الوصف
الخيال السياسي للإسلاميين
خصصت هذا الاسبوع لكتاب جذبني عنوانه وأرهقني مضمونه، الكتاب بعنوان “الخيال السياسي للإسلاميين.. ما قبل الدولة وما بعدها” لمؤلفته أستاذة العلوم السياسية هبة رءوف عزت.
تنطلق المؤلفة من فرضية أن الإسلاميين غير مستوعبين مفهوم الدولة وأن أي عملية تحليل مفاهيمي لكتاباتهم تُبين أن تصورهم عن الدولة يتماهي مع الدولة القومية الحديثة، وليس مع الأمة، وهو عكس ما يريدون وما يرفعون من شعارات.
وللتدليل على هذه الفرضية استعرضت الكاتبة الطريقة التي يفكر بها الإسلاميون في الدولة والكيفية التي يتخيلونها، وقامت بتتبع كتابات مجموعة معاصرة منهم عن هذا الموضوع منشورة في مجلة المنار الجديد أمثال يوسف القرضاوي وسليم العوا وطارق البشري ومحمد عماره وأبو العلا ماضي وعصام العريان، ولم تكتف بهؤلاء بل رجعت قليلا للخلف لتوسع دائرة البحث فضمت إليهم كتابات حسن البنا وسيد قطب وعبد القادر عوده وأبو الأعلى المودودي، وخلصت إلى أنهم جميعا لم يفهموا الدولة التي يتحدثون عنها فهما دقيقا كما يفهمها علماء السياسة والمتخصصون، ومن هنا جاءت كتاباتهم مضطربة وناقصة ومختزلة وتفتقد العمق والخيال.
وتستثني من هذا كتابات بعض الإسلاميين الذين جمعوا بين التخصص والخلفية الحركية والتي ظهرت في السنوات القليلة الماضية لكنها لا تزال في بداياتها مثل إنتاج نادية مصطفى ومنى أبو الفضل وحامد عبد الماجد وإبراهيم البيومي غانم وهشام جعفر وعلاء النادي وإنتاجها هي شخصيا.
ثم تؤكد المؤلفة في خاتمة الكتاب على ضرورة تطوير الإسلاميين نظرتهم لمفهوم الدولة وتنصحهم بأهمية التمييز بين الليبرالية والرأسمالية وبين العلمانية واللاأخلاقية وبضرورة إعادة التفكير في مفهوم الأمة وتطويره ليتماشى ومتغيرات العصر، وتشير إلى أن ذلك التطوير الذي تدعونهم إليه يحتاج منهم إلى التخصص والتعمق والتحرر من قيد التنظيم وبيروقراطيته وجموده وانغلاقه.
هذا تقريبا هو جوهر الكتاب وفكرته الأساسية بحسب فهمي، وهو كتاب مهم في بابه، جاذب في عنوانه، جرىء في طرحه، غير أنه لا يخلو من أوجه ضعف لعل من أبرزها من وجهة نظري:
١- أسلوبه المعقد وكثرة استخدامه المفاهيم والمصطلحات التي يصعب فهمها من دون وضعها في سياق، وهو ما لم تفعله الكاتبة، مما جعل من استمرار عملية القراءة إجهادًا للذهن.
٢- طبيعة الكتاب نفسه وكونه مقالات مجمعة ودراسات سابقة منشورة في أوقات مختلفة أفقده الوحدة الموضوعية، وجعل مستواه متذبذبا من جزء لجزء ومن فقرة لأخرى (الكتاب غير مقسم إلى أبواب وفصول، أو فصول ومباحث)، والأهم أنه بصيغته هذه قد أخفق في إعطاء أفكاره ما يستحقها من استيفاء العرض واستكمال التحليل فجاءت صفحاته ال ١٤٤ أشبه بنقر ديكة وليس بغرس فسائل.
٣- انتقاد المؤلفة لرموز التيار الإسلامي في استيعابهم مفهوم الدولة جعلها كمن وضع أصابعه في عش الدبابير دون استعداد كاف للسعاتها، فقد انتقدتهم بقوة وأطلقت أحكاما مغلظة عليهم رغم أنها لم تخصص لكل واحد منهم إلا سطورا قليلة لا تكفي لبسط أفكاره بدقة وأمانة، الأمر الذي جعلها تبدو كمن أمسك بعصا طويلة داخل محل زجاج وكلما تحرك للأمام كسر شيئا وكلما حاول التراجع للخلف كسر شيئا آخر ولمَّا تهشَّم المعروض ألقى العصا وهرول خارجا.
وعلى هذا فالكتاب من وجهة نظري، وبسبب من تشتته وإرهاقه وصعوبة أسلوبه، يحتاج إلى تفكيك وإعادة تركيب حتى لا تضيع فكرته المهمة التي أحسب أنها لو استوفت حقها لحلت كثيرا من الإشكالات الفكرية التي لا يحتاجها الإسلاميون فحسب بل وبقية التيارات الفكرية أيضا.
الخيال السياسي للإسلاميين
للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية