الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
الروح والنفس متباينتان في ثقافة المسلمين، فيما الروح الألمانية مرتبطة إلى حد بعيد برؤية الألمان لخصوصيتهم وعلاقتها بمحيطهم. ملهم الملائكة يتأمل لموقع قنطرة تداخلات هذه المفاهيم وتبايناتها وما حولها في الثقافتين.
كما تباين مفهوماً الروح والنفس في ثقافة المسلمين، يبدو أن الألمانية تحمل في جوهرها مفهومين متقاربين عن الروح والروحانية، فالروح الألمانية ترتبط إلى حد بعيد برؤية الألمان لخصوصيتهم وهو ما يكشف عن كيفية تعاطيهم مع محيطهم. المفهوم الثاني الذي يلتبس ويتداخل إلى حد كبير مع هذا المفهوم هو الروحانية الألمانية، ويعرّفها البعض بالذات الألمانية. مثل هذا التداخل موجود في الإسلام بين الرُوح والرَوح وبين النفس.
لنبدأ بالذات أو “النفس الألمانية”، وهي كلمة “غايْسْتْ” Geist الألمانية التي تعني فيما تعني أيضاً “الشَّبَح”، وهي تُلحق بالكلمات غالباً لتُعطي معانيَ تشير إلى رَوح الأشياء (رَوح بفتح الراء مفهوم متداخل مع رُوح بضم الراء في العربية، وسأعرض تفاصيله خلال هذه التأملات).
نجد كلمة “غَايْسْتْ” Geist ملحقة في “تْسَايْتْ غَايْسْتْ” Zeitgeist لتعني شيئاً من قبيل “العقلية” [أو “رُوح العصر”] ولكنه يتمدد في لغات أخرى إلى مساحات يرتادها الفلاسفة والمتصوفة في سياحات عبر مفهوم الزمن. وحين يستخدم الألمان وصف “كُرْپَرْ أُنْدْ غَايْسْتْ”ْ Körper und Geist فإنهم يتحدثون عن “الجسد والعقل”.
كما تلحق الكلمة بوصف “بُلْتَرْ غَايْسْتْ” Poltergeist ويعني “الشبح الشَّقِيّ” بمعنى الشبح المثير للضوضاء بتحريك الأشياء أو تدميرها [بُلْتَرْ: صدور ضوضاء بتحريك الأشياء]، كما تنسب إليه قدرات خارقة على تحريك الأشياء بالإيماء دون لمسها. ومن هذا المفهوم أنتج فيلم رعب أمريكي عام 1982 كتب قصته ستيفن سبيلبِرْغ.
وقد تتقدم كلمة “غَايْسْتْ” Geist لتصبح بادئة تُركَّب منها معانٍ أكثر تنوعاً، كما يُقال “غَايْسْتْلِيشَرْ” Geistlicher بمعنى “روحاني” أي رجل دين، وهنا يتمدد المعنى بحسب الاستخدام اللاهوتي.
ويتخذ تعبير”دِرْ غَايْسْتْ دِسْ ڤَايْنْسْ ” der Geist des Weines بُعداً آخر، حيث يُستخدم لوصف “روح النبيذ” بمعنى الكحول الذي يتكون في النبيذ ويحوّله من شراب عِنَبٍ بريء إلى مشروب كحولي مُسكِر.
كتاب “الرُّوح الألمانية”
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 أصدر كل من تيا دورن وريتشارد فاغنر كتاب الروح الألمانية “دِي دُوِيتشِهْ زِيلِهْ” [لفظ الياء في كلمة “زِيلِهْ” أقرب إلى لفظ الأَلِف المائلة] Die deutsche Seele، وقد أثار اهتماماً واسعاً بموضوعه المتميز، إذ يقترن تعبير “الروح الألمانية” في أذهان الناس بالشعور القومي بالتفوق الألماني كما تبناه النازيون من أفكار الفيلسوف فريدريش نيتشه لاسيما في كتابه الموسوم بـ “إنسانيٌّ مفرط في إنسانيته، كتاب للمفكرين الأحرار” Menschliches, Allzumenschliches, Ein Buch für freie Geister الذي ألفه نيتشه في سلسلة من مئات المقاطع القصيرة والشذرات التي تبدأ أطوالها من سطر وصولاً إلى صفحتين. حيث يتأمل الظواهر الثقافية والسيكولوجية من خلال ربطها بتركيبة الفرد العضوية والفسيولوجية. كما تظهر بشكل متفرق فكرة القوة كمبدأ.
وبررت تيا دورن أسباب تأليفها كتاب “الروح الألمانية” بأنها قد كبرت في كنف أسرة ترى أنّه ليس المهم أن تكون ألمانياً. فأمها وأبوها المولودان في فترة ما بين 1932 و1933 قد سئما سماع أي موضوع حول ألمانيا على حد تعبيرها، وهي بدورها قد جالت في أماكن مختلفة من العالم وكانت تفرح حينما كان الناس في إيطاليا يظنونها فرنسية. لكن حين درست في أمريكا؛ كان الحنين إلى ألمانيا ينتابها بقوة فتشتاق إلى اللغة الألمانية؛ وإلى النزعة الألمانية في معالجة الأمور.
ويتسم فهم دورن للروح الألمانية بالغموض إلى حد كبير، كشف عن ذلك قولها في لقاء مع دويتشه فيله: “أرى أن الخصوصية الألمانية أسيرة تناقضات عدة. مثال بسيط وجميل على ذلك، الألمان كانوا يتصدرون العالم في الحكايات التي تدور أحداثها في الغابة. وفي نفس الوقت كانوا هم أول من اخترع علم الغابات في القرن الثامن عشر. مثال آخر على التباين هو أنّه لدى الألمان حرص على النظام ولديهم في نفس الوقت ميل كلي لكل ما هو غير منظم ومستقر، وهذا شرخ صارخ في الروح الألمانية”.
وأثيرت قضية الروح الألمانية في مرحلة إعادة توحيد شطري ألمانيا الذي انطلق من قانون خصخصة مؤسسات جمهورية ألمانيا الديمقراطية المعروف بـ “تْرُوي هَنْدْ” Treuhand [حرفياً: “يَدُ الائتمان”] ما تلا سنوات الوحدة، اعتبره كثير من الألمان شاهداً على بحث الروح الألمانية عن أجزائها وتوقها للوحدة، فيما عدّ ألمان آخرون جدار برلين العمود الفقري لمسألة الروح الألمانية.
الرُوح والرَوح والنَفْس عند المسلمين
هذا التشابه المفترق في المعنيين موجود لدى المسلمين أيضاً، وفيه فروق بين كلمتي الرُوح بضم الراء، والرَوح بفتح الراء، والحقيقة أن لفظ الرَوح بفتح الراء ورد مرتين في الذكر الحكيم فقط: المرة الأولى في سورة يوسف: “يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ”، والثانية في سورة الواقعة الآية 89: “فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ”. وأصل معنى الرَوح في العربية التنفس، وأراح الإنسان إذ تنفس، وتقاربَ من هذا المعنى المفسر ابن جرير الطبري حيث قال: ولا تقنطوا من أن يروِّح الله عنا ما نحن فيه من الحزن على يوسف وأخيه بفرَجٍ من عنده، فيرينيهما، “إنه لا ييأس من روح الله…” أي لا يقنط من فرجه ورحمته ويقطع رجاءه منه “إلا القوم الكافرون” بمعنى القوم الذين يجحدون قُدرته على ما شاءَ تكوينه. وهكذا نصل مع المفسرين إلى أن الرَوح [بالفَتْح] والنَفْس بمعنى واحد.
وكثرت التعاريف والتفاسير لكلمة الروح وتعددت لدرجة أن الباحث عن الحقيقة يتوه في دوامتها، لكنّ المرجع الشيعي السيّد محمد حسين فضل الله يذهب في معرض تعريفه للنَفْس والرُوح والفرق بينهما إلى القول:
النَفْس إشارة إلى ذات الإنسان؛ من عقل وإحساس ومشاعر، والرُوح إشارة إلى ما يعطي الحياة للإنسان، وبدونها يكون ميتاً، وهي من أمر الله تعالى لا ندرك حقيقتها. النفس هي الذات الإنسانيّة التي تحيا وتموت، والرّوح هي الطاقة الخفية التي تبعث الحياة في الإنسان، والموت يعرض على النفس “كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموْتِ” ولا يعرض على الروح.
فيما يفرق الدكتور مصطفى محمود بين الرُوح والنَفْس بقوله: “الرُوح جوهر شريف من أمر الله، وتنسب إلى الله عزّ وجلّ، والرُوح في القرآن جاءت بمعانٍ كثيرة، مثل الرُوح القدس وهو جبريل. وبمعنى آخر، تعني كلمة الله، في قوله تعالى: “وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ”.
أما النَفْس، فهي ذات الإنسان، وهي التي تُكلَّف وتُعذَّب وتنعم “مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِك”. فالنَفس تُنسب إلى صاحبها، وهو الإنسان، أما الروح، فتنسب إلى الله عزّ وجلّ. والنَفس هي التي تحاسَب وتعاقَب وليس الروح”.
ويبدو أنّ الجدل بقي غير محسوم، فالقرآن نفسه ترك باب الجدل مفتوحاً، حيث لم يرد فيه تعريف نهائي لماهية الروح، بل جاءت الآية “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا”، وبحسب كثير من المفسرين فإنها نزلت منفردة ثم ضمت إلى سورة الإسراء وهي مكية، ومن المفارقات أن الروح الغامضة ظهرت جواباً في سورة مختلَف حول تسميتها فقد سميت سورة الإسراء، لأنها تحدثت عن قصة إسراء الرسول من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وسميت بسورة بني إسرائيل لورود أحوال بني إسرائيل فيها، وسميت أيضا: سورة سبحان، لأنها افتتحت بهذه الكلمة. بل الأكثر غموضاً أن هذه الآية “ويسألونك عن الروح..” مدنية، وأنها نزلت حين سأل اليهود الرسول عن ذلك بالمدينة وهذا ثابت من السياق، مع أن السورة “الإسراء” كلها مكية.
ويجيب ابن كثير عن هذا بأنه قد تكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية، كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك. أو أنه نزل عليه الوحي بأنه يجيبهم عما سألوه بالآية المتقدم إنزالها عليه.
وإمعاناً في الغموض، فإنّ الروح بالعربية الفصحى مذكّر [أهل اللغة يذكرون الوجهين والأصل التذكير لكثرة الشواهد عليه]، أما في العربية العامية بكل اللهجات فهي مؤنثة، إذ يقول العرب “طلعت روحي”، و”فارقت روحه جسده” وهكذا.
وقد ورد وصف “الرُوح” في القرآن الكريم في عشرة أحوال ومعانٍ:
*الوحي كما في قوله تعالى: “يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ”
*القوة والثبات كما في الذكر الحكيم: ” أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ”
*جبريل كما في الآية: “نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المنذرين”
*القرآن كما في الآية: “وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا…”
*عيسى ابن مريم كما جاء في الذكر الحكيم: “إِنَّمَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ”
*ما يحيا به الإنسان كما يذهب أغلب المفسرين مستندين إلى الآية التي ورت في سورة بني إسرائيل المار ذكرها “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح …” ويخلص المفسرون إلى أن بالروح تكون الحياة، وبمفارقته للجسد يموت الإِنسان.
*وقيل إنّ الروح في هذا المورد تشير إلى القرآن الكريم.
*وقيل إنّ السؤال كان عن حقيقة الروح الذي هو مدار البدن الإنساني، ومبدأ حياته.
وقيل إنّ آية الروح نزلت إرشاداً للرسول نفسه، بمعنى: ويسألك بعض الناس – أيها الرسول – عن حقيقة الروح، قل لهم على سبيل الإِرشاد والزجر: الروح شيء من جنس الأشياء التي استأثر الله وحده بعلم حقيقتها.
*ويرى بعض المفسرين في هذه الآية ما يزجر الخائضين بشأن الروح، السائلين عن ماهيته ويردعهم أعظم ردع، ويبدو الرد حاسماً للجدل.
أما النَفْس، فهي ذات الإنسان، وهي التي تُكلَّف وتُعذَّب وتنعم “مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِك”. فالنَفس تُنسب إلى صاحبها، وهو الإنسان، أما الروح، فتنسب إلى الله عزّ وجلّ. والنَفس هي التي تحاسَب وتعاقَب وليس الروح”.
ويبدو أنّ الجدل بقي غير محسوم، فالقرآن نفسه ترك باب الجدل مفتوحاً، حيث لم يرد فيه تعريف نهائي لماهية الروح، بل جاءت الآية “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا”، وبحسب كثير من المفسرين فإنها نزلت منفردة ثم ضمت إلى سورة الإسراء وهي مكية، ومن المفارقات أن الروح الغامضة ظهرت جواباً في سورة مختلَف حول تسميتها فقد سميت سورة الإسراء، لأنها تحدثت عن قصة إسراء الرسول من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وسميت بسورة بني إسرائيل لورود أحوال بني إسرائيل فيها، وسميت أيضا: سورة سبحان، لأنها افتتحت بهذه الكلمة. بل الأكثر غموضاً أن هذه الآية “ويسألونك عن الروح..” مدنية، وأنها نزلت حين سأل اليهود الرسول عن ذلك بالمدينة وهذا ثابت من السياق، مع أن السورة “الإسراء” كلها مكية.
ويجيب ابن كثير عن هذا بأنه قد تكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية، كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك. أو أنه نزل عليه الوحي بأنه يجيبهم عما سألوه بالآية المتقدم إنزالها عليه.
وإمعاناً في الغموض، فإنّ الروح بالعربية الفصحى مذكّر [أهل اللغة يذكرون الوجهين والأصل التذكير لكثرة الشواهد عليه]، أما في العربية العامية بكل اللهجات فهي مؤنثة، إذ يقول العرب “طلعت روحي”، و”فارقت روحه جسده” وهكذا.
وقد ورد وصف “الرُوح” في القرآن الكريم في عشرة أحوال ومعانٍ:
*الوحي كما في قوله تعالى: “يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ”
*القوة والثبات كما في الذكر الحكيم: ” أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ”
*جبريل كما في الآية: “نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المنذرين”
*القرآن كما في الآية: “وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا…”
*عيسى ابن مريم كما جاء في الذكر الحكيم: “إِنَّمَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ”
*ما يحيا به الإنسان كما يذهب أغلب المفسرين مستندين إلى الآية التي ورت في سورة بني إسرائيل المار ذكرها “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح …” ويخلص المفسرون إلى أن بالروح تكون الحياة، وبمفارقته للجسد يموت الإِنسان.
*وقيل إنّ الروح في هذا المورد تشير إلى القرآن الكريم.
*وقيل إنّ السؤال كان عن حقيقة الروح الذي هو مدار البدن الإنساني، ومبدأ حياته.
وقيل إنّ آية الروح نزلت إرشاداً للرسول نفسه، بمعنى: ويسألك بعض الناس – أيها الرسول – عن حقيقة الروح، قل لهم على سبيل الإِرشاد والزجر: الروح شيء من جنس الأشياء التي استأثر الله وحده بعلم حقيقتها.
*ويرى بعض المفسرين في هذه الآية ما يزجر الخائضين بشأن الروح، السائلين عن ماهيته ويردعهم أعظم ردع، ويبدو الرد حاسماً للجدل.
This post is also available in: English (الإنجليزية)