الوصف
This post is also available in:
English (الإنجليزية)
إنّ عبارة “يمكنك أن تحصل على كعكتك وتأكلها”، المستخدمة في ما يتعلق بالبريكست، توحي بشيء من الغرابة.
في شكلها الحالي، هي لا تحمل معنى المفارقة، لأنّ الحصول على الكعكة ثم تناولها هو التسلسل الطبيعي المعتاد. أما في شكلها الأصلي (“أن تأكل كعكتك وتحتفظ بها في آن واحد”)، ففيها مزيد من القوة.
وكاستعارة مستخدمة في موضوع البريكست، لطالما كانت مزحة. فبعض الاستعارات أكثر إقناعًا وأكثر خطورة.
فلنأخذ مثلًا استعارة في موضوع “الصفقات”. وفقًا لأناند مينون من كينغز كوليدج لندن، عادةً، إذا تم رفض الصفقة، فالوضع الذي يسيطر هو ذاك الذي كان سائدًا. ويعتقد البريكستيون أنه من أجل الحصول على “صفقة” أفضل، يجب على بريطانيا أن تبقى هادئة، وأن تكون راغبة في الابتعاد. وكما يعتبر البعض: “عدم إبرام صفقة أفضل من إبرام صفقة سيئة”.
تعبير عقلي حيوي
سيكون ذلك صحيحًا لو كان البريكست شبيهًا بشراء سيارة مستعملة. تتفحّص السيارة، على أما ألّا تنفق كل مبلغ 5،000 جنيه استرليني الذي في جيبك. لكنّ التاجر يريد كلّ ما تحمله. فتمشي بعيدًا.
يحتفظ بسيارته وأنت تحتفظ بالمبلغ الذي بحوزتك. لكن هذا لا ينطبق على البريكست الذي لا يتضمّن أي صفقة. ستتخرّب خطوط الإمداد، والروابط التجارية وأكثر من ذلك. لن تحتفظ بالـ 5،000 جنيه إسترليني، وسينتهي بك المطاف بما هو أقل، كما ستبقى من دون سيارة.
إنّ الاستعارات تعبير عقلي حيوي بسيط ومختصر. فالتأمل في الأمور التجريدية يصبح أسهل مع استخدام صور ذهنية ملموسة ومألوفة. الوقت خط أفقي. والحياة رحلة. لاحظ أن الفكرتين تتوافقان مع بعضهما البعض. بينما لو كان الوقت يُصوّر روتينيًا على شكل سلالم، فإنّ فكرة أن الحياة هي رحلة على الطريق ستتضارب مع صورة السلالم.
في كتاب كلاسيكي بعنوان “الاستعارات التي نتّبعها” Metaphors We Live By (276 صفحة، منشورات جامعة شيكاغو)، استعان كل من العالِمَين اللغويين جورج لاكوف ومارك جونسون، بحقيقة أن استعارات مثل هذه تنسجم بعضها مع بعض، كدليل على أنها متجذرة بعمق وتؤثر بقوة على تفكير الناس.
فقرة استراحة
تحتاج الاستعارات إلى عناصر متعدّدة لتعمل، منها البساطة. فإذا قارنت البريكست مع عقد معقد، يتضمّن “فقرة استراحة” تتوافق مع سوء التفاهم المربك الحالي، ستكون لديك استعارة أكثر دقة – لكنّ هذا من شأنه أن يربك الكثير من الأشخاص غير المطّلعين على وثائق مماثلة.
أما باستخدام استعارات بسيطة، فبعض التفاصيل لن يكون ملائمًا؛ قد تكون الحياة رحلة، لكنّك لست بحاجة إلى جواز سفر. لكنّ العناصر المركزية للاستعارة يجب أن تمثّل العناصر المركزية للظاهرة التي تصفها، وإلّا فستصبح الاستعارة مضلّلة (وهو ما يسعى السياسيون أحيانًا إلى تحقيقه). “الحرب” مثلًا، عبارة مجازية أخرى مشهورة. كلّ الحروب على الفقر والمخدرات والإرهاب قد فشلت. لماذا؟ في الواقع، يسعى السياسيون إلى استدعاء عنصر واحد من استعارة “الحرب” عندما يستخدمونها: الصراع الوطني الحادّ. ولكن هناك جزء آخر حاسم في الحرب، ألا وهو العدو.
مربحة للجانبين
في حرب حقيقية، يقاوم المشاركون وربما يفوزون. وعندما تربح جهة ما، قد يقتنع العدو بالاستسلام رسميًا على متن السفينة الحربية ميسوري. أما المخدرات أو الفقر أو الإرهاب فلا تفعل ذلك، ما يترك الجمهور الذي حرّضه الحديث عن “الحرب”، في حالة من الإحباط. فتعطي الاستعارة نتائج عكسية. لست بحاجة إلى أن تكون الجنرال الصيني سون تزو لتعلم أنه لا ينبغي إعلان حرب لا يمكن كسبها.
فلنستخدم استعارة مغرية مشابهة، نشرها الرئيس الأميركي. لا يستطيع دونالد ترمب التوقف عن الحديث عن “الفوز”. يمكن شخص ما الفوز في مسابقة رياضية (أو حرب)؛ في هذا النوع من اللقاءات، تجد أيضًا خاسرين واضحين.
في بعض الأحيان، هناك حالات “مربحة للجانبين”، لكنّ هذه التسمية هي نوع من التناقض المتعمّد، مثل الكعك الذي يتم تناوله لكنه يبقى موجودًا؛ المعنى الأساسي “للفوز” هو الانتصار على الخصم. ومما لا ريب فيه، إن ترمب يعتقد على ما يبدو أن أي صفقة يخرج منها الطرف الآخر راضيًا… لا تعتبر “فوزًا”.
تأثير محدود
في الواقع، إن تأثير الاستعارات السيئة محدود، كذلك فائدة استبدالها. وجدت دراسة في جامعة ستانفورد أن التحول من وصف الجريمة على أنها “وحش” إلى وصفها على أنها “فيروس” أدّى بالمشاركين إلى اقتراح حلول مختلفة. ظنوا أنّه ينبغي محاربة “الوحش” بالقانون والنظام. بينما إذا اعتبروها “فيروسًا”، فكانوا أكثر ميلًا إلى اقتراح سياسات مرتبطة بنمط الصحة العامة. غير أن نهج القانون والنظام بقي يحظى بالأغلبية، لكن بعدد أصوات أقل من قبل. لذا، فإنّ تغيير الاستعارات ليس سحريًا.
لكن، من المهم مكافحة الأمثلة المضللة من خلال استخدام أمثلة أفضل. هذا أمر صعب لأنّ الناس متعلّقون بالإطارات المرجعية القديمة، لكنّه ليس مستحيلًا. يجب أن تكون الاستعارة الجديدة كاملة ومقنعة. على سبيل المثال، فإنّ البريكست شبيه بالطلاق أكثر منه بالصفقة المالية.
سيكون الانفصال مؤلمًا، وسيترتّب عن القيام بذلك بشكل حاد ثمنٌ أكبر، حيث تضيع الأصول في الشجار ويغتاظ الأطفال المتشاجرون. قد تكون هذه الاستعارة أكثر دقة، لكنّها أقل بهجة أيضًا. لذا فهي تصطدم بميزة أخرى عميقة الجذور تتعلّق بالإدراك البشري: وهي الرغبة في عدم التفكير في شيء مزعج.
إيلاف
This post is also available in:
English (الإنجليزية)