الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
بالكثير من الإثارة والحماس، يحكي الصحفي والروائي الأمريكي Paul Kix في روايته “LE SABOTEUR” أو “المخرّب” ـ “القصة الحقيقية للرجل الذي تحدّى النازيين”، قصة روربرت دي لاروشيفوكول (1923 ـ 2012) بطل المقاومة الفرنسية في الحرب العالمية الثانية، الأرستقراطي الذي تعلّم في أرقى المدارس الأوربية وكان مقدّراً له أن يحارب ضد الشر ويغيّر بشجاعته موازيين القوى الدولية.
ولعل كيكس كان مدفوعاً بحسّه الصحفي وشغفه نحو ربط الخيوط والتقصّي وراء الأحداث أثناء كتابته لهذا العمل الأدبي الصادر عن دار نشر Cherche midi. آمن بشخصيته الرئيسية التي يخترقها الكثير من الأسئلة حول حقيقة تاريخها، حقيقة الأحداث والمغامرات التي خاضتها، ومعنى مواقفها ومبرراتها. صدّق أحداثها ورواها. إنها شخصية من ماضٍ يزخر بالقصص والتراجيديات، بالأساطير وآلاف الألغاز والأسئلة. شخصية لها جذورها الضاربة في التاريخ الفرنسي. استمرت بالعيش حتى وصلت إلى زمن ليس بالبعيد جداً. لقد كتب روايةً من واقع الحياة مؤكداً في بدايتها أنها غير خيالية على الإطلاق على الرغم من أن البعض قد لا يصدّقها.
الرواية هي حصيلة 4 سنوات من الجهد المتواصل، التقى خلالها كيكس عشرات الأشخاص في 5 بلدان وقرأ حوالي الخمسين كتاباً باللغتين الفرنسية والإنجليزية بالإضافة إلى آلاف الصفحات من الوثائق العسكرية والتاريخية التي قرأها بأربع لغات. ويشير في مقدمته إلى أنه اعتمد على عدد قليل من المصادر المباشرة، يأتي من أهمها المذكرات المنشورة في العام 2002 بعنوان “الحرية، من دواعي سروري 1940 ـ 1946”. ثم هناك التسجيلات الصوتية التي كانت بالنسبة لكيكس منجماً قيّماً من المعلومات، كان يروي بطل روايته فيها مغامراته أثناء الحرب العالمية الثانية لأبنائه ولأحفاده. وقرص DVD للفيلم الذي قام بتحريره وإنتاجه أحد أبناء أخيه ليظلّ مرجعاً شخصياً داخل العائلة يحفظ بطولات دي لاروشيفوكول عبر الأجيال.
كان روبرت دي لاروشيفوكول في العام 1940 بعمر 16 عاماً عندما احتلّت ألمانيا النازية بلده فرنسا. فأنصت لقناعاتٍ قوية داخله أخذته نحو اتجاهٍ بطولي وأسطوري يكاد لا يصدّق.
وفي الوقت الذي كان فيه كثيرون يتعاونون مع النازية، لم يكتفِ هذا الشاب الصغير روبرت بمعاداة النازيين، فاتخذ قراره لمقاومتهم ولم يسمح لنفسه بالاستسلام. غيّر اسمه بمساعدة المقاومة الفرنسية، وبدأت مغامراته من إسبانيا ثم بريطانيا حيث تدرّب تحت إشراف مكتب التجسس البريطاني المسمى (SOE)، والتحق بحركة الجنرال ديغول ونجح في لقائه شخصياً، إلى أن أصبح خبيراً في فنون القتال غير المسلّح وزرع المتفجرات وأنواع أخرى من متطلبات الحرب في ذلك الوقت، مثل القدرة على إثارة الفوضى والجاسوسية.
عاد إلى فرنسا وصار في رصيده التاريخي والبطولي عشرات التفجيرات لمواقع بغاية الأهمية لدى الألمان بما فيها مصانع الأسلحة وسكك الحديد المفصلية في توجهاتهم. وأما المغامرات فمنها الهروب متنكّراً بزي عامل ومرة بزي راهبة، تسلّق جدار والقفز فوقه، سرقة سيارات النازيين، القفز من شاحنة تسير على الطريق السريع، التظاهر بنوبة صرع، مهاجمة الحراس وكسر رقابهم بيدين عاريتين وإطلاق النار على آخرين.
وبعد العديد من العمليات والمهام التي أنجزها من أجل ضرب وتخريب نقاط القوة العسكرية لدى جيش الاحتلال الألماني ـ ومن هنا استمدّ كيكس اسم روايته ـ يُقبض عليه في كل مرة ويستطيع أن يهرب بصدفةٍ غريبة وعجيبة. ونذكر أنه في إحدى المرات، تمّ إلقاء القبض عليه من قبل النازيين وسيق إلى الميدان لتنفيذ حكم الإعدام فيه من قبل فرق إطلاق النار. لكن قبلها بلحظاتٍ قليلة جداً يحتل زملاؤه من المقاومة الفرنسية مدافع النازيين الرشاشة ويغادر سالماً.
ذكر كيكس أن روبرت نادراً ما تحدّث عن ماضيه كبطولة. حتى عندما كان المحاربون القدامى يتحدّثون عن مآثره، كان يظلّ صامتاً. هذا نوع من التواضع. لكن دي لا روشيفوكول اختار الصمت بسبب الألم الذي ستتسبب به عودته إلى زمن الحرب والحديث عنها.
وعلى الرغم من أن كيكس قد سرد بطولات روبرت التي لا تعدّ ولا تحصى. لكن اعترافه الأخير في ربيع عام 2012 قبل موته بأيام، كان البطولة الأعظم. تخلّى عن الصمت الذي كان يقيه من مواجهة الألم من جديد وباح بوحه الأخير..
اعترف لابنته كونستانس بأنه قتل أناساً. أحياناً كان قريباً منهم لدرجة أنه شعر بأرواحهم تخرج من بين يديه العاريتين. رآهم يموتون وهم ينظرون إلى عينيه مباشرةً. كانوا جنوداً مثله لهم أيضاً قضيتهم الخاصة التي يقاتلون لأجلها. كل الأوسمة التي نالها لم تستطع أن تخفّف عنه هذا العبء الثقيل.
المصدر: independentarabia
This post is also available in: English (الإنجليزية)