الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
فى كتابها “القرآن باعتباره نصًا من الحقبة المتأخرة من العصور القديمة” Der Koran als Text der Spätantike. Ein europäischer Zugang ترى أنغليكا نويفرت Angelika Neuwirth الخبيرة في علوم القرآن أن ادعاء افتقار الإسلام إلى التنوير ما هو إلا صورة نمطية أوروبية قديمة غير قابلة للصمود أمام الحقائق التاريخية، مشيرةً إلى الصفات القرآنية “الجمالية والتقدمية الثورية” وإلى أن صميم القرآن يدعو إلى العلم والمعرفة. وتعتبر أن افتخار الغربيين بعصر التنوير الأوروبي هو ما يدفعهم باستمرار إلى اعتبار الثقافة الغربية متفوقة على الثقافة الإسلامية.
القرآن كرسالة
في هذا الكتاب المكون من 800 صفحة تحاول الكاتبة الألمانية “أنغليكا نويفرت”، العثور على مدخل أوروبي إلى كتاب المسلمين إلى القرآن.
تسعى المؤلفة لأنْ تبيّن أنَّ مَن يقرأ القرآن الكريم قراءة تاريخية فسيجد التقاليد نفسها التي تُعتمد بشكل أساسي من قِبَل الأوروبيين بخصوص ثقافتهم. يُقرأ القرآن كإبلاغ، أي كرسالة إلى أشخاص لم يكُونوا مسلمين بعد. ذلك لأنهم لم يصبحوا مسلمين إلا بعد الإبلاغ. تبيِّن هذه النظرة أنه في شبه الجزيرة العربية آنذاك قد نوقشت القضايا نفسها التي نوقشت في العالم المحيط في الحقبة المتأخرة من العصور القديمة، والتي تمَّ في وقت لاحق اعتبارها أساس أوروبا إلى حدٍّ ما. هذا يعني أننا جميعًا لدينا سيناريو نشوء مشترك، الأمر الذي غدا مُلْتَبِسًا فقط من خلال تطورات تاريخية لاحقة.
تؤكد أنغليكا نويفرت: “الإسلام يختلف منذ بداياته بشكل جوهري عن الثقافة المحيطة، وأنَّه جاء بشيء جديد تمامًا إلى العالم، بينما قبله كان عصر الجاهلية – حقبة لا تحظى بتقدير كبير ولا ينبغي للمرء بالضرورة أن يحيط بها علمًا”.
تستطرد المؤلفة: “الادعاء بأنَّ الإسلام يفتقر إلى التنوير ما هو إلا صيغة نمطية قديمة جدًا. إنَّ الفخر بالتنوير(في الغرب)، مع أنه اليوم قد خبا بعض الشيء، يدفع بشكل متكرر إلى نَسْب تقدم كبير للثقافة الغربية وأقل للإسلام”.
الإسلام دنيا ودين
تقول المؤلفه “على الرغم من عدم وجود حركة عَلمَنة شاملة في التاريخ الإسلامي، إلا أنَّ وجود الجانبين الروحي والدنيوي في الإسلام بعضهما إلى جانب بعض هو سبب ذلك. كما أنَّ اختلال موازين القوى السائد اليوم بين الشرق والغرب لم يكن دائمًا بهذه الجسامة على الإطلاق، إذ كانت حضارة العلوم الإسلامية لفترة طويلة جدًا متفوِّقة على نظيرتها الغربية أو عمومًا على نظيراتها غير الإسلامية، ولم يكن هذا بسبب تقدمها عن غيرها على صعيد الوسائط فقط”.
التفوق الإسلامي
صُنِع الورق في العالم الإسلامي منذ القرن الثامن على سبيل المثال. وهذا بدوره وفَّر إمكانيَّة نشر كمٍّ هائلٍ من النصوص، الأمر الذي لم يكُن في ذلك الوقت قائمًا في الغرب قَطّ. وبالتأكيد كان عدد النصوص العربية يفوق عدد المخطوطات التي كانت متداولة في الغرب بأكثر من مئة مرّة، حيث كان الغرب حتى القرن الخامس عشر يعتمد في الكتابة على الرِق الذي كان باهظ الثمن ويصعب الحصول عليه.
المرأة والإنسان في القرآن
وحول صورة المرأة والإنسان في القرآن الكريم تقول المؤلفة “القرآن بطبيعة الحال ليس مرجعًا للسلوك الاجتماعي. تنطلق اليوم أوساط واسعة من إمكانية العثور على كل معايير الإسلام في القرآن. بيد أنَّ هذا لم يكُن هدف القرآن. لقد توجّه القرآن باعتباره إبلاغ إلى الذين كانوا يعتمدون معايير أخرى، وكانوا على استعداد لوضع هذه المعايير موضع الشك والتساؤل. يُقدم القرآن أطروحات حول معايير مختلفة. أما حيثية جمع الأحكام القانونية القليلة نسبيًا وتنظيمها وجعلها جزءًا من المعايير الإسلامية الأساسية، أي الشريعة، فتلك مسألة أخرى”.
المساواة بين المرأة والرجل
تؤكد المؤلفة أن الكتابات التشريعية الكتابات التشريعية في الفترات اللاحقة لا تعكس ما هو موجود في القرآن. يتضح هذا على وجه الخصوص في صورة المرأة، التي تختلف تمامًا في الكتابات التشريعية الإسلامية عما هي في القرآن. إذ شكَّل القرآن هنا بالذات تقدمًا ثوريًا، حيث ساوى المرأة أمام الله بالرجل، الأمر الذي لم يكُن له نظير في ذلك الوقت. فمحاسبة كلا الجنسين يوم القيامة مثلاً ستكون بالطريقة نفسها. ربما يبدو هذا الأمر من منظور يومنا الراهن عاديًا، ولكن الأمر لم يكُن كذلك آنذاك. كانت المساواة بين المرأة و الرجل في ذلك الوقت غير واردة بتاتاً بعد – وكانت لا تزال هناك نقاشات حتى عما إذا كانت المرأة تملك روحًا أصلاً. جرى الحكم على المرأة بشكل متضارب جدًا وكانت منزلتها الحقوقية في الكثير من المجتمعات سيئة للغاية قبل الإسلام. كما وضع القرآن المرأة في أمور دنيوية هامة على نفس المستوى مع الرجل، حيث تملك حقوقًا وتستطيع حتى أن تَرِث، أي أنها ليست بأية حال من الأحوال فاقدة الاستقلالية ولا الوصاية على نفسها”.
البعد الجمالي للقرآن الكريم
وحول البعد الجمالي للقرآن الكريم تقول المؤلف: “قراءة القرآن وفهمه حصرًا باعتباره نوعًا من وسيلة للتوصل لمعلومات كما يفعل اليوم الكثير من الباحثين في القرآن لا يعطي مجمل الموضوع حقه. يتّسم القرآن بالشِعرية إلى حدٍّ بعيد ويحتوي على الكثير من الرسائل، التي لا يتم أبدًا إخبارها بوضوح وبشكل جليّ على المستوى الدلالي، بل من خلال بنى شِعرية. ولولا هذا لما كان للقرآن هذا التأثير المستدام. إنَّ الفريد في القرآن هو بالذات تعدد جوانبه، بحيث يتحدث على مستويات مختلفة – وهذا له من المنظور الجمالي جاذبية كبيرة بالطبع، ولكن أيضًا إنْ صحَّ التعبير له جاذبية كبيرة من الناحية البلاغية وقوة الإقناع”.
اللغة وسيط المعرفة
تضيف المؤلفة “ربما يمكن إيجاز مقولات القرآن في ملخص قصير جدًا في إحدى الصحف، لكن لو حصل ذلك لما كان له أي تأثير. يتعلق الأمر بالفعل بالافتتان باللغة. وهناك إشادة في القرآن باللغة بحد ذاتها أيضًا باعتبارها من أعظم الهِبات التي حصل عليها الإنسان من الله. هذا له بالطبع علاقة بالمعرفة. فاللغة وسيط المعرفة. لذلك لا ينبغي بحال من الأحوال التجني على الحضارة الإسلامية واتهامها بالعداء للمعرفة والعلوم. بالتالي كل القرآن يشكل في صميمه دعوة للمعرفة والعلم. المعرفة التي تعبّر عن ذاتها من خلال اللغة”.
أوجه المقارنة بين القرآن ونصوص اليهود والمسيحيين
وحول أوجه الشبه الموجودة في القرآن الكريم مقارنة بنصوص اليهود والمسيحيين. والخصوصية التي تميّز القرآن والجديد الذي أتى به القرآن. تقول المؤلفة: “لا بد من أنْ يكون القرآن قد أتى بجديد عندما يظهر في العالم بعد مئات السنين من ظهور النصوص المقدسة التي نشأت من قبله (مثلاً بعد حوالي خمسة قرون على ظهور العهد الجديد ‘الإنجيل’). من جهة يسعني القول إن الجديد كان في إصراره على أنَّ المعرفة جزءٌ عظيمُ الأهمية في الحياة الإنسانية وأيضًا في الحياة الإنسانية الدينية. هذه الفكرة ليست مثيرة للاهتمام في العهد الجديد على سبيل المثال. يُبْرِز العهد الجديد أشياء أخرى، وكذلك التوراة – العهد القديم أي الإنجيل العبري”.
تستطرد “يتبيّن بوضوح أنَّ التركيز على المعرفة أمرٌ جديدٌ لم يكُن موجودًا قبل ذلك. يتعلق هذا بالنشوء في الحقبة المتأخرة من العصور القديمة، حيث كان هناك استعداد إلى وضع المعرفة في الصدارة في تلك الحقبة، ومن الممكن القول بالإضافة إلى ذلك إنَّ تعميم الرسالة في القرآن بصفتها كونية، وتوجيهها إلى كل الناس، كان يلعب دورًا مميّزًا”.
“لا يوجد في القرآن فهمٌ خاص لمفهوم الشعب المختار كما لدى اليهود. الصوت القرآني يرفض اختياراً كهذا، فبدلا من بعضٍ مختار يأتي جميع البشر. كما يتم رفض مفهوم اختيار الله للمسيحيين، الذي حلَّ عند هؤلاء محل مفهوم اختيار الله لليهود. لا أحد مُختار بل هناك فقط أناسٌ يحتذون بالمُثُل العليا، لا يمكنهم الاستناد إلى أي من امتيازات الاختيار (هذا يعني، لا يتم الاستناد كما لدى اليهود إلى إبراهيم أو كما لدى المسيحيين إلى المسيح). هذه الاستنادات لا تنفع أمام الله أبدًا، بل كل إنسان مسؤول وحده عن أعماله وسوف يحاسبه الله عليها”.
وحول قدرة كل إنسان على إقامة علاقة فردية بالله دون أنْ يكون هناك جهة وسيطة تقول المؤلفة “يمكن قول هذا، مع أنَّ القرآن بحدِّ ذاته ومن وجهة نظر معينة هو جهة وسيطة أيضًا – أي باعتباره وسيطًا يستطيع المرء من خلاله بلوغ هذه الحالة بسهولة، فمن خلال أداء المؤمن لطقوس الفروض، وخصوصًا من خلال الصلاة، ومن خلال تلاوة القرآن، يملك المرء مدخلًا غير متاحٍ للآخرين. بيد أنَّ هذا المدخل شعائري-لفظي، ولا يقوم على امتياز يرجع إلى شخص أو إلى سلف أو إلى شخصية مُخَلِّص”.
حول المؤلفة:
درست الأستاذة الجامعية الدكتورة أنغليكا نويفرت اللغة العربية والدراسات السامية والفيلولوجيا الكلاسيكية في جامعة برلين الحرة وفي طهران وغوتنغن والقدس وميونخ. عملت بعد نيلها شهادة التأهيل لدرجة الأستاذية بين عامي 1977 و 1983 أستاذة زائرة في الجامعة الأردنية في عمان. وتسلمت من عام 1994 إلى عام 1999 إدارة المعهد الألماني للبحوث الشرقية ببيروت واسطنبول. وهي تعمل حاليًا أستاذة جامعية في جامعة برلين الحرة، وتتركز أبحاثها في مجال القرآن وتفسيره، والأدب العربي الحديث في الجزء الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، والشعر والأدب الفلسطيني المتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وقد حازت في حزيران/ يوليو 2013 على جائزة سيغموند فرويد للكتابات العلمية تكريمًا لها عن أبحاثها في القرآن.
This post is also available in: English (الإنجليزية)