الوصف
في كتابها “أخلاقيات التواصل في العصر الرقمي – هبرماس أنموذجًا”، الصادر حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تجيب الباحثة الأردنية أسماء حسين ملكاوي عن السؤال الآتي: هل نظرية أخلاقيات النقاش التي قدمها هبرماس، باعتبارها آلية للاتفاق وحل الخلافات وآلية للوصول إلى معايير خلقية، قابلة للتعميم من خلال النقاش العقلاني، خصوصًا بطرائق التواصل التقليدية المباشرة، أم هي ممكنة التطبيق من خلال تقانة التواصل الرقمي الجديدة؟
ألفت ملكاوي هذا الكتاب (256 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من أربعة فصول.
تنطلق الباحثة من أنه كلما زادت تقانة التواصل والاتصال تقدمًا، زادت حدة الخلافات والصراعات بين الجماعات والشعوب والأمم من ناحية، ومن ناحية أخرى في سياق البحث عن وظيفة جديدة تقوم بها فلسفة التواصل في عصر يشهد تحولات هائلة في وسائل الاتصال والتواصل الإنساني، فتتعامل مع ما نتج من هذا التحول من أثر في إدراكنا مجموعة من المفاهيم التي تشكل وجودنا.
النظرية والتطبيق
في الفصل الأول، نظرية هبرماس بين الفلسفة وتحولات العصر، تتناول الباحثة موقفًا لابد للفلسفة التواصلية من أن تتخذه باعتباره معطى من معطيات العصر الرقمي الجديد، كما تتحدث عن ضرورة ارتباط النظرية بالتطبيق في الواقع العملي، وعن الإمكانات التطبيقية لنظرية الفعل التواصلي عند هبرماس.
وجدت ملكاوي أن هبرماس يؤكد أن العقلية التواصلية ستقرّب العلم إلى الفلسفة، “لأن الوصول إلى اتفاق من خلال الجدل والنقاش أمر شائع في الخطابات العلمية والفلسفية على السواء. وأشار في المقابل إلى أن الفلسفة تفتقر إلى وجود القواعد التأسيسية أو السلطة التي تمكّنها من توجيه الممارسات الثقافية الأخرى أو الحكم عليها. غير أن ذلك لن يمنعها من الاستمرار في المساهمة بالاتفاق الشامل من خلال النقاش، وذلك بوقوفها لتقديم الحجج الجديدة إلى الآراء التي تُعرض، وفي التفسير/التأويل للمساعدة في التوصل إلى اتفاق بين مجالات الحياة المختلفة، أي العقلانية الاتفاقية من خلال النقاش والحوار”.
خصائص التواصل الرقمي
في الفصل الثاني، خصائص التواصل الرقمي: تحوّل مفاهيمي وملامح نظرية تواصلية، قدمت ملكاوي تشخيصًا لأبرز معالم العصر الرقمي الذي سيجري تطبيق نظرية هبرماس في أخلاقيات النقاش عليه، مبرزةً التحول الوجودي المرتبط باستخدام شبكات التواصل الرقمي كالفيسبوك، ثم جعل ذلك من أهمّ المفاهيم التي تشكل الوجود الإنساني، كمفهوم الاتصال، والمجتمعات أو الجماعات، والزمان والمكان، والهُويّة واللغة، والحرية والإعلام. كما سعت إلى تحديد معالم ما يمكن تسميته انقلابًا وجوديًا أو انقلابًا في البنية المفاهيمية، مرتبطًا باستخدام شبكات التواصل الرقمي الذي جعل الحاجة ضرورية إلى إعادة النظر في مجموعة من المفاهيم، مؤكدةً اعتماد التفكير بمنهج فكري وأخلاقي جديد يلائم العصر الرقمي ويعظّم مكاسبه وإمكاناته، ويُحد من سلبياته بالبناء على ما قدمه المفكرون العرب المسلمون في هذا الخصوص.
أخلاقيات التواصل
تتناول ملكاوي في الفصل الثالث، أخلاقيّات التواصل: الأسس النظرية والمفاهيم المركزية، الإطار الفكري الذي أفرز نظرية هبرماس في أخلاقيات التواصل، أو أخلاقيات النقاش والحوار، والخوض في معالمها وتفصيلاتها، بمعاينة مراحل تطور النظرية النقدية التواصلية منذ الجيل الأول لمدرسة فرانكفورت التي تعتبر من أهم الخلفيات الفكرية التي شكلت رؤية هبرماس في ما بعد. كما تعرض لأبرز الأدبيات السابقة التي تحدثت عن هذه النظرية، وإمكاناتها التطبيقية بدءًا من محاولات هبرماس ذاته، ومن ثم محاولات أخرى في ميادين معرفية منوّعة، وأخيرًا في مجال تقانة التواصل الرقمي.
تقول المؤلف أن هبرماس سعى في نظريته الخلقية إلى بناء أساس عالمي قابل للتعميم في ما يخص صلاحية الحديث أو الكلام، واقترح اسم البراجماتية العالمية المعمّمة في سبيل إعادة بناء الافتراضات العامة لإجراء فعل كلامي توافقي.
ممكنات وتحديات
أما الفصل الرابع والأخير، أخلاقيات التواصل في العصر الرقمي: ممكنات وتحديات، فقد ضمنته ملكاوي مهمة توفيقية بين واقع التواصل الرقمي ونظرية هبرماس في أخلاقيات النقاش. وهي تحرّت إمكان استيعاب الواقع الرقمي مفاهيم نظريتي الفعل التواصلي وأخلاقيات النقاش المتداخلتين؛ كالمجال العام باعتباره المكان الأمثل لتحقيق النقاش العقلاني الأخلاقي ووضعية التخاطب المثالي باعتبارها شروطًا مهمة لوصول النقاش إلى اتفاق بين المشاركين، فضلًا عن أخلاقيات النقاش بمستوييها العام والخاص. كما اهتمت أيضًا في هذا الفصل بتحليل واقع الأخلاق على صفحات موقع فيسبوك، من خلال حصر الصفحات التي اهتمت بها وإحصائها، وتحليلها بما يخدم الوصول إلى نتيجة نهائية في شأن الفيسبوك في تفعيل النقاش العقلاني الأخلاقي في جانبيه.
وفي سعيها إلى الإجابة عن سؤال بحثها المركزي، إن كانت نظرية أخلاقيات التواصل عند هبرماس بمتطلباتها الأساسية ومستوييها العام والخاص تقتصر على طرائق التواصل التقليدية، أم تُطبق من خلال تقانة التواصل الرقمي الجديدة، تجتهد ملكاوي في اختبار تحقق مفهومين أساسيين ترتكز عليهما نظرية أخلاقيات التواصل، أي المجال العام ووضعية التخاطب المثالي، ثم اختبار تحقق مستويي النظرية: النقاش في قضايا عامة، والنقاش في الأخلاق التطبيقية الخاصة بقضايا محددة.
تكتب ملكاوي في ملاحظاتها الختامية: “يمكن القول إن التقانة التواصلية، بما هي أحد مخرجات الحداثة، ستضع الحداثة أمام فرصة إصلاح أمراضها من داخلها وبأدواتها، حيث ستجد هذه الأمراض المتمثلة في غياب الأخلاق والقيم الإنسانية نفسها، أمام تحدي مواجهة نفسها عبر تطبيقات التواصل الرقمي، فتكون مطالبة باستغلالها لإصلاح ذاتها وانتشال مبادئها وقيمها من وحل ما أفضت إليه الحداثة وما بعدها، أو أنها ستغرق وتختفي ثم تعلَن وفاتها”.
للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية