الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
منذ زوال الاتحاد السوفييتي تم الاستيلاء على عباءة أكبر الاقتصادات المخططة في العالم من قبل شركات مثل وول مارت، وأمازون، وغيرها من الشركات متعددة الجنسيات. بالنسبة لليسار واليمين، تعتبر الشركات الكبرى متعددة الجنسيات بمثابة تعبيرات نهائية عن رأسمالية السوق الحرة، ويبدو أن نجاحها الملحوظ يدل على الفكرة القديمة المتمثلة في أن المجتمع الحديث معقد للغاية، بحيث لا يخضع لخطة ثابتة.
ومع ذلك، كما يجادل المؤلفان لي فيليبس وميشال روزورسكي، فإن كثيراً من اقتصاد الغرب مخطط مركزياً في الوقت الحاضر. ويقولان: «السؤال الحقيقي هو عما إذا كان هذا التخطيط يمكن له أن يكون ديمقراطياً؟»
يُحيي هذا الكتاب الجدل من خلال النظرية الاقتصادية السياسية والتعقيد الحسابي، وتاريخ التخطيط، حول كيف يمكن للمجتمع أن يوسّع عملية صنع القرار الديمقراطي ليشمل جميع المسائل الاقتصادية، خاصة مع التقدم الحاصل في تكنولوجيا المعلومات في العقود الأخيرة، وظهور المشاريع الجماعية المتداخلة في أرجاء العالم، نجد أن التخطيط الديمقراطي أصبح لمصلحة البشرية جمعاء أكثر أهمية، وأقرب إلى التحقيق من أي وقت مضى.
لا يعيد المؤلفان مجرد فهم فكرة أن التخطيط الاقتصادي مفيد في تأمين توزيع أكثر عدلاً للسلع والخدمات؛ بل يجدان أنه محرك لخلق مجتمع أكثر عدلاً واستدامة. وبالتالي، فإن عنوان هذا الكتاب ليس مفارقة أو استعارة؛ لأن سعي شركة وول مارت للسيطرة العالمية على تجارة التجزئة، قد تكون له عواقب غير مقصودة وإيجابية. أثبت أن استخدامها لاستراتيجية لوجستية مركزية تعتمد على التكنولوجيا أكثر فاعلية من نماذج السوق الداخلية التنافسية التي تستخدمها شركة سيرز القابضة مثلاً.
ويجدر الذكر أن وول مارت، هي شركة أمريكية متخصصة في البيع بالتجزئة، وتعد أكبر شركة في العالم من حيث الإيرادات. وترجع بدايات الشركة إلى سنة 1962، وهو تاريخ افتتاح أول متاجرها على يدي سام والتون. وفي سنة 1968، افتتحت الشركة أول متاجرها خارج ولاية أركنساس، وفي 1 أكتوبر 1972 أدرجت أسهمها في البورصة الأمريكية. تمتلك السلسلة أكثر من 10900 متجر حول العالم، منها 4092 في الولايات المتحدة، والبقية متفرقة بين 27 دولة، من أبرزها كندا والمكسيك وبريطانيا وألمانيا. تسيطر عائلة والتون على الشركة مما أهل أفرادها لاحتلال المراتب الأولى في لائحة مجلة فوربس لأغنى أغنياء العالم.
وتتعرض الشركة لانتقادات كبيرة من الجمعيات الأهلية الأمريكية، بسبب سياساتها الاجتماعية إزاء موظفيها، ولتسببها في إغلاق مئات المتاجر الصغرى، بحسب موسوعة ويكيبيديا.
إن الخدمات اللوجستية الخاصة بأمازون والبنتاغون، تشبه احتياجات وول مارت، وبينما يستنكر المؤلفان أهداف وسلوك هذه المنظمات، فإنهما يوضحان أن «تخصيصها المباشر» للموارد يمكن أن يوفر خطة للتخطيط الديمقراطي.
ويعاين المؤلفان سلسلة من الاحتمالات: هل يمكن أن يصبح الإنتاج «بلا قيود»، كما دعا ماركس، لتطوير التقنيات الذكية والشبكات الاجتماعية من أجل المنفعة بدلاً من الربح؟ هل يمكن تحويل هيئات الصحة الوطنية إلى نموذج إنساني من الأسفل إلى الأعلى، بدلاً من نقص التمويل والتفكيك والسلع الأساسية؟ هل يمكن أن تؤدي إعادة التفكير في الحكم العالمي إلى التطبيق الديمقراطي للبيانات الضخمة؟
ويوضح المؤلفان أن هذا يتطلب إعادة التفكير بشكل كامل في العلاقات الاجتماعية التي تدعم التخطيط المؤسسي الفعال والضار في الوقت نفسه. إنه أمر محبط إلى حد ما أنه لا توجد حلول محددة في ما يتعلق بتزويد الأشخاص المناسبين وأنظمة التحكم في مكانها الصحيح لتشغيل النظام، مما يتطلب مزيداً من القراءة في التخصصات الأخرى.
يقول المؤلفان: «لذلك عندما نسأل عن إمكانية الوصول إلى عالم آخر، نسأل أيضاً هل هناك طريقة أخرى بديلة لتخصيص الأشياء؟ كيف يمكننا توزيع الأشياء بشكل مختلف، ومن يقرر كيفية توزيعها، هل يمكن تحويل الخطط التي يستخدمها أصحاب رؤوس الأموال لإيصال السلع والخدمات إلى أيدي من يستطيع دفع ثمنها، لأن نضمن بدلاً من ذلك وصول ما نُنتجه إلى من هم في أمسّ الحاجة إليه؟ وفي تغيير الطريقة التي توزع بها المواد، هل يمكننا أيضاً البدء بتغيير كل شيء عن الاقتصاد، من المواد التي نصنعها وكيفية صنعها، إلى من يعمل والوقت اللازم لذلك؟ وبمجرد تحديد طرق بديلة لتوزيع المواد، فإن التخطيط في كل مكان حولنا قد يعطي مؤشرات لأسلوب آخر من الإنتاج، وبشكل أكثر إلحاحاً قد يوحي هذا التخطيط القائم بأن سمات المراحل الانتقالية في طريقها إلى عملية تحول أكثر شمولية لاقتصادنا».
ويضيفان: «في ظل الرأسمالية، فإن أسلوب الإنتاج الحالي لدينا قائم أساساً على الطريقة التي ينظم فيها المجتمع اقتصاده، أو أن الطريقة الأساسية المستخدمة لتخصيص الأشياء هي السوق الحرة. في عالمنا يتم تحديد أسعار السلع والخدمات من حيث المبدأ، استجابة للعرض والطلب. يزعم دعاة السوق الحرة بأن هذه العملية تؤدي إلى الحالة التي تتوافق فيها كمية المواد المطلوبة من قبل المشتريين مع كمية المواد المنتجة من قبل الموردين: وهي الحالة التي توصف ب«التوازن الاقتصادي».
ويعلقان على ذلك: «لكي يُطلق على نمط الإنتاج مصطلح الرأسمالية، لا يكفي وجود سوق حرة؛ فعلى أية حال هناك سمات أساسية أخرى للرأسمالية بما في ذلك الاستغلال في مكان العمل، والحاجة إلى بيع الجهد للبقاء على قيد الحياة. وعلى الرغم من ذلك، فإن السوق الحرة شرط ضروري للرأسمالية، وهي كوسيلة للتخصيص تؤدي إلى تزايد اللامساواة من خلال أوجه التفاوت في توزيع الدخل. وتسفر تفاعلات السوق حتماً عن ظهور الرابحين والخاسرين، مما يؤدي إلى عمليات تركيز للثروة. بمرور الوقت تزداد هذه الفوارق، وهي نتاج تفاعلات السوق نفسها».
المصدر: جريدة الخليج
This post is also available in: English (الإنجليزية)