الوصف
يصدر هذا الكتاب، الذي يبحث التعايش الإنساني في التصور الإسلامي، في الوقت الذي تجتاز الإنسانية فيه أكبر وأخطر منعطف في تاريخها، يخرج بها من عصر الصناعة، إلى عصر المعرفة والاتصال، من دون أي إدراك للتغيرات الاجتماعية الكبرى التي يقتضيها هذا التحول إلى عصر جديد.. كتاب هام جدير بالقراءة.
من الكتاب:
إن البداية أو الانطلاق نحو الخروج من أزماتنا وبناء البديل الحضاري العالمي تكمن في فهم الحالة الراهنة للإنسانية جمعاء؛ بحيث ندرس مآسيها وأزماتها التي تزداد كثافة وظلاماً عبر الأيام . الشيء الذي أدى إلى خلافات خطيرة سرعان ما تحولت إلى صراعات فكرية مذهبية وطائفية دينية بين حملة الأديان المختلفة، وانقسامات داخل الذين يدينون بالدين الواحد، وانشطارات داخل الفرق والطوائف .
ولذلك اهتم الباحثون والعلماء من المسلمين وغيرهم، بموضوع التعايش والتقارب؛ نظَراً لتعلُّق الموضوع بحياة النَّاس وتعاملاتهم في شتَّى جوانب الحياة؛ ونظراً لكثرة الشُّبهات المثارة حول الموضوع نتيجة للظرفية الخاصة والحرجة التي تمر بها الأمة .
وأحببت أن أساهم بشيء في هذا الموضوع ، منطلقاً من قاعدة شرعية، وهي: أن الأصل في العلاقات الإنسانية السلم لا الحرب . والرفق لا العنف، واللين لا الشدة، والرقة لا الغلظة… لأن الإسلام دين ينبعث عن مفهوم إلهي كوني؛ كما قال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه: «إنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّداً (صل الله عليه وسلم) داعِياً، وَلَمْ يَبْعَثْهُ جَابِياً» .
أي أنه (صل الله عليه وسلم) بُعث مبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله على أسس وقيم ثابتة وجامعة، كالإحسان والتسامح والحرية والمساواة، بل إن الإسلام احتضن كل القيم الإنسانية العليا التي تنظم المجتمع الإنساني على أساس التعاون والتضامن والسلم والأمان والمحبة والاستقرار، وضبط هذا السلوك الإنساني بكل ما يكفل كرامة الإنسان وينمي وشائج الاتصال بين الجميع ، والمعصوم (صل الله عليه وسلم) عمل على اقتلاع جذور التعصب، وسدَّ كل منافذها ، حينما قال: «لَيْسَ مِنّا مَنْ دَعا إِلى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنّا مَنْ قَاتَلَ عَلى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنّا مَنْ ماتَ عَلى عَصَبِيَّةٍ» ، وحرَّم حمية الجاهلية فقال: «دَعُوها فإِنَّهَا مُنْتِنَة» . فلا شدة ولا عسر ولا تعصب ولا بغض ولا حقد، بل الرحمة واليسر والسماحة والعطف والمحبة.
هذا وقد راعى المسلمون حقوق المستأمنين . في ضوء مكوِّنات شبكة العَلاقات الاجتماعيَّة التي تتمُّ تبعاً لتأثير طوائفَ اجتماعيَّةٍ ثلاث:
أ- تأثير عالَم الأفكار.
ب- تأثير عالَم الأشياء.
ج- تأثير عالَم الأشخاص.
لكن هذه العوالِم الثلاثة لا تَعمل متفرِّقة، بل تتوافَق في عملٍ مشترَك تأتي صورتُه طبقاً لنماذجَ أيديولوجيَّة مِن (عالم الأفكار)، يتمُّ تنفيذها بوسائل من (عالم الأشياء)؛ من أجل غاية يحدِّدها (عالم الأشخاص).
ومعنى هذا لا يمكن أن يتم عمل تاريخي إذا لم تتوفر صلات ضرورية داخل هذه العوالِم الثلاثة لتربط أجزاءها في نطاقها الخاص وبين هذه العوالم لتشكل كيانها العام من أجل عمل مشترك.
وكما أن وحدة التغيير التاريخي ضروريَّة، فإنَّ انسجام وحدة التغيير التاريخي مع الغايةِ منها ضروري، كي يجسِّد الحضارةَ في الواقع،”وهذا الشَّرْط يستلزم كنتيجةٍ منطقيَّة وجود (عالم) رابع، هو مجموعُ العلاقات الاجتماعية الضروريَّة” .
وقد أحسن المحسنون عبر التاريخ فن إدارة التعدد والاختلاف، ولولا ذلك البلاء الحسن لما بقي في هذا العالم شيء من هذا التنوع الهائل، ففي غالبية الأقطار يوجد مسلمون ومسيحيون ويهود وغيرهم من الأقليات، فهؤلاء عاشوا في كنف الحضارة الإنسانية فاعلين، وليسوا مهمشين، بدون أن تفقد الأقليات هوياتها.
وعالمنا اليوم في أشد الحاجة إلى التسامح الفعال والتعايش الإيجابي بين الناس، أكثر من أي وقت مضى، نظراً لأن التقارب بين الثقافات والتفاعل بين الحضارات يزداد يوماً بعد يوم بفضل ثورة المعلومات والاتصالات والثورة التكنولوجية التي أزالت الحواجز الزمانية والمكانية بين الأمم والشعوب، حتى أصبح الجميع يعيشون في قرية كونية كبيرة .