كيسنجر المفاوض

عنوان الكتاب كيسنجر المفاوض
المؤلف جيمس سيبينيوس، نيكولاس بيرنز، وبرت منوكن
الناشر Harper 
البلد أمريكا
تاريخ النشر 2018
عدد الصفحات 448

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

This post is also available in: English (الإنجليزية)

يعتقد كثيرون من الخبراء في الشؤون السياسية في العالم أن هنري كيسنجر، مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية خلال رئاسة ريتشارد نيكسون لأمريكا وبعد ذلك وزير الخارجية في عهد جيرالد فورد (أي بين عامي 1970 و1977) كان أحد أذكى وأدهى السياسيين في تاريخ أمريكا والعالم في القرن العشرين، وأنه يجب الاحتذاء به والتعلم من مواقفه في حل نزاعات الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا والعالم ومحاولة إعادة تطبيقها في المرحلة الحالية من التاريخ.

هذا ما يشير إليه مؤلفو كتاب “كيسنجر المفاوض” الذي وافق كيسنجر على محتواه، وكتب تمهيداً مختصراً له.

كاتبو الكتاب أساتذة في جامعة هارفرد الأمريكية العريقة ولديهم خبرات سياسية، وهم جيمس سيبينيوس، أستاذ إدارة الأعمال ومؤسس “قسم التفاوض” في الجامعة، وعمل في مناصب حكومية واقتصادية بارزة وألف كتباً عديدة في الموضوع، ونيكولاس بيرنز أستاذ الديبلوماسية في “كلية كينيدي” في جامعة هارفرد، وعمل سابقاً كمساعد لوزراء خارجية أمريكيين ومستشاراً لهم ولبرامج أخرى حول السياسية الخارجية الأمريكية (حكومية وأكاديمية) وروبرت منوكن، الأستاذ في كلية الحقوق في جامعة هارفرد والاختصاصي في موضوع التفاوض، علماً ان كيسنجر نفسه حاضَر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة هارفرد قبل عمله في الإدارة الأمريكية وقبل نيله جائزة نوبل للسلام في عام 1973.

لعل القسم الثالث من الكتاب وخصوصاً فصوله (11 ـ 13) بالإضافة إلى الفصل الختامي تشكل أهم ما ورد فيه عن الشرق الأوسط رغم ان الأقسام والفصول الأخرى ذات أهمية وخصوصاً بالنسبة لدور كيسنجر في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.

ففي القسم الثالث، ترد بعض الوقائع التي توضح دوافع كيسنجر في الشرق الأوسط وتشير إلى ذكائه وقدرته على تمرير سياساته “المنحازة” من خلال إدارتها. ففي الصفحة (231) من الفصل الحادي عشر يقول المؤلفون إن كيسنجر كان يمرر مبادراته وخططه ويروج لمواقفه المتعاطفة مع الهجرة اليهودية من الاتحاد السوفييتي إلى إسرائيل في سبعينيات القرن الماضي عن طريق تقديم عروض مغرية للسوفييت في شؤون أخرى مهمة لهم في أماكن أخرى من العالم. فيشير المؤلفون إلى ان العدد الذي سمح النظام السوفييتي السابق له بالهجرة (خصوصا إلى إسرائيل) في عام 1968 ناهز الأربعمئة شخص فقط، وقد ارتفع هذا العدد تدريجيا مع تحسن العلاقة السوفييتية ـ الأمريكية فارتفع حتى بلغ الخمسة وثلاثين ألفاً عام 1973 وازداد بعد ذلك وحتى نهاية تحكم كيسنجر بوزارة الخارجية في عهدي نيكسون وفورد إلى عشرات الآلاف وبعد ذلك إلى أضعاف هذا العدد.

ويسمي المؤلفون سياسة كيسنجر هذه بسياسة “الغموض البناء” التي استخدمها الوزير “الداهية” أيضاً في إقناع الرئيس المصري السابق أنور السادات بتنفيذ طلب إسرائيل تنظيف وفتح قناة السويس بعد حرب 1973 وتجهيزها للملاحة. فلو طلب كيسنجر مباشرة من السادات فتح القناة لأن إسرائيل تريد ذلك، لربما أحرج الرئيس المصري دافعا إلى الرفض المصري. ولكنه أقنع القيادة الإسرائيلية بعدم طلب هذا الأمر علناً وجعل القرار يبدو وكأنه آتٍ من السادات نفسه ومباشرة (في توقيته) بعد إنجاز فصل القوات المصرية عن القوات الإسرائيلية عسكرياً في المنطقة المحاذية للقناة حتى يصل الجيشان إلى الموقعين اللذين كانا فيهما سابقاً حسب اتفاقية فصل القوات. وبالتالي، دُفع السادات إلى التفاوض المباشر مع إسرائيل عبر دهاء كيسنجر (ص 232).

إذن يمكن اعتبار كيسنجر مهندس الهجرة اليهودية السوفييتية إلى إسرائيل التي غيرت طبيعة الكيان الإسرائيلي. وثناء مؤلفي الكتاب على سياسة “الغموض البنّاء” التي مارسها كيسنجر بحجة مهارته كمفاوض ليست مبررة بل متواطئة. كذلك يستشهد المؤلفون بمواقف مسؤول أمريكي حالي آخر في الإدارة الأمريكية من المحافظين الجدد المؤيدين لإسرائيل، وهو ايلوت ابراهمز، الذي يقول: “سياسة الغموض البنّاء قد تكون بشعة منطقياً ولكنها فعالة استراتيجياً”. فيما يعارض مثل هذه السياسة مفكرون وسياسيون عرب وأجانب بارزون يعتبرون أن مثل هذه السياسة أدت إلى فشل مفاوضات أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين في مطلع تسعينيات القرن الماضي بسبب عدم وضوح قراراتها ولأسباب أخرى.

وابراهمز هو حالياً أحد كبار معاوني أصحاب القرار في السياسة الخارجية في أمريكا ويُعتبر أحد المقربين من مستشار الأمن القومي جون بولتون. وشعر القارئ بأن بولتون ربما يحاول إعادة ما كان يفعله كيسنجر عندما كان مستشاراً للأمن القومي لنيكسون، إذ كان يسلب القرارات الهامة من وزيري الخارجية والدفاع آنذاك: من وزير الخارجية السابق ويليام روجرز ووزير الدفاع السابق ميلفن ليرد. وقد نجح كيسنجر لاحقاً في الصعود إلى منصب وزارة الخارجية، ووقف متفرجاً لدى استقالة نيكسون بسبب “فضيحة ووترغيت” مع انه كان يؤكد دائماً بانه يتخذ قراراته بشأن العالم بالتنسيق مع نيكسون وبعد موافقته.

وفي الفصل الثالث عشر، يعتبر المؤلفون أن من عناصر ذكاء ودهاء كيسنجر انه كان يحيط مبادراته وتنقلاته ومفاوضاته بالسرية المكثفة لانه: “نيكسون كان شخصية حذرة ومترددة، وكان يثق بكيسنجر ثقة كبيرة. ولأن شخصية وزير الخارجية كانت قوية جداً (ص 239)”. ولكن، هناك شخصيات عالمية وإقليمية عاصرت نيكسون وكيسنجر وتعاملت معهما سياسياً تخالف المؤلفين في هذا المجال، وبينها مسؤولون سوريون ومصريون تابعوا المفاوضات الأمريكية (الإسرائيلية) مع الدول العربية بعد حرب 1973. كما يشير المؤلفون إلى أن كيسنجر كان يتخطى وزير الخارجية الإسرائيلي (آنذاك) ايبا ايبان في مفاوضاته مع إسرائيل ويتخذ مبادراته الخاصة به ويتجاوز بعض المعاونين المقربين منه أيضاً.

وهذا أمر (في رأيهم) كان يخلق غموضاً لدى بعض كبار المسؤولين في شتى الجوانب ربما كما يحدث حاليا في سياسات الإدارة الأمريكية تحت قيادة دونالد ترامب الغامضة والمتقلبة في كثير من الأحيان.

وفي المقابل، وبرغم الأخطاء التي ربما ارتُكبت في عهد الرئيس باراك أوباما في السياسة الخارجية، يعترف الكتّاب (وبينهم نيكولاس بيرنز الذي عمل مع وزراء خارجية من الحزب الديمقراطي الأمريكي) بان الخطوات التي نُفذت في المراحل السابقة لتوقيع الاتفاقية النووية (1 + P5) مع إيران كانت أكثر شفافية في عهد أوباما برغم سرية بعض مراحلها. فالخطوات السرية الأولى التي قام بها مساعد وزير الخارجية ويليام بيرنز عامي 2012 و2013 في سلطنة عُمان تحولت إلى مفاوضات علنية بين الدول المعنية لاحقاً وأُخذت فيها العوامل السياسية والاقتصادية في الحسبان بالإضافة على الانعكاسات على الدول الإقليمية والعالمية قبل توقيع الاتفاق عام 2015 (ص 256) الذي تراجع عنه الرئيس ترامب لاحقا.

وبالتالي، يتساءل المؤلفون إذا كان اعتماد السرية والغموض في المفاوضات هو أمر مفيد ومستحب في المدى البعيد أو أن العكس هو الصحيح. ويستنتجون بأن لكل من الأسلوبين حسناته وسيئاته والخيار الأفضل يستند إلى طبيعة النزاع الذي يجري التفاوض حوله.

وربما من الأمور التي “ارتكبها” كيسنجر وغيره من قادة السياسة الخارجية الأمريكية والإسرائيلية لاحقاً بدهاء وانحياز، هو استبعاد القيادات الفلسطينية الفاعلة عن المفاوضات الهامة تمهيداً لاستبعاد حقوقهم المشروعة ومطالباتهم المحقة عن أجندات القرارات والتنفيذ.

ففي الصفحتين (227 و228) يتحدث المؤلفون عن العبارات الواردة في الدعوة إلى المفاوضات بعد انتهاء حرب 1973 حيث “نجح كيسنجر” في تحضير الدعوات الموجهة إلى الجهات المشاركة بطريقة تتجنب إغضاب الجهات العربية التي كانت تود إشراك القيادات الفلسطينية وعدم “مضايقة” الجهة الإسرائيلية التي كانت تعارض بشدة مشاركتهم، بحيث اعترف كيسنجر في أحد كتبه بانه أبلغ السادات ضرورة كتابة دعوة “محايدة” لا تشمل الإشارة إلى مشاركة القيادات الفلسطينية أبداً، ولكن لدى انطلاق الاجتماع الأول للتفاوض تطالب الجهات العربية بدعوة هذه القيادات فيما يرفضها الإسرائيليون. وكل ذلك يحدث بعد التأكد من انعقاد المؤتمر لتجنب افشال انعقاده ومقاطعته من أي جانب. وقد استُخدمت هذه المبادرة “الكيسنجرية” في مؤتمرات ومفاوضات لاحقة إلى أن أبطل مفعولها إلى حد ما الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في أوسلو وما تبعها وقبل هيمنة بنيامين نتنياهو على قيادة إسرائيل وسياساتها “التفاوضية” وعودة الغموض وعدم الاكتراث الفعلي للمفاوضات ولنصوص الاتفاقات وعدم تطبيقها من الجانب الإسرائيلي.

ومن أبرز ما ورد في مقدمة الكتاب وفصوله الأولى، ما ذكره المؤلفون حول الخلاف القائم حالياً في الحزب الديمقراطي الأمريكي بالنسبة لذكاء ودهاء كيسنجر أو خداعه وكذبه. فالمرشحة السابقة للرئاسة هيلاري كلينتون امتدحت كيسنجر في حملتها الانتخابية لعام 2016 فيما انتقده المرشح السابق والحالي بيرني ساندرز واعتبرَ انه كان سياسياً مؤيداً للأنظمة الديكتاتورية التي لا تحترم حقوق الإنسان. (المقدمة ص 1XX).

أما المؤلفون، فيقولون انهم لا يعتبرونه قديساً ولا شريراً ولكنهم يريدون الاستفادة من الأمور الإيجابية في منهجه وخطواته كمفاوض وخبير. غير أنهم في كثير من الأحيان يبررون بعض سياساته الانتهازية والمخادعة وخصوصاً عندما يقترحون (وإن بشكل غير مباشر) الاستمرار في ممارسة بعض سيئاتها ويمتدحونه لأنه خلال عمله في السياسة الخارجية لعقود عديدة، نجح في ضبط التوسع والانتشار السوفييتي في الشرق الأوسط. ولكنهم لا يتساءلون على حساب مَنْ نُفذت خططه وسياساته؟ ولمصلحة مَنْ كانت نتائجها في الدرجة الأولى؟

ربما هذا الأمر لا يهمهم كثيراً، ولكنه يهم الشعب الفلسطيني والشعوب العربية عموماً وشعوب العالم الثالث الفقيرة التي ما زالت تتعرض للاستغلال والمفاوضات العقيمة الساعية إلى المزيد من التنازلات تحت إشراف تلامذة كيسنجر!

المصدر

This post is also available in: English (الإنجليزية)

TOP