الوصف
صدر عن سلسلة “دراسات معجمية ولسانية” في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب حسين السوداني أثر فردينان دي سوسير في البحث اللغوي العربي – التلقي العربي للسانيات، ويدرس فيه مؤلفه أثر دي سوسير في البحث اللغوي العربي من منطلق أنّ دروسه في اللسانيات بمنزلة كتاب سيبويه في النحو العربي. وأتاح هذا الخيار المنهجي دراسة التلقّي في كليته انطلاقًا من فحص مجهريّ لكيفيات تمثل دقائقه، فزاوج البحث بين مستويين من الاستقراء؛ جعل الأوّل للإلمام بالملابسات التي هيّأت لاطّلاع الدارسين العرب على النظريات والأفكار، وجعل الثاني للتَّفحّص الداخلي لأوْجُه تمثُّل الدارسين للنظريات وسياقات توظيفهم لها وكيفيات عرْضهم لأسسها.
يتألف الكتاب (344 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من تقديم بقلم عبد السلام المسدّي، ومقدمة وسبعة فصول وخاتمة عامة.
أراد المؤلف أن يكون الفصل الأول، “دروس فردينان دي سوسير بعد مئة عام”، تأطيريًا، فجعله لرسم خريطة زمنية لما بعد ظهور سوسير، وفق تصور تأليفي لحصيلة قرن من الدراسات اللسانية بعد ظهور دروس سوسير، متناولًا فردينان دي سوسير متعلّمًا في قرن الدراسات التطوّرية، ومدرّسًا وباحثًا، ومنتقلًا من الجامعة إلى العالم، وأثره في البحث اللغوي.
ويرى السوداني أن سوسير “وإن لم يكن اللغوي الوحيد الأوحد الذي اهتدى في زمانه إلى ما ورد في دروسه من مفاهيم، فإنه استطاع أن يجعل قبل غيره، من هذه المعاني والأفكار، نظامًا فخمًا دقيقًا منسجم الأطراف بعيد الغور، فأبدى سوسير في كل ذلك قدرة على توضيح المفاهيم الغامضة وتركيب المعاني المنفصلة المتباعدة والتوفيق بين النظريات المتنافية”.
في الفصل الثاني، “من نشوئية المعرفة اللغوية العربية المعاصرة إلى اكتشاف فردينان دي سوسير”، ينظر السوداني في الملابسات التي مهدت لاندراج آراء سوسير في البحوث اللغوية العربية، باحثًا من خلال اللحظات السابقة لاكتشاف سوسير عن سبب تأخر الاهتمام بآرائه.
يجد المؤلف أن معطيات عديدة تضافرت لتؤخر اطّلاع العرب على آراء سوسير؛ تتمثل في المشرق في التبعية إلى ما ساد في البحث اللغوي في الجامعة الألمانية، “أما في المغرب العربي فإن واقع الاستعمار أرجأ اكتشاف سوسير إلى حين تأسيس الجامعة بعد الاستقلال. ولم تُعلن البحوث اللغوية العربية مرجعية سوسيرية صريحة إلّا خلال العقد الخامس من القرن العشرين، رغم أنّ الاطّلاع على الاتجاهات اللسانية الحديثة تمّ مبكرًا في الشرق خاصة. وجرى هذا الاندراج في البحث اللغوي لمّا انفتحت الجامعة المصرية على وسط جامعي آخر غير القطب الألماني، وكان ذلك لما عادت البعثة الأولى ممّن درسوا علوم اللغة في جامعة لندن”.