الوصف
يحاول الباحث الإحاطة بمعالم الإصلاح السيـاسي لدى حركة الإخوان المسلمين في مصر بوصفها حركة ومرجعًا فكريًّا أمًّا للفروع الإخوانية كلها الموجودة في أكثر من 70 دولة حول العالم، ومرجعًا فكريًّا لحركات الإسلام السياسي أغلبها حول العالم.
ويحلل الكتاب الصادر لأول مرة في نوفمبر 2017م عن دار ميسلون للطباعة والنشر والتوزيع بالدوحة وغازي عنتاب؛ كثيراً من الأدبيات الإصلاحية للحركة بين عامي 1971 – 2012م، وهي معظمها برامج انتخابية للدورات الانتخابية السابقة. وعلى الرغم من ذلك فهو لم يُغفل أدبيات مؤسس الجماعة حسن البنا، حيث استعرض أهم ملامح إصلاح المنظومة السياسية في أدبياته.
والكتاب في الأصل هو رسالة ماجستير جاءت تحت عنوان (الإصلاح السياسي لدى حركة الإخوان المسلمين في مصر في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية 1971 – 2010م)، حيث نوقشت في يوم 3 يوليو 2012م، في جامعة الأزهر بغزة، وتفضَّل بالإشراف الدكتور رياض محمود الأسطل – عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية سابقًا، وقام الباحث بتطويرها وتحسينها وإعادة صياغة أغلب محتوياتها بما يتناسب مع الصياغات العامة للكتب.
ويأتي الكتاب في 66 ألف كلمة في 350 صفحة موزعة على خمسة فصول، إضافة إلى النتائج والتوصيات، وقائمة المصادر والمراجع التي تحتوي على 231 مصدرًا ومرجعًا باللغتين العربية والإنجليزية.
يستعرض الفصل الأول التطوُّر السياسي لحركة الإخوان المسلمين في مصر في سياقه التاريخي، حيث يتكلم المبحث الأول عن الجذور التاريخية لحركة الإخوان المسلمين منذ التأسيس وحتى انتهاء حقبة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بينما يتكلم المبحث الثاني عن الإخوان المسلمون وعملية التعايش مع النظام في عهدي الرئيسين الأسبقين محمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك.
والحقيقة أن الباحث لم يقدم سرديةً تاريخيةً في تطور التاريخ السياسي للحركة بقدر ما وقف عند محطات سياسية مهمة، مثل تاريخ انطلاق الحركة في فبراير 1928م، ثم انتقال المركز العام للجماعة إلى القاهرة عام 1932م، وعقد مؤتمراتها من الأول وحتى السادس منذ 1933م وحتى 1941م؛ الذي قرّرت فيه الجماعة خوض غِمار المعترك السياسي.
ولم يغفل الباحث موقف الجماعة من عملية اغتيال “أحمد ماهر” رئيس الوزراء الأسبق؛ ودورها في ما يمكن تسميته بـ”الاشتباك السلمي” مع النظام في مصر والتحالف مع الحركات الاجتماعية و”مصر الفتاة” بين عامي 1945-1949م، وانتهت هذه المرحلة باغتيال المؤسسة حسن البنَّا في 12 فبراير 1949م، فبقيت الجماعة تُعاني فراغًا قياديًاّ إلى أنْ اختير القاضي “حسن الهضيبي” في يوم 19 أكتوبر 1951م.
ويتعرض الباحث لمشاركة الجماعة في مجلس قيادة الثورة “التصحيحية” التي تمَّت في يوم 23 يوليو 1952م بقيادة الرئيس عبد الناصر، وكيف تحوَّلت العلاقة بين الطرفين من اتفاق إلى افتراق وطلاق بعد نجاح الثورة، وسيطرة العسكر على مقاليد الحكم، وتنصيب محمد نجيب أول رئيسٍ جمهوريٍ لمصر، وظهرت أقصى حالة من الافتراق في حادثة المنشية.
ولم يغِب عن الباحث التعرض لما أفرزته المرحلة (1954-1970م) من تطورات فكرية جديدة يمكن تسميتها بـ “مدرسة فكرية” مختلفة تماماً عن مدرسة المُؤسس.
وكانت مدة حكم الرئيس السادات حاضرةً وبقوةٍ في الكتاب، ويرجع ذلك لأنها أولاً جزء من التطور السياسي للجماعة، وثانياً: منها تنطلق عملية البحث الجدية، وثالثاً: لأنها كانت مرحلة فارقة في تاريخ الجمهورية والجماعة أيضًا.
وظهرت القوة السياسية للجماعة في عهد الرئيس محمد حسني مبارك بصورة كبرى، حيث كان الأخير يتمتع بدرجةٍ عاليةٍ من الدهاء السياسي والمقدرة على احتواء الآخر، وحاول بدوره التفاهم مع الإخوان المسلمين ليزوِّد نفسه بقاعدةٍ شعبيةٍ كبيرةٍ، وبالفعل نجح في كسب تأييدهم، وتميَّزت علاقته بالإخوان في بداية حكمه بالمتانة والقوة، ثمَّ ما لبثت أن تغيَّرت بسبب تراكم بعض التجارب بين الطرفين مثل: حرب الخليج وحادثة الزلزال وقضية سلسبيل، والخروج المدوِّي للإخوان في انتخابات 2010 البرلمانية، وانتهت بمشاركة الإخوان متأخرين في ثورة 25 يناير التي انتهت بتنازل الرئيس مبارك عن الحكم للمجلس العسكري.
ويتناول الفصل الثاني الإصلاح السياسي وأُسُس تحقيقه عند الإخوان المسلمين في مصر في مبحثين.
في المبحث الأول؛ استعرض الباحث مفهوم الإصلاح السياسي في الفكر السياسي الموضوعي، ثم في الفكر السياسي الإسلامي، ولم يكن غائباً عن بال الباحث أن يتطرق إلى رُؤى جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا في الإصلاح السياسي بوصفها تجارب سابقة لنشأة جماعة الإخوان المسلمين حركةً إصلاحية.
وعلى ما سبق؛ كان على الباحث أن يتحدث في المبحث الثاني عن الإصلاح السياسي في فكر الإخوان المسلمين بمصر، حيث لاحظ الباحث أن اختلافاً واضحاً في أسس الإصلاح السياسي يظهر في أدبيات ” البنَّا” عن قادة الإخوان اللاحقين.
تتمحور الخطوط العامة للإصلاح السياسي في فكر البنا حول أربعة مجالات وهي: إصلاح دعائم النظام السياسي، إصلاح السلطات الرئيسية في الدولة، إصلاح إدارة مؤسسات الدولة، إصلاح الدفاع والأمن، وإصلاح السياسة الخارجية.
ويحاول الفصل الثالث الإحاطة بتأثير المحددات المحلية والخارجية على الرؤى الإصلاحية لدى الإخوان المسلمين بين عامي 1971-2010م، حيث يتناول المبحث الأول: المتغيرات المحلية السياسية والاقتصادية بمصر.
ويشير الباحث إلى أن الانتقال نحو التعددية السياسية “المقيدة” في عهد الرئيس مبارك كانت أهم المتغيرات السياسية، هذا بجانب آليات تعامل الرئيس مع الأزمات السياسية في عهده، حيث اتبع استراتيجية “تهدئة الأزمات”، واستطاع إعادة قدر من الاستقرار السياسي خلال ولايته الأولى.
ويرى الباحث أن التحولات الاقتصادية في مصر لم تكن أقل أهميةً من التحولات السياسية، حيث تأثرت برامج الإصلاح السياسي لدى جماعة الإخوان في مصر بسياسات الانفتاح الاقتصادي وسياسات التثبيت الاقتصادي في عهد السادات.
وينفرد المبحث الثاني في استعراض المتغيرات الإقليمية التي أثَّرت في تطور المواقف السياسية للإخوان المسلمين بمصر، وهي متغيرات كانت وما زالت على درجةٍ كبيرةٍ من الأهمية في ما يتعلق بصوغ الرؤى الإقليمية للإخوان، ومن أهمها: الصراع العربي-الإسرائيلي، وتحولات النُظُم الإقليمية في الشرق الأوسط، مثل الثورة الإسلامية في إيران، والتجربة الدموية للإسلام السياسي في الجزائر، وتراكم الخبرات السياسية للإسلام السياسي في الأردن، وصعود حزب العدالة والتنمية المغربي، ونجاح حزب العدالة والتنمية التركي، وظهور مشروع الإصلاح السياسي الذي طرحه الإخوان المسلمون في سورية، ونجاح حركة حماس الفلسطينية في الانتخابات البلدية والتشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية.
ولم تكن العوامل الدولية أقل أهميةً من العوامل الإقليمية والمحلية، فجماعة الإخوان المسلمين تأثَّرت بجملة من العوامل الدولية مثل: تفكك الاتحاد السوفياتي وتحول النظام الدولي نحو الأحادية القطبية، وثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، ثورة التحولات الديمقراطية العالمية، وتمدد منظمات المجتمع المدني العالمي، والعلاقات المصرية الدولية، السياسة الأميركية تجاه مصر، والحرب الدولية على الإرهاب، وتأثير المؤسسات المانحة على اتجاهات الإصلاح السياسي في مصر
ويفكك الفصل الرابع أهم التحوّلات السياسية لدى حركة الإخوان المسلمين بين عامي 1971 – 2010م.
ويشير الكاتب في المبحث الأول إلى أهم التحولات السياسية داخل حركة الإخوان المسلمين نفسها، ويرى أن أبرز التحولات تتمثل في: تراكمات الخبرة السياسية لدى الإخوان المسلمين، التوجه نحو العمل في إطار الدولة الوطنية بدلاً من المطالبة بالخلافة الإسلامية، الفصل والوصل بين الجماعة القُطرية والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، التوجه نحو العمل الحزبي، الجمع بين الممارسة السياسية والتنمية المجتمعية للإخوان، الموقف من المرأة والشباب.
ويستعرض في المبحث الثاني مبادئ الإصلاح السياسي لدى حركة الإخوان المسلمين، وهذا الاستعراض مردُّه البرامج الانتخابية والرؤية الإصلاحية في مرحلة السادات ومبارك، ولعل أهم المبادئ هي: إطلاق الحريات وحفظ حقوق الانسان، تعديلات الدستور والقوانين، إصلاح القضاء، إصلاح النظم الانتخابية، رعاية حقوق المواطنة، وصيانة الوحدة الوطنية في مصر، إصلاح نظام المجتمع المدني المصري، إصلاح الإدارة المحلية في مصر، المحافظة على الأمن القومي المصري، وأخيرًا السياسة الخارجية لمصر.
ويحاول المبحث الثالث الكشف عن أثر سياسة الإصلاح السياسي على علاقة الإخوان المسلمين بالقوى السياسية والشرائح المجتمعية المصرية، حيث يستعرض علاقة الإخوان المسلمين بالمؤسسة الحاكمة، علاقة الإخوان المسلمين بالأحزاب السياسية المصرية، موقف الإخوان المسلمين من الأقباط.
ويؤكد المبحث الرابع تأثير العلاقات أو الارتباطات الدولية للإخوان بمصر في ضوء تطور رؤيتهم الإصلاحية، ويكتفي الباحث باستعراض علاقة الإخوان المسلمين بالولايات المتحدة الأميركية، وعلاقة الإخوان المسلمين بدول الاتحاد الأوروبي، والتواصل الفكري للإخوان المسلمين مع الغرب.
ويبحث الفصل الخامس والأخير في مستقبل الإصلاح السياسي لدى الحركة، حيث يرى أن اتجاهات الإصلاح السياسي لدى جماعة الإخوان المسلمين سواء تراجعت أم تقدمت؛ تتوقف على جملة من العوامل منها: تطور البناء التنظيمي والفصل بين الحزب السياسي والتنظيم، الإقرار بالدور السياسي للمرأة والشباب وتقدير دورهما في صنع القرار داخل الجماعة، الاستعداد للمشاركة السياسية، الموقف من الإصلاحات الدستورية في مصر، تطوير آليات إدارة العلاقات الدولية والتعاطي مع الغرب، ومدى تعايش الإخوان المسلمين مع العلاقات الإقليمية لمصر.
وانتهى الكتاب بعرض أهم النتائج وتقديم أهم التوصيات، وجاءت أهم النتائج على النحو الآتي:
على الرغم من الوثائق والرؤى الإصلاحية كلها التي قدمتها الجماعة إلا إنَّه لم يتحقق منها إلا القليل؛ وذلك بسبب أحوال موضوعية كانت مصر تمر بها طوال عمر الإخوان المسلمين.
يصعب فهم التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي في مصر بمعزل عن بعض التأثيرات النابعة من البيئتين الإقليمية والدولية.
اختلفت نظرة الإخوان المسلمين إلى شكل علاقتهم بالقوى السياسية الأخرى وطبيعة هذه العلاقة منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، حيث بات الإخوان أكثر واقعية في تعاملهم مع تلك القوى.
أما أهم التوصيـات فهي على النحو الآتي:
على الإخوان المسلمين أن يُعيدوا تدوين تاريخهم من جديد، وذلك في ضوء الأدبيات المتوافرة لديهم، فهم لم يعودوا حركة سرية أو مغلقة كما كانوا من قبل، بل هم أكبر حركة اجتماعية في الساحة المصرية.
بعد نجاحهم في الانتخابات البرلمانية (2011-2012م) بنحو 47 بالمئة من مقاعد البرلمان، بات لزاماً على الإخوان المسلمين أن يدرسوا بجديةٍ التجارب السياسية الإسلامية السابقة التي وقعت خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
على الإخوان أنْ ينسجوا علاقات أفضل مع المؤسسة العسكرية المصرية خاصة، وأن أي ضعف المؤسسة العسكرية يؤثر في وجود مصر، ومن ثم ينعكس في وجودهم أيضًا.
أن يقوم الإخوان بإشراك المرأة والشباب في الحياة السياسية بشكلٍ أكبر، والدفع بقيادات شابة إلى ميدان العمل السياسي.
من الضروري استيعاب الحركة القبطية وتوفير الجو الملائم لها، وإفساح مجال أكبر للأقباط للمشاركة في الحزب السياسي للإخوان (حزب الحرية والعدالة).
من المهم جداً أن يوضِّح الإخوان أو يفسروا جدلية علاقة الديني بالسياسي في أفكارهم وممارساتهم.
على الإخوان المسلمين القيام بثورة إصلاحية داخلية تخلّصهم من عيوب الجماعة التاريخية وأزماتها الداخلية.
يجب تأكيد ضرورة التجديد في أساليب الدعوة –وكما طرح البنَّا سابقاً- بما يتفق مع تجدد فكر الناس وسلوكهم، وبما يتماشى مع المتغيرات والمستجدات المحيطة، وبما يحقق بطرق عملية غايتها.
على الإخوان المسلمين أن يعيدوا قراءة أفكارهم على أن يتخلصوا من الظواهر السلبية القديمة، مثل “فكرة المحنة” التي ما يزال تأثيرها ظاهراً لدى كثير من قادة الحركة.
على الإخوان المسلمين التوجه أكثر نحو الواقعية السياسية (البراغماتية)؛ وذلك مجاراةً للواقع الذي تعيشه مصر وما يحيط بها من قضايا سياسية مختلفة تجعل تطبيق أفكارهم أمراً شبه مستحيل.
المؤلف:
أحمد فايق دلول
من مواليد غزة، فلسطين 1987
يعمل باحثًا في الشؤون السياسية والقضايا المجتمعية، ومحاضرًا في عدد من الكليات الجامعية بقطاع غزة،
حاصل على درجة الماجستير في دراسات الشرق الأوسط (علوم سياسية)، من جامعة الأزهر – غزة، ودرجة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية، من الجامعة الإسلامية – غـزة، ودبلوم دراسات في القضية الفلسطينية، أكاديمية دراسات اللاجئين، لندن
شارك في العديد من المؤتمرات العلمية في غزة والضفة والخارج.