , من الراحة المفاجئة ربما أبكي , فطبعاً لن أصدق أحداً وأكذّبك “أملي” .
كلمة الغلاف:
طوال حياتي؛ أنا ذلك الشخص الذي لا يملك شيئاً.. يصحح أخطاءه قبل أن يرتكبها، فقد لا يرتكبها لكنه يصححها. لا أعرف كيف أتصرف؛ في بيت هو في الحقيقة بيتي.. لا أملك شيئاً إلا ملابسي وما في جيوبي.. لا أرتبط ببيت، ولا بمدرسة، ولا بشارع.. ارتبطت فقط بالإنسان في داخلي، وبالكثيرين من حولي!!
كان دخول شخص في حياتي يعني الكثير، فلم أرَ في حياتي كلها شخصاً إلا متميزاً، وخاصاً، وفريداً، ومهماً، ونادراً، فالورود الحمراء كلها متطابقة، والقيمة فيمن أعطاك إياها.. أما البشر فقيمتهم في ذواتهم.. هم ليسوا متطابقين، ولا يحملون نفس الرائحة، هل يوجد “ورد” غيري..؟! طبعاً لا.. وأنت أيضاً، لا يوجد غيرك!!
ندرة الإنسان لا يتخيلها عقل!!