الوصف
يبدو كتاب /هي والذاكرة/ أقرب إلى السيرة التي تتوزع بين الشعريّ والسرديّ بينما ترصد مُنى عبده محطات الحياة وتحولاتها.
ينقسم الكتاب الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون”، إلى ثلاثة مقاطع تتداخل فيها ثيمات الحب والغربة والألم والانتظار والشوق والخيانة.
وتُستهَلّ المقاطع بنصوص مستعارة تمثل عتبات للنصوص اللاحقة التي تدوّنها الكاتبة بروح تلك العتبات وتأويلاتها التي تختبر الوجود والحياة نفسها، فهي ليست مدوّنات شخصية بمقدار ما هي شهادة على الحياة.
في المقطع الأول، الذي بدأته الكاتبة بنص لمحمود درويش “أجمل ما في الصدفة أنها خالية من الانتظار”، تقول:
“مجازيّة الحب
هو أننا لا نَشْعرُه في الوقت ذاته
ومجازيّة الوحدة
هو أننا نَشعرُها في الوقت ذاته”.
وتبدأ الكاتبة نصوصها بالأم التي تعلّم الحب، والأب الذي يمثّل الحب الصادق في حياة كل فتاة، والرسالة الأولى لتوأم القلب، والرحلة الأولى في الطائرة والقطار، والموعد الأول في المقهى.
وفي “مذكرات امرأة حالمة”، تتخيل بطلة الكاتبة أن العاشق سيأتي على فرس أبيض، لكن عصر الفرسان سرقته السيارات، فتحلم أن تلتقيه مصادفةً في فضاء الغرباء الذين لا ينتظرون شيئاً سوى اللحظة التي تتيح لقاء غريبين أمثالهم:
“أصدق اللحظات
تلك التي تعثر علينا ولا نعثر عليها
في أماكن لم نتعمد أن نقصدها
مع غرباء في انتظارنا
يجلسون فوق مقعد اللهفة
حول طاولة الصدفة”.
وفي المقطع الثاني، الذي تستهله بعبارة للشاعر الراحل نزار قباني، تعيد الكاتبة منى عبده تعريف الوطن، بأنه ليس المكان الذي نسكنه، بل هو الذي يسكننا. وتراهن على الكتابة التي لا تموت، وتصور لحظات الفراق للغائبين بالمفارقة التي تنسجها ضمن معادلة الحياة والعاطفة، والحب والفراق: “لو أنه يستحق دمعة واحدة من عيني، لما هان عليه أن يبكيني”.
وفي المقطع الأخير الذي تستهله بعبارة لمصطفى محمود “لو دخل كلٌّ منا قلبَ الآخر، لأشفق عليه”، يكون حوارها مع الذات أمام مرآة الوحدة، وتقول: “هي، تحارب دون أن تحظى بمَن يحارب من أجلها، تحب، فهل من فارس يحبها”.
وحينما تتذرع الكاتبة بالكتابة فإنها تصادف اللاجدوى، وخلال ذلك فهي في رحلة بحث عن الذات ضمن هذا العالم المليء بالقسوة والحروب والغياب. حتى الكتابة، تصبح مُهمة صعبة لأنها تشعل الذاكرة بالفراغ الذي يحيط بالكائن:
“تغدو الكتابة مؤلمة
تمسي سيمفونية موزارت موحشة..
وعليه، قررتْ أن تغلق عينيها
أن تتوسّد أملاً قد يكون كاذباً”.