الوصف
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في سلسلة “دراسات التحول الديمقراطي”، كتاب لمجموعة مؤلفين بعنوان العامل الخارجي والانتقال الديمقراطي في الدول العربية، تحرير عبد الفتاح ماضي. يقع الكتاب في 608 صفحات، ويضم مقدمةً وخمسة عشر فصلًا. وهذه الفصول هي مجموعة منتقاة من البحوث التي قُدّمت في المؤتمر السنوي السابع لقضايا الديمقراطية والتحول الديمقراطي الذي عقد في مدينة الحمامات التونسية، في 21 و22 أيلول/ سبتمبر 2018، وبحث في طبيعة الأدوار الإقليمية والدولية، وتأثيراتها في التحولات الاجتماعية والسياسية وفي مسارات الانتقال إلى الديمقراطية في البلدان العربية، بعد ثورات عام 2011 .
ملاحظات عن العامل الخارجي في الانتقال الديمقراطي
استهل عزمي بشارة بهذا العنوان أول فصلٍ في الكتاب، قائلًا إنه على الرغم من أن هذه الدراسة تُقرّ بأولوية العوامل الداخلية بصورة عامة، فإنها تناقش تأثير البيئة الإقليمية والدولية في صمود نظام استبدادي، وظروف استحضار العامل الخارجي في بعض الحالات بعد انهياره. ويناقش الباحث خصوصًا السياسة الخارجية الأميركية، ويدحض الأطروحة التي تفيد بأنه بعد أن وضعت الحرب الباردة أوزارها، باتت الولايات المتحدة الأميركية تؤيّد التحوّل الديمقراطي؛ فيرى أن “الواقعية الديمقراطية” التي وجّهت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط هي استئناف لسياسات الحرب الباردة بأعداء جدد.
ويستخلص الباحث نتائج بحثية عدة، من بينها أن العوامل الخارجية الدولية والإقليمية التي تعرقل عملية التحوّل الديمقراطي تتناسب مع أهمية الدولة الجيوستراتيجية، فتكون أقل تأثيرًا إذا ما كانت البلاد التي تشهد عملية تحوّل ديمقراطي ذات أهمية أقل من الناحية الجيوستراتيجية، ولا سيما في ما يتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي وإنتاج النفط. وهذا أحد أهم الفروق بين التجربتين المصرية والتونسية؛ إذ كان العامل الخارجي المعوّق للانتقال الديمقراطي أقوى فاعلية في مصر.
العوامل الخارجية والثورات العربية: أربع إشكاليات للبحث
تناول عبد الفتاح ماضي، في الفصل الثاني، موقع العوامل الخارجية في أدبيات التحول الديمقراطي وتطور الاهتمام بها، فضلًا عن أبرز العوامل الخارجية المؤثرة في مسارات الانتقال إلى الديمقراطية في الوطن العربي بعد عام 2011. ويرى الباحث أن عامل اللايقين المصاحب لأي انتخابات ديمقراطية حقيقية ليس عاملًا محليًا في الحالات العربية؛ لأن ثمة قوى إقليمية ودولية ترى مصالحها في منع الديمقراطية التي تهدد بتغيير الوضع الراهن. لكنه يرى أيضًا أن العوامل الخارجية المعرقلة للديمقراطية في حالات عدة غير عربية لم تكن حتمية؛ إذ تبدلت بفعل التغييرات التي طرأت على النسق الدولي، وبفعل ظهور قوى ديمقراطية محلية. ولهذا فإن تحييد هذه العوامل في الحالات العربية ممكن، وهو يعتمد على ظهور قوى ديمقراطية في الداخل، وقدرتها على التأثير في طبيعة التفاعلات الدائرة في النسقين الإقليمي والدولي وتغييرها.
وتطرق الباحث إلى أربع إشكاليات متداخلة ذات علاقة بالعامل الخارجي. الأولى هي إشكالية الإرث التاريخي لنشأة الدول القُطرية العربية والدور الخارجي في نشأتها، وأثر ذلك في طبيعة أنظمة الحكم وقابليتها للتغيير نحو الديمقراطية. والثانية هي إشكالية العلاقة الراهنة بين الغرب والعرب التي تقوم على معادلةٍ قوامها حماية النظم المستبدة في مقابل ضمان المصالح الغربية في النفط والتجارة وأمن الكيان الصهيوني. أما الثالثة فإشكالية الإقليم المعادي للديمقراطية، حيث تتشكل مصالح الأطراف الرئيسة بناءً على مخاوفها من الديمقراطية وليس على فوائدها. وأخيرًا إشكالية جيوستراتيجية تتصل باستخدام الحكومات العربية والغربية خطاب “الحرب على الإرهاب” واستراتيجياتها لأجل ترسيخ القمع والاستبداد وعرقلة الديمقراطية.
الاتحاد الأوروبي والمشروطية الديمقراطية: اختبار ما بعد الربيع العربي
عرض محمد سعدي، في الفصل الثالث، أطروحة مفادها أن المشروطية الديمقراطية للاتحاد الأوروبي أصبحت تحتاج إلى إعادة نظر معمقة، وإلى تفكير جديد في آليات دعم الإصلاحات السياسية في دول الوطن العربي، بعد الحراك العربي عام 2011. فلم يعد من المجدي، بحسب الباحث، استمرار التركيز على الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية على حساب الإصلاحات الديمقراطية. يستهدف سعدي البحث عن معالم المشروطية الديمقراطية وموقعها في السياسات الأوروبية للجوار والشراكة، ويتساءل: كيف ينظر الاتحاد الأوروبي إلى قضية التحول الديمقراطي في الوطن العربي قبل الحراك العربي وبعده؟ وإلى أي حدّ نجحت السياسات الأوروبية المرتبطة بالمشروطية الديمقراطية في دعم ديناميات الحراك العربي وتفاعلاته؟ ألا يمكن لغلبة منطق الحفاظ على الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب أن تفرغ المشروطية من نواتها الصلبة؟ وما الآفاق المتاحة لمنح دعم حقيقي للإصلاحات السياسية الديمقراطية داخلها؟
ويخلص الباحث إلى أن المشروطية الديمقراطية مبدأ أساسي في سياسات الاتحاد الأوروبي الذي يقدم نفسه على أنه مروّج للديمقراطية ومحفّز لها، وبصفته “قوة معيارية”. لكنّ الواقع غير ذلك؛ لأن الاتحاد فضّل في كثير من الأحيان الاعتبارات الاستراتيجية على حساب المقاييس المعيارية والأخلاقية. وما زال الصراع والارتباك الحاد داخل سياسات الاتحاد الأوروبي قائمين بين خيارين: الرهان على الاستقرار مع التضحية بالمثل الديمقراطية لتحقيق الإصلاحات على المديين المتوسط والبعيد، أو الرهان على التحول الديمقراطي والضغط لإرساء قيم دولة القانون وحقوق الإنسان فعلًا، بوصفه شرطًا ضروريًا لتحقيق الاستقرار وعدم الرضوخ لفكرة استدامة الأنظمة التسلطية لضمان الاستقرار.
الاتحاد الأوروبي والتحول الديمقراطي في الوطن العربي: حدود القوة المعيارية
في الفصل الرابع، يبحث محمد حمشي في حدود الدور الذي يؤديه الاتحاد الأوروبي – أو لا يؤديه – في مسارات التحول الديمقراطي في الوطن العربي، وذلك استنادًا إلى مفهوم “الاتحاد الأوروبي بصفته قوة معيارية” في السياسة الدولية. وهو مفهوم يوحي بأن السياسة الخارجية للاتحاد تقوم على مبدأ نقل المعايير ونشرها خارج حدوده، بما في ذلك معيار الديمقراطية. يحاجّ الباحث بأن تعطل عمليات التحول الديمقراطي في دول الربيع العربي، والدور السلبي للاتحاد الأوروبي، من شأنهما أن يقدما أداة ملائمة لاختبار حدود قوته المعيارية، وأن يقدما حججًا قوية لإثبات أفضلية الانشغالات الأمنية على الانشغالات المعيارية في الجوار المتوسطي للاتحاد الأوروبي.
ويكشف الباحث عن حدود القوة المعيارية للاتحاد الأوروبي، والمحاجّة بأن سلوك السياسة الخارجية للاتحاد سلوك استراتيجي أكثر منه معياريًا. وعندما يتعارض المعياري مع الاستراتيجي، يتصرف الاتحاد الأوروبي على أساس المفاضلة بين تعزيز المصالح الأمنية والاستراتيجية داخل الحدود وخارجها من جهة، وتعزيز (نقل) المعايير السياسية والاجتماعية خارج الحدود من جهة أخرى، لينتهي به المطاف إلى تفضيل المصالح على المعايير.
وفي حالة التحول الديمقراطي في الوطن العربي، ينتهي الباحث إلى القول إنه ينبغي أن نتوقع سلوكًا شاذًا عن ذلك؛ فالأمن دائمًا يأتي قبل الديمقراطية.
القوى السلطوية الإقليمية واحتواء التحول الديمقراطي: حالتا السعودية وروسيا
بشأن دعم السلطوية في المنطقة العربية، تركز مروة فكري، في الفصل الخامس، على حالتي المملكة العربية السعودية وروسيا، باعتبارهما من الدول الإقليمية السلطوية المؤثرة إقليميًا؛ فقد برزت روسيا تحديدًا منذ منتصف التسعينيات، وتعززت حديثًا (السعودية وروسيا). وتتناول الباحثة النفوذ الذي مارسته كلتاهما في مسارات الانتقال في الدول القريبة منها جغرافيًا أو التي تمثّل أهمية جيوسياسية خاصة لكلتيهما؛ نظرًا إلى كونهما تقعان في إقليمين يمثلان مركزًا للسلطوية في العالم – هما الاتحاد السوفياتي السابق والشرق الأوسط -وذلك من خلال الإجابة عن التساؤلين: كيف أدركت الدول السلطوية الإقليمية التحولات الديمقراطية في دول الجوار القريب؟ وكيف أثر ذلك في مسار التحول في الدول المعنية؟ وتخلص الباحثة إلى استنتاجات عدة، أهمها: أن في حالتي روسيا والسعودية تكون الفواعل الخارجية منخرطة في مباراتين أساسيتين، المباراة الأولى مرتبطة ببقاء النظام، والمباراة الثانية هي تأمين مصالحها الإقليمية الجيوسياسية. يضاف إلى ذلك تصوّر كل من روسيا والسعودية للاحتجاجات وحركات التمرد على أنها “مصدر تهديد” ونمط يمكن إعادة إنتاجه على المستوى الداخلي. ولذلك أصبحت محاربة الثورات حجر زاوية في الاستراتيجيا الأمنية لكل من موسكو والرياض. وتزداد فاعلية الدعم السلطوي الخارجي، مع وجود معارضة ديمقراطية ضعيفة في الدولة المستهدفة، واحتفاظ النظام الحاكم القديم بتماسكه، وعدم توافر دعم ديمقراطي خارجي قوي. في حين أنه كلما كانت ثمة معارضة ديمقراطية قوية في الدولة المستهدفة وعدم تماسك النظام الحاكم ووجود دعم ديمقراطي خارجي قوي، تقل فاعلية الدعم السلطوي الخارجي، حتى إذا ما كان تصور التهديد لدى الدولة المتدخِلة قويًّا.
السياسة الأميركية في سورية من بداية الثورة حتى السيطرة الروسية (2011-2018)
يعالج رضوان زيادة، في الفصل السادس، الدور الذي يضطلع به العامل الخارجي وتأثيره في مسار الثورة السورية. ويرى أن مع تحول الثورة إلى ثورة مسلحة، ثم إلى حرب أهلية ونزاع دولي، أصبح للعامل الخارجي تدريجيًّا دور أكبر حتى صار حاسمًا في النهاية، ويكاد أن يكون العامل المؤثر الوحيد.
ويركز الباحث أساسًا على دور الولايات المتحدة في النزاع السوري، منذ فترة الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، وحتى فترة الرئيس السابق دونالد ترامب. ويتناول أيضًا الدور الروسي الحاسم في حماية النظام السوري، ومنع سقوطه مع تحول سورية إلى ساحة حرب إقليمية ودولية.
ويحلل الباحث الديناميات الداخلية للثورة السورية، وكيفية تفاعل العوامل الداخلية والخارجية لتحديد مسار الثورة ومصيرها حتى عام 2018، مع إعلان الرئيس ترامب انسحابه من سورية، لينحسر العامل الأميركي لمصلحة سيطرة كاملة لروسيا على المشهد السوري. وينتهي إلى أن روسيا والنظام السوري وحدهما يملكان خطة استراتيجية تقوم على تكرار ما قام به الرئيس الروسي الحالي، فلاديمير بوتين، في الشيشان في التسعينيات، قبل أن يصبح رئيسًا. أما الولايات المتحدة والغرب عمومًا، فليس لديهما استراتيجيا في سورية، كما أنهما لا يريدان تطوير استراتيجيا تلزمهما القيام بأي شيء.
إيران وتركيا والثورة السورية: الدور الإقليمي والتحالفات الدولية
وفي الفصل السابع، يرى سامي كرم أن ما جرى في سورية منذ اندلاع الثورة في 2011، وحتى الآن، يبرهن على عدم إمكانية دراسة الأدوار الإقليمية في الشرق الأوسط، بمعزل عن الأدوار الدولية للقوى العظمى. فإيران ما كانت لتنتصر في سحق الثورة السورية من دون مساعدة من روسيا، وتركيا ما كانت لتخسر رهانها على الثورة السورية لولا خذلان – إن لم يكن عداء – حلفائها. لذلك يطرح الباحث السؤال التالي: لماذا اتخذت الولايات المتحدة من إيران – وهي من ألد أعدائها – حليفًا في العراق، بينما تحالفت في سورية مع القوات الكردية المعادية لحليفتها وعضو منظمة حلف شمال الأطلسي، تركيا؟ ويرى أن هذه التحالفات تمثل تناقضًا في العلاقات الدولية التي سادت الشرق الأوسط منذ قيام الثورة الإيرانية في عام 1979؛ إذ أدّت إيران دور العدو الأكبر للولايات المتحدة في المنطقة، بينما كانت تركيا حليف الولايات المتحدة الوثيق. وبهذا يعتقد الباحث أن هذه التناقضات تتطلب إعادة قراءة للسياسة الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط لفهم التغيرات. ويخلص إلى أن في الفهم التقليدي لسياسة توازن القوى، كان من المفروض أن تجعل الولاياتُ المتحدة تركيا تؤدّي دور الموازن لإيران في سورية. ويرى أن عدم حدوث ذلك يعني أن واشنطن تتخوف من شيئين أكثر من تخوفها من توسع النفوذ الإيراني، هما انتصار الثورة السورية، وتعاظم نفوذ تركيا. وينتهي إلى القول إن كل هذه المجريات تدفع محلل السياسات الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط إلى إعادة قراءة هذه السياسات والتحالفات، في ظل التطورات التي حدثت منذ اندلاع الثورة السورية.
التدخل الإسرائيلي في الثورات العربية: دراسة الحالتين المصرية والسورية
في الفصل الثامن، يحلل مهند مصطفى السلوك والمواقف الإسرائيلية تجاه الثورات العربية، وتداخلها مع التطورات التي حدثت منذ اندلاعها في كانون الأول/ ديسمبر 2010، وذلك من خلال دراسة السياسات الإسرائيلية تجاه الحالتين المصرية والسورية تحديدًا. ويعتمد في معالجته هذه المسألة على تحليل الخطاب الإسرائيلي، بما يشمل تصريحات لمسؤولين إسرائيليين، وأوراقًا سياساتيّة إسرائيلية بشأن الثورات العربية وتحولاتها من جهة، والسلوك السياسي تجاه بعض دول الثورات، ولا سيما مصر وسورية، من جهة أخرى.
وينتهي الباحث إلى مجموعة من الخلاصات. أولاها أن الفكر الصهيوني والتوجهات الإسرائيلية معادية للتحولات الديمقراطية في المنطقة العربية. وثانيتها أن الثورات العربية الرامية إلى إنجاز عمليات انتقال نحو الديمقراطية أصابت إسرائيل بقلق وخوف كبيرين في المرحلة الأولى من موجات التحول الديمقراطي، والتي يُمكن تحديدها من الثورة المصرية في كانون الثاني/ يناير 2011، إلى الانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2013. ففي هذه المرحلة، رأت إسرائيل في تقييمها أن الثورات العربية ستشكل مرحلة استراتيجية جديدة في المنطقة لا تصب في مصالحها. أما ثالثة هذه الخلاصات، فتتصل بالمرحلة الثانية من الثورات العربية (مرحلة الثورات المضادة للثورات الديمقراطية)، حيث انتقلت إسرائيل من موقع القلق الاستراتيجي على مكانتها ومصالحها إلى مرحلة التأثير والاستفادة من مآلات المرحلة الثانية نحو تعزيز نفوذها، والتحالف مع الثورات المضادة، على نحو مباشر وغير مباشر.
المساعدات الأميركية والتحول الديمقراطي في مصر بعد عام 2011: قراءة نقدية
انتهى علاء بيومي، في الفصل التاسع، إلى جملة من الاستنتاجات، أبرزها أن دور الخارج في الانتقال الديمقراطي هو دور أصيل لا يمكن تلافيه؛ فالخارج يؤثر في بيئة الانتقال الديمقراطي وفي الفاعلين السياسيين، وذاك من خلال أدوات عديدة، أهمها الضغط السياسي المباشر. أما التمويل الدولي للانتقال الديمقراطي، فيحتل مكانة متأخرة ضمن المساعدات الأجنبية مقارنةً بالمساعدات الأمنية والاقتصادية. ويرى الباحث أيضًا أن نظرة الخارج إلى مصر والوطن العربي تسيطر عليها اعتبارات أمنية ومصلحية أساسًا. وتُعدّ قضية الديمقراطية ثانوية، ولم تطرح بجدية إلا على نحو محدود خلال بعض سنوات حكم جورج بوش الابن، وبعد انتفاضات الربيع العربي. وفي الحالتين، لم تصبر الولايات المتحدة كثيرًا على دعم التغيير الديمقراطي في الوطن العربي ومصر لاعتبارات داخلية ومصلحية أساسية، على رأسها إسرائيل والنفط. وفي الحالتين، لم تجر واشنطن حوارًا يذكر مع دول المنطقة والقوى المعنية بالديمقراطية فيها. إن الوطن العربي لا يمثل للولايات المتحدة أو الغرب ما تمثله دول قريبة منها كدول أوروبا الشرقية بالنسبة إلى غربها.
يرى الباحث أيضًا أن اهتمام الولايات المتحدة بمصر في تراجع مستمر منذ التسعينيات؛ ما يمثل تهديدًا جادًا لأي محاولة لتفعيل جهود واشنطن لدعم الانتقال الديمقراطي في مصر. فالأمر هنا لا يعدّ مطالبة بزيادة بعض المساعدات المقدمة لدعم الانتقال الديمقراطي أو حتى المساعدات الاقتصادية والتنموية، بل بات يرتبط بتراجع أهمية مصر الاستراتيجية لدى صانع القرار الأميركي على نحو عام ومستمر؛ ما يجعله أقل رغبة في استثمار أي رأس مال سياسي أو اقتصادي فيها، مؤكدًا أن العلاقات المصرية – الأميركية تدار منذ عقود وفقًا لمنظور أمني سياسي بامتياز.
العلاقات العسكرية المصرية – الأميركية ومسألة الانتقال الديمقراطي في مصر
في الشأن المصري أيضًا، يعالج محمد المنشاوي، في الفصل العاشر، تصور واشنطن لما يجب أن تكون عليه “عقيدة الجيش المصري القتالية” وكيف أفرزت تطورات الأوضاع السياسية في مصر – والمتمثلة في تدخل الجيش في العملية السياسية – فرصة نادرة لواشنطن لفرض تصوراتها والبدء في عملية تغيير فعلي لعقيدة الجيش المصري، بما يتوافق مع تصورات واشنطن ومصالحها التي لا ترتبط على الإطلاق بضرورة تحول مصر في اتجاه الإصلاح السياسي.
ويحاول الباحث الإجابة عن الأسئلة التالية: هل ثمة علاقة بين تطورات السياق الداخلي في مصر بعد تموز/ يوليو 2013 وقدرة واشنطن على تغيير عقيدة الجيش المصري؟ وهل استغلت واشنطن ممارسات الجيش المصري وسلوكياته تجاه عملية التحول الديمقراطي الوليدة، من أجل تحقيق هدف استراتيجي أميركي قديم، يتمثل في تغيير عقيدة الجيش المصري بما فيها تغيير طبيعة تسليحه؟ وينتهي الباحث إلى القول إن واشنطن تعتقد أنها تنجح في مسعاها القديم لتغيير العقيدة القتالية للجيش المصري، وساعدها في ذلك تطورات الداخل المصري الذي يركز فيه الجيش بالأساس على مكافحة الإرهاب داخل البلاد. وعلى الرغم من فشل النظام المصري في إقناع الدوائر الأميركية بأهمية الدور المصري في خدمة المصالح الاستراتيجية لواشنطن، أو أن تعرض القاهرة نفسها على أنها دولة قائدة مؤثرة في ملفات مهمة لواشنطن، كملفات ليبيا وسورية واليمن أو حتى القضية الفلسطينية، جاء تبرير وزارة الخارجية الأميركية لميزانية عام 2018 الفدرالية مؤكدًا أهمية دعم مصر في مجال مكافحة الإرهاب.
الدول الإقليمية ومسألة الانتقال الديمقراطي في مصر
في الفصل الحادي عشر، تناول عماد حرب الدور الذي أدّته الدول الإقليمية في تحول مصر من تجربتها الديمقراطية القصيرة إلى السلطوية في عام 2013. انطلق الباحث من فرضية رئيسة، مفادها أن قطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة هي الفواعل الأشدّ تأثيرًا في التحول الذي شهدته مصر؛ إذ احترمت قطر إرادة المصريين في التحول من الحكم السلطوي إلى الديمقراطية، بينما أحبطت بقية الدول المذكورة البداية الديمقراطية، وساعدت على إعادة تأسيس السلطوية في مصر. ويخرج الباحث ببعض الدروس المستفادة من الحالة المصرية بشأن التأثيرات الإقليمية في التحول الديمقراطي. أولها أن غياب الولايات المتحدة – وهي الفاعل الدولي المؤثر في الحالة المصرية – قد منح الدول الإقليمية حرية التدخل والتأثير في الظروف الداخلية المصرية بما يحقق مصالحها الاستراتيجية. وثانيها أن الدول الإقليمية التي تؤثر في الأحداث والتطورات في البلدان التي تشهد تغييرًا تحتاج إلى موارد مادية لتقوم بأدوارها. وثالثها أن الفاعلين الإقليميين في حاجة إلى داعمين محليين في البلدان التي تشهد تحولًا، وذلك للمساعدة في تنفيذ أجنداتهم.
العامل الخارجي وأثره في الانتقال الديمقراطي: التدخل الأميركي في حالتَي مصر وبوليفيا
ترى دانا الكرد، في الفصل الثاني عشر، أن القدرة على التعبئة الجماعية الداخلية أصبحت، على نحو متزايد، مرهونة بفاعلين دوليين، وتحديدًا الفاعلين المهيمنين منهم في دعم الانتقال إلى الديمقراطية أو معارضته. وتختبر الباحثة في هذا الفصل حالتَي بوليفيا ومصر، من خلال دور الولايات المتحدة، بصفتها فاعلًا دوليًا، في التأثير في التعبئة الجماعية فيهما. وتخلص إلى مجموعة من النتائج، أهمها أن من أبرز أسباب فشل التحول الديمقراطي في مصر التاريخ الطويل من دعم الولايات المتحدة للسلطوية في هذا البلد. فمصر – مثلها مثل دول أخرى في الشرق الأوسط – لم تعارض واشنطن التحول الديمقراطي فيها فحسب، بل عملت أيضًا على تأمين الأنظمة السلطوية من خلال آليات مختلفة. كما أن اختلاف خبرات المعارضة في مواجهة نظام سلطوي، إضافة إلى الانتقائية في التعاون والقمع، يدفعان مجموعات المعارضة إلى الالتفاف حول هوياتها، مشكّلة حالة من الاستقطاب تُضعف المعارضة وتقوّي قدرة النظام السلطوي المدعوم دوليًا على مواجهتها. أما في بوليفيا، فقد ساعد التنوع الإثني على مخاطبة شرائح واسعة من الشعب؛ حيث يرى الناس أنفسهم من أصول عرقية مختلطة، والأهم من ذلك أن الولايات المتحدة لم تسعَ لتأمين السلطوية في أميركا اللاتينية بقدر ما فعلت في الشرق الأوسط. ونتيجة لكل ذلك، ترى الباحثة أن حالة الاستقطاب لم يكن لها تأثيرات ضارة في أميركا اللاتينية كتلك التي حدثت في الشرق الأوسط.
دور القوى الخارجية في الانتقال الديمقراطي: حالة ليبيا بعد اتفاق الصخيرات
في الفصل الثالث عشر، يدرس أحمد قاسم حسين الصراع الدائر في ليبيا وتداخلاته الإقليمية والدولية، مع التركيز على المرحلة التي أعقبت توقيع الاتفاق السياسي الليبي في مدينة الصخيرات المغربية في كانون الأول /ديسمبر 2015. ويوضح الباحث أن هذا الاتفاق جاء نتيجة توافق القوى المحلية والإقليمية بحدوده الدنيا؛ إذ بنت تلك القوى سياساتها الخارجية في مراحل الصراع في ليبيا على أساس التوازن بين المخاوف من الآثار السياسية والاقتصادية للانتقال الديمقراطي الليبي على تلك القوى، ومصالحها وطموحها إلى مزيد من السيطرة والنفوذ. لقد مثّل تناقض المصالح بين القوى الخارجية عاملًا مهمًا يضاف إلى مجموع العوامل الداخلية الأخرى التي ساهمت في تعطيل عملية الانتقال الديمقراطي. وينتهي الباحث إلى القول إن الدول التي اعترفت بالاتفاق تتسم سياستها الخارجية بالازدواجية؛ ففي الوقت الذي اعترفت بالاتفاق ومخرجاته وشجعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على تنفيذه بما يضمن تحقيق الاستقرار واستعادة الأمن في ليبيا، تميزت حركة تلك القوى بالتغير المستمر بما يحقق مصالحها ويعزز نفوذها وأمنها القومي. وقد انعكس هذا في صورة تناقض واختلاف بين القوى السياسية والعسكرية الليبية ذات الارتباط بالقوى الخارجية؛ الأمر الذي عطّل الاتفاق، بل جعل حكومة الوفاق الوطني التي نتجت منه تواجه مجموعة من الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، يتداخل فيها المحلي والخارجي، وتؤثر على نحو مباشر في عملية الانتقال الديمقراطي.
لَبْرَلة من دون ديمقراطية: دور العوامل الخارجية في استقرار السلطوية المغربية
يسائل محمد أحمد بنيس، في الفصل الرابع عشر، دور العوامل الخارجية في استقرار السلطوية المغربية على امتداد العقود الثلاثة الأخيرة، ويطرح تساؤلات عدة، أهمها: كيف ساهمت العوامل الخارجية في استقرار السلطوية المغربية عبر تشجيعها على لبرلة بناها وسلوكها ضمن حدود معيّنة لا تسمح بالتحول نحو الديمقراطية؟ وما دور هذه العوامل في الارتجاجات التي عرفها الحقل السياسي المغربي، منذ نهاية الحرب الباردة إلى الآن، مرورًا بمنعطف الربيع العربي؟ وكيف عبّأ الفاعلون الخارجيون مختلف الموارد للتأثير في مشروع التحول الديمقراطي في المغرب؟ ويخلص الباحث إلى أنه بقدر ما ساهمت العوامل الخارجية في توسيع هامش اللبرلة في الحقل السياسي المغربي، ساهمت أيضًا في الحد من هذه اللبرلة، وخصوصًا مع غياب الإرادة لدى الفاعلين في الداخل لإنضاجها وتطويرها؛ وهو ما يؤكد أن البيئة الدولية للديمقراطية تظل بطبيعتها متناقضة. لم ينظر الفاعلون الدوليون إلى التحول الديمقراطي في المغرب، باعتباره خريطة طريق محكومة بسقف زمني محدد؛ ما يعكس عدم جدية هؤلاء ومحدودية تأثيرهم في الدفع بعجلة الديمقراطية. ويرى الباحث أن النظام المغربي لا يتردد في استثمار العوامل الخارجية التي تقف حجر عثرة أمام التحول الديمقراطي. إن قدرة هذا النظام على توظيف العوامل الخارجية، إيجابيًّا وسلبيًا، خوَّلته هامشًا لتدبير التوازنات الداخلية، من خلال التحكم في منسوب اللبرلة داخل مؤسساته، والحفاظ على نواته السلطوية، والحيلولة دون دمقرطته بما يمكن أن يُفضي إلى بناء تعاقد اجتماعي وسياسي جديد.
الدوْران السعودي والإيراني في اليمن وأثرهما في مسلسل الانتقال السياسي
يتوقف أحمد إدعلي، في الفصل الخامس عشر والأخير، عند الحالة اليمنية، منطلقًا من فرضية أن العوامل الإقليمية تكتسي أهمية بالغة، ربما تفوق أثر العوامل الداخلية، في تفسير مآلات الثورة اليمنية. ويوضح الباحث أن التدخلات السعودية والإيرانية في اليمن ساهمت في إجهاض الانتقال إلى الديمقراطية هناك؛ فتنافسُ الدولتين على الريادة والنفوذ الإقليمي، وخشية السعودية من نجاح تجربة ديمقراطية في فنائها الخلفي، وتطلّع إيران إلى استغلال الموجة الثورية لتعزيز نفوذها، كلها متغيرات جعلت اليمن ساحة لمواجهات متعددة وُظّفت فيها أدوات ناعمة وأخرى صلبة. ويخلص الباحث إلى أن طموح إيران والسعودية إلى الهيمنة والريادة يصطدم بجملة من الإكراهات؛ فخريطة اليمن الاجتماعية والمذهبية لا تيسّر لإيران توسيع الولاءات وتشكيل أحلاف دائمة. أما أدوار السعودية، فتصطدم ببعض الحدود؛ فالمؤهلات الجيوسياسية والديموغرافية والعسكرية ترجح كفة إيران في خريطة التنافس والصراع على مناطق النفوذ. ويخلص الباحث أيضًا إلى نتيجة مفادها أنه إذا كان التحالف العربي بقيادة السعودية يتطلع إلى الوصول إلى تسوية سياسية، فإن التوازنات التي قد تتمخض عن نصر عسكري محتمل، على صعوبته، ستكون هشة ومعرضة من ثمّ للانفراط.