كيف تفقد الشعوب المناعة ضد الاستبداد

عنوان الكتاب كيف تفقد الشعوب المناعة ضد الاستبداد
المؤلف هشام علي حافظ, جودت سعيد, خالص جلبي
الناشر دار رياض الريس للكتب والنشر
البلد بيروت
تاريخ النشر 2002
عدد الصفحات 296

أشتري الكتاب حمل الكتاب

الوصف

لقد عالج كتاب ” كيف تفقد الشعوب المناعة ضد الاستبداد ” أهم قضايا الشعوب المظلومة والمُستعبَدة مصيرية ، مع دراسة شاملة أشتملت على فصول بحثيّة في أسباب نمو الاستبداد والادوات النفسية والطبيعية التي تشكلت في عوامل نشوء استبداد الشعوب وأستعبادها ، مع وضع معالجات توعوية وتثقيفية وتربوية انسانية واجتماعية تُسهم في الوقوف بوجه الأستبداد وتحرر الشعوب المُستَبدّة من قيوده .
يقدم المؤلفون هشام علي حافظ، جودت سعيد، وخالص جلبي من خلال الكتاب أفكارا تذكرنا بالمفكر الليبي الراحل الصادق النيهوم ـ الذي صدرت أغلب مؤلفاته عن رياض الريس ـ وكان يحلق في آفاق تعبر عما يبدو عن شطحات فكرية غير انك لفرط واقعيتها لا تجد مفرا من القبول بها رغم ما قد يكون لك من تحفظات.

وفضلا عن تقديمه لموضوع الاستبداد في صيغته المعاصرة مع تتبعه لآخر في الاحداث الجارية ـ نموذج ميلوسيفيتش ـ إلا ان المؤلفين ـ هشام علي حافظ، جودت سعيد، وخالص جلبي، يغوصون في أعماق التاريخ، زمنيا وفكريا، من خلال رؤى مفكرين وفلاسفة أمثال الكواكبي، عبدالرحمن بدوي، محمد اقبال، مالك بن نبي، برتراند راسل، ارنولد توينبي، ايتين دي لابواسييه (شاب فرنسي مات عام 1562 عن عمر يناهز 32 عاما) من خلال سياحة فكرية في أفكارهم. بعيدا عن الحيرة، نبدأ من النقطة التي ينبغي موضوعيا ان نبدأ منها والتي تشكل محور موضوع الكتاب وعنوانه وهو «كيف تفقد الشعوب المناعة ضد الاستبداد؟» وهو التساؤل الذي يطرحه ايتين دي لابواسييه في كتابه «العبودية المختارة» قائلا: فلست ابتغي شيئا إلا ان أفهم كيف أمكن لهذا العدد من الناس، من البلدان، من الأمم ان يتحملوا طاغية واحدا لا يملك من السلطان إلا ما أعطوه ولا من القدرة على الأذى إلا بقدر احتمالهم منه؟. وهو نفس التساؤل الذي طرحه خروتشوف من خلال مثال عملي بقوله: كيف أمكن لفرد واحد مثل ستالين أن يتحكم بمصير أمة؟ كيف أرسل للموت مئات الآلاف ولم يقتل واحدا بيده؟ 
ويشير الكتاب في هذا الصدد الى ان 600 كتاب صدرت بين عامي 46 و1952 عن قدسية ستالين مما جعل البعض يقول ان ستالين عمل على خلق دين اشتراكي. أما ماوتسي تونج فقد حلت صوره محل صور ما يسمى بـ «الآلهة القديمة»! وعلى مدى صفحات الكتاب يحاول المؤلفون شعرا ونثرا الاجابة على سؤالهم المحوري مشيرين الى مشكلة خاصة بالطبيعة البشرية تتمثل في ان الانسان في جبلته الاستعداد للطغيان مع كل امتلاك ما لم توجد ضوابط ومراقبة، فيمكن ـ حسب الكتاب ـ لأي فراش أو خادم في أي دائرة أن يتحول الى فرعون بشرط واحد هو امتلاكه مفاتيح القوة بدون كوابح. ويلتقط الكتاب مقولة معبرة للغزالي يقول فيها ان ظاهرة عشق السلطة هي آخر ما يخرج من قلوب الصالحين وهي لذة لا توازيها أي لذة في الدنيا، عندما تتحرك الجموع باشارة من يد وتخر الرقاب ساجدة بحمد القائد. ومن هنا فان المعارضة تعد شرطا أساسيا للاتزان وهي أساسية لارساء العدل الاجتماعي، وعلى ذلك فالمجتمع الذي لا يوجد فيه معارضة أقرب الى عالم القبور.

ولكن يبقى السؤال دون اجابة. في محاولة على طريق الاجابة يعرض المؤلفون لجانب من آليات الاستبداد فيشيرون الى انه في السياسة ينفخ الكهنة في ألوهية الحاكم فيوحي له من حوله زخرف القول غرورا.. انه جمع بين حسن يوسف وعقل ارسطو وحكمة لقمان وسلطان قورش وعظمة الاسكندر وانه سيحكم أبد الدهر.. حتى: «يعتقد الطاغية.. كل طاغية قزما كان أم عملاقا في دولة مفلسة.. في بلد غني انهم آلهة وان بطانتهم ملائكة ويؤمنون انهم قد يمرضون ولكن الشفاء عاجل أكيد ومضمون وانهم باقون.. باقون. ولأهمية هذا الجانب نورد تصور ايتين دي لابواسييه حيث يشير الى ان أربعة أو خمسة هم دوما الذين يبقون الطاغية في مكانه.. يشدون له البلد كله الى مقود العبودية.. ففي كل عهد كان ثمة أربعة أو خمسة تصيخ اليهم اذن الطاغية يتقربون منه أو يقربهم اليه ليكونوا شركاء جرائمه وخلان ملذاته وقواد شهواته ومقاسيمه فيما نهب. فهؤلاء الستة يدربون رئيسهم على القسوة نحو المجتمع، لا بشروره وحدها بل بشروره وشرورهم هؤلاء الستة ينتفع في كنفهم ستمئة يفسدهم الستة مثلما أفسدوا الطاغية ثم هؤلاء الستمئة يذيلهم ستة آلاف تابع.. حتى يصل الأمر الى ملايين يربطهم الطاغية بهذا الحبل.

أما الكواكبي فهو يشير في كتابه «طبائع الاستبداد» فيصف هذا النموذج من الاعوان قائلا: ان الحكومة المستبدة تكون طبعا مستبدة في كل فروعها من المستبد الاعظم الى الشرطي والفراش وكناس الشوارع.. ولا يكون كل صنف إلا من أسفل أهل طبقته.

مضيفا ان هذه الفئة يكثر عددها ويقل حسب شدة الاستبداد وخفته، فكلما كان المستبد حريصا على العسف احتاج الى زيادة جيش العاملين واحتاج الى الدقة في اتخاذهم من أسفل السافلين … إلخ. ويخلص المؤلفون الى نتيجة مفادها انه لا يمكن لأمة أن تستعبد لولا استعدادها للعبودية ولا يمكن لديكتاتور أن يقعد على رقبة شعب واع، فالنسور لا تحط إلا على الجثث! ومن العام الى الخاص يعرض الكتاب لقضية الاستبداد في نسختها العربية بدءا من مظاهرها انتهاء بشخصيتها ومواجهتها.. فصور الحاكم العربي تملأ أرجاء الدنيا وبمساحات تفوق الوصف، حتى ان صحفيا ألمانيا زار بلدا عربيا فرأى صورة الرئيس بارتفاع عدة أمتار فأدرك حسب قوله، لماذا حرم الاسلام الصور!

أما الاحكام العرفية فقد اعتادت عليها الشعوب العربية حتى أصبحت هي الأصل والحالة الدستورية استثناء غير قابل للتحقق. «في الصباح يسخرني السلطان.. لكي أكتب تقريرا طويلا.. أراقب السجان والسجناء أكتب وأسجل.. من يبتسم.. من يضحك؟ بعد الغروب وفي المساء.. مهمتي في غاية الصعوبة ان أراقب الأذان.. والمؤذن والامام من همس في السر.. من صرخ في العلن.. من المتحفظ.. من اللامبالي؟». والنتائج كارثية.. فالمحطات الفضائية لدينا يشرف المطربون فيها على صناعة الثقافة حتى مطلع الفجر (امعانا في الإلهاء).. وفيما هؤلاء نجوم المجتمع تم تهميش فكر فيلسوف عملاق مثل عبدالرحمن بدوي، فيقضي خريف عمره مهاجرا في غرفة في باريس بعيدا عن الوطن بعد انتاج 120 كتابا فلسفيا يختصر فيها الرحلة العقلية للانسان العربي.

وفيما تتدفق على اسرائيل العقول نعاني نحن من نزيفها. وتحول الوطن في أحسن أحواله في عين المهاجر الى وقت قصير للاستجمام مع كل مغامرة الدخول المحفوفة بالمخاطر، للتمتع بطقس جميل لا فضل فيه للجهد البشري واستعادة ذكريات الطفولة.. يعيش الفرد أجمل لحظاته في الطائرة الى الوطن وعند الخروج منه، عندما يكشف بمرارة انه لا يستحق أكثر من اجازة، فلقد كان فيما سبق وطنا قد يتمنى ان يدفن فيه ولكن لا ان يعيش فيه بحال.

ومن المفارقات انه بقدر ما يفرخ المناخ العربي من اجواء استبداد بقدر المسعى الاسلامي لاقصائها، فالاسلام عندما نص على ان محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين كان ذلك يحمل ولادة عصر العقل الاستدلالي باعتبار ان النبوة تبلغ كمالها في ادراك الحاجة الى الغاء النبوة ذاتها.. ثم ان عدم مجيء النبي صلى الله عليه وسلم بالمعجزات يعد بمثابة الغاء للعقل الاسطوري اللاسنني، ولذا يبدو من الغريب انه بقدر ما ان القرآن يمشي في اتجاه ظاهرة العقل والعلم بقدر ما استدبر العالم الاسلامي هذا التوجه.. وليرقد أبو لهب مستريح العظام في قبره! في معرض التفسير يذهب الكتاب الى ان الامة فقدت الرشد بعد نجاح الانقلاب الاموي في مصادرة الحياة الراشدية.

اما مالك بن نبي فيقدم تشخيصا بارعا لمرض الحضارة الاسلامية هو مفهوم القابلية للاستعمار، وهو ظاهرة ـ على ما يرى ـ تشكلت في وقت مبكر تحت قباب القيروان ودمشق وبغداد قبل ان تزحف جيوش الاستعمار لاحتلالها وهذا المرض هيأ للتفسخ الداخلي مثل الاجتياح الخارجي وهو الذي يفسر تسلط الديكتاتوريات وبزوغ نجم داوود. ونحن لم نتحرر أو نشف بعد من هذا المرض الذي يعيش كالروماتيزم الخبيث في مفاصل ثقافتنا. 
وعلى ذلك فان السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا سيحصل لو انه في انتخابات أي بلد عربي ظل الناس بكل بساطة في بيوتهم ورفضوا النزول للادلاء بأصواتهم تعبيرا عن رفضهم لمسرحية الديمقراطية؟ غير ان الواقع انهم يشاركون انطلاقا من ارادة العبودية وهو ما يؤكد بالفعل ان لا حرية سياسية دون حرية عقلية وبدون حدود.. وانه لا يمكن لديكتاتور أن يركب على رقبة شعب واع.

أما وصفة الخلاص فيحددها الكواكبي ملخصا اياها في أولا الشعور بالحاجة الى التغيير، فالامة التي تشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية، وثانيا ان يتم التغيير سلميا وبالتدريج، وثالثاً طرح البديل للاستبداد. ورغم انها «روشتة» عمرها نحو القرن إلا اننا لم نفكر حتى الآن مجرد التفكير في الاخذ بها.. ورغم ذلك نطمع في القضاء على الاستبداد؟!

(محمد سيد بركة)

TOP