التَّنبُّؤ بِالغَيْبِ عِنْدَ مُفَكِّريْ الإسْلامِ

عنوان الكتاب التَّنبُّؤ بِالغَيْبِ عِنْدَ مُفَكِّريْ الإسْلامِ
المؤلف د. توفيق الطويل
الناشر  المركز الأكاديمي للأبحاث
البلد العراق  ـ تورنتو ـ كندا
تاريخ النشر 2017
عدد الصفحات 192 

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

يتحدث الكتاب عن علم الغيب عند مفكري الاسلام و التنبؤ الطبيعي عندهم وادراك الغيب عند اهل الكشف الصوفي ومن إليهم والرؤيا الصادقة وعلم الكهانة والعرافة الفأل والطيرة وعلم احكام النجوم والفراسة والسحر وموقع اهل الشرع منها .
كلمة الناشر:

ظَهَرَ المَيْلُ عِندَ البَشَرِ إلى اكتِشَافِ الغَيْبِ والمَحْجُوبِ مُنْذُ وُجِدُوا على ظَهْرِ الأرْضِ, لأنَّ مَرَدَّ هذا المَيْلِ إلى طَبِيعَةِ البَشَرِ النَّزَّاعَةِ بِفِطْرَتِهَا إلى مَعْرِفَةِ المَجْهُولِ، وهِيَ مَعْرفَةٌ تُرادُ لِذاتِهَا أصْلاً وإنْ جَرَتْ العَادَةُ باتِّخَاذِهَا أدَاةً لِبُلوغِ غَايَاتٍ ما، ومِنْ هنا كَانَ التَّنَبُّؤ بِالغَيْبِ مَثَارَ افْتِتَانِ الشُّعُوبِ في كُلِّ زَمَانٍ ومَكانٍ.

ولَيْسَ يَنْفِي هذا مَا يُلحَظُ مِنْ أثَرِ انْتِشَار “العلم” في إضْعَافِ هذا المَيْلِ عِنْدَ النَّاسِ, إذ لَيْسَ العِلمُ في كُلِّ صُوَرِهِ إلَّا مُحَاوَلةٌ ترْمِي إلى اكْتِشَافِ المَجْهُولِ، فلا يُغَيِّرُ اخْتِلافُ المَنَاهِجِ وَتَبَايُنُ المَقاصِدِ مِنَ هذه الحَقِيقةِ كَثِيرَاً.

وَقَدْ أدَّى تَشَارُكُ البَشَرِ في فِطْريَّةِ النُّزُوعِ نَحْوَ إدْرَاكِ الغَيْبِ إلى تَشَابُهٍ كَثِيرٍ، واشْتَرَكَ في وَضْعِ هَذِهِ المَادَّةِ سَبْعَةَ عَشَرَ عِلمَاً, تَنَاوَلَ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمْ الحَدِيثَ عَنْ التَّنَبُّؤِ عِنْدَ الشَّعْبِ الذي تَخَصَّصَ في دِرَاسَتِهِ, وتُزَوِّدُ هَذِهِ المَصَادِرُ مَنْ يُريدُ التَّوسُّعَ فِي هَذَا المَوضُوعِ بِكَثِيرٍ مِنَ المَرَاجِعِ في أسَالِيبِ التَّنَبُّؤِ عِنْدَ الشُّعُوبِ في مُخْتَلِفِ العُصُورِ؛ وَقَدْ خَدَعَتْ هَذِهِ الظَّاهِرَةُ بَعْضَاً مِنَ النَّاسِ, فَقَرَّرُوا أنَّ هَذَا التَّشَابُهَ يَعُودُ في كُلِّ حَالاتِهِ إلى نَقْلِ الَّلاحِقِ عَنْ السَّابِقِ، وإلى عَدْوَى الثَّقَافَاتِ وَتَزَاوُجِ الفِكَرِ, وَاسْتَنَدُوْا فِي هَذَا إلى انْتِقالِ الحَضَارَاتِ وَالثَّقَافَاتِ مِنْ شُعُوبِ الشَّرْقِ فِي مَاضِيْهِ السَّحِيْقِ إلى شُعُوبِ اليُوْنَانِ وَالرُّوْمَانِ, ثُمَّ انْحِدَارِ الثَّقافَاتِ وَالفِكَرِ مِنْ هَؤلاءِ وَانْتِقالِ تُرَاثِهِمْ إلى العَالَمِ الإسْلامِيِّ…. وَالرَّأيُ عِنْدَنِا أنَّهُ إذَا كَانَ لِهَذَا التَّبَادُلِ العَقْلِيِّ بَيْنَ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ تَأثِيرٌ فَي وُجُوهِ التَّشَابُهِ في بَعْضٍ مِنْ فُنُونِ التَّنَبُّؤِ, فَإنَّ الرَّاجِحَ أنَّ الكثِيرَ مِنْ وُجُوهِهِ الأُخْرَى مَرَدُّهَا إلى وَحْدَةَ العَقْلِ البَشَرِيِّ وَتَشَابُهِ اسْتِجَابَاتِهِ – مَعَ اخْتِلافِ الزَّمَانِ والمَكانِ – كُلَّمَا تَشَابَهَتْ المُؤَثِّرَاتُ، وَهَذَا مَا يُفَسِّرُ لِجَمْهَرَةِ المُحْدَثِيْنَ مِنْ عُلمَاءِ الاجْتِمَاعِ الكثِيرَ مِنْ مَظَاهِرِ التَّشَابُهِ فِي الحَضَارَاتِ البَدْائِيَّةِ, حَتَّى فِي بَعْضٍ مِنَ الحَالاتِ التي ثَبَتَ فِيْهَا الاتِّصَالُ بَيْنَ هَذِهِ الشُّعُوْبِ..!

وَقَدْ مَكَّنَتْ الأدْيَانُ لِهَذَا المَيْلِ الفِطْرِيِّ عِنْدَ البَشَرِ. وَالسَّبَبُ هُوَ أنَّ التَّمْكِينَ لِذَلِكَ المَيْلِ لا يَسْتَقِيمُ بِغَيْرِ الإيْمَانِ بِالغَيْبِيَّاتِ, وَليْسَ فِي هَذَا مَا يَضِيْرُ بِالأدْيَانِ فِي شَيْءٍ؛ فَقَدْ أَقَرَّ الإسْلامُ ذَاتُهُ العِلْمَ بِالغَيْبِ, وَرَدَّهُ إلى عَلَّامِ الغُيُوبِ (اللهِ) تَعَالى، وَمَنْ يَجْتَبِيْهِ مِنْ رُسُلِهِ وَصَفْوَةِ المُؤْمِنِينَ مِنْ عِبَادِهِ, إذ عَرَفَ العَالَمُ الإسْلامِيُّ صُنُوفاً مِنْ مُدْرِكِيْ الغَيْبِ, يَتَقَدَّمُهُمْ الرُّسُلُ وَالأنْبِيَاءُ, وَيَلِيْهِمْ الأوْلِيَاءُ وَأهْلُ الكَشْفِ الصُّوفِيِّ وَنَحْوُهُمْ مِنَ المُؤمِنِيْنَ، وَالبَهَالِيْلِ، وَالمَرْضَى، وَالمَجْذُوبِيْنَ مِنَ المُريْدِينَ, وَأصْحَابِ الرُّؤَى الصَّادِقَةِ, وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لا يَتَوَسَّلُونَ إلى إدْرَاكِ الغَيْبِ صِنَاعَةً وَكَسْبَاً, وَأُولَئِكَ هُمْ مِنْ أهْلِ التَّنَبُّؤِ الطَّبِيعِيِّ (Natural Divination) كَمَا كَانَ يُسَمِّيْهِ شِيشرُونُ (Cece) وغَيْرُهُ مِنْ قُدَامَى مُؤَرِّخِيْهِ. كَمَا عَرَفَ العَالَمُ الإسْلامِيُّ مَعَ أُؤلَئِكَ صُنُوْفَاً مِنْ أهْلِ التَّكَهُّنِ الصُّنْعِيِّ (ArtticialDivinatio) الذِي يَقُوْمُ بِدَوْرِهِ على مَنْطِقِ العَقْلِ وَمَهَارَةِ الصَّنْعَةِ وَسَعَةِ الخِبْرَةْ, وَصِدْقِ الحَدْسِ وَتَوَثُّبِ الفِطْنَةِ، وَدِقَّةِ الَّلحْظِ وَتَوَقُّدِ الذَّكَاءِ؛ وَنَحْوِ هَذَا مِمَّا يَجِيْئُ أغْلَبُهُ كَسْبَاً، إلَّا أنَّ هَذَا قَدْ لا يُفْلِحُ إذَا لَمْ تَصْحَبْهُ فِطَرٌ تُمكّنُ مِنْ بُلُوْغِ غَايَتِهِ، وَهُوَ يَشْتَمِلُ فِي الإسْلامِ على الكِهَانَةِ، وَالعِرَافَةِ، وَالقِيافَةِ، وَالتَّنْجِيْمِ، وَالطِّيَرَةِ، وَالفِرَاسَةِ؛ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَذِهِ الفُنُوْنِ.

وَيُفْضِي الاسْتِنَادُ إلى مِنْهَجِ البَحْثِ العِلمِيِّ, وَالاهْتِمَامُ بِقَانُونِ العِلِّيَّةِ عِنْدَ تَحْليْلِ هَذِهِ الفُنُونِ التِي اسْتُخْدِمَتْ لِلكَشْفِ عَنْ الغَيْبِ المَحْجُوبِ إلى عَكْسِ النَّتِيجَةِ التي اجْتَمَعَ عِنْدَهَا جمْهُورُ مُفَكِّرِي الإسْلامِ مِنْ فَلاسِفَةٍ وَصُوْفِيِّينَ وَرِجَالِ شَرْعٍ…! وَهَذِهِ نُقْطَةٌ سَتَتَكَشَّفُ مُقَدَّمَاتُهَا فِي الفُصُولِ التَّالِيَةِ, وسَوْفَ نَعُودُ إلى مُنَاقَشَتِهَا في نِهَايَةِ هَذَا البَحْثِ.

وَحَسْبُنَا الآنَ أنْ نَقُولَ: إنَّنَا نُحَاولُ فِي هَذَا الكُتَيِّبِ أنْ  نُؤَرِّخَ وِجْهَاتِ النَّظَرِ الإسْلامِيَّةَ فِي أكْثَرِ أسَالِيْبِ التَّنَبُّؤِ شُهْرَةً, وَأنْ نَتَتَبَّعَ أصُولَهَا في القُرْآنِ الكَريْمِ وَالتُّرَاثِ الإسْلامِيِّ على وَجْهِ الإجْمَالِ, وَقَدْ أدَّى بِنَا هَذَا إلى الإشَارَةِ إلى مَا يُشْبِهُ هَذِهِ الآرَاءَ فِي تُرَاثِ القُدَامَى مِنَ الغَرْبِيِّيْنَ وَالشَّرْقِيِّيْنَ على السَّوَاءِ.

وَإذِا كَانَ ضِيْقُ المَقَامِ قَدْ اضْطَرَّنَا فِي كُلِّ حَالٍ إلى الإيْجَازِ ـ حَتَّى فِيمَا يَتَطَلَّبُ الإسْهَابِ ـ فَحَسْبُنَا أنْ نُثِيرَ في أذْهَانِ القُرَّاءِ هَذِهِ الوُجُوهَ مِنَ النَّظَرِ العَقْلِيِّ, كَمَا تَضَمَّنَهَا تُرَاثُنَا الإسْلامِيُّ, عَسَى أنْ تَكُوْنَ إثَارَتُهَا مِزَاجَاً مِنَ الَّلذَّةِ العَقْلِيَّةِ وَالمَنْفَعَةِ المُشْتَرَكَةِ! وَلَعَلَّ مِنَ المُنَاسِبِ أنْ نُشِيْرَ قَبْلَ أنْ نَنْتَهِيَ مِنَ المُقَدَّمَةِ إلى أنَّ هَذَا المَوضُوعَ – فِيْمَا نَعْلَمُ – بِكْرٌ لَمْ يَطْرُقْهُ أحَدٌ مِنَ البَاحِثِينَ مِنْ قَبْلُ؛ وَلاسِيَّمَا مَا اتَّصَلَ مِنْهُ بِأسَالِيْبِ التَّكَهُّنُ الصُّنْعِيِّ؛ بِاسْتِثْنَاءِ مَا عَرَفَتْهُ بَعْضٌ مِنْ فُنُونِهِ فِي العَرَبِيَّةِ قَدِيمَاً مِنْ مُصَنَّفَاتٍ أوْ مَقَالاتٍ قِصَارٍ, قَلَّ مَا يَدْخُلُ مِنْهَا تَجَوُّزَاً فِي نِطَاِق البَحْثِ العِلْمِيِّ.

وَبَعْدُ, فَلا يَسَعُنِي فِي خِتَام هَذِهِ المُقَدَّمَةِ, إلَّا أنْ أُحَيِّيَ الجَمْعِيَّةَ الفَلسَفِيَّةَ المِصْرِيَّةَ, مُمَثَّلَةً فِي رَئِيسِهَا الأسْتاذِ الدُّكتُورِ عَلِيٍّ عَبْدِ الوَاحِدِ, شَاكِرَاً لهُ مَلْحُوْظَاتِهِ الطَّيِّبَةَ على بَعْضٍ مِن مَنَاحِي هَذَا البَحْثِ.

(الناشر)

للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية

TOP