الوصف

This post is also available in: English (الإنجليزية)

أربعة أخوة وصديق والبحث هن معنى الحياة

أخذت بعض العائلات شهرة في فرنسا منذ أجيال في هذا المجال أو ذاك. هكذا اشتهرت عائلة روتشيلد بمجال المال وعائلة داسّو، صاحبة مصانع طائرات الميراج وفالكون، في الصناعة…الخ. وفي عداد تلك العائلات تلك التي تحمل اسم «سرفان شرايبر» التي تعود أصولها إلى ألمانيا ــ بروسيا وبرزت خلال القرن العشرين في مجال الصحافة بفرنسا، ومن أبنائها العديد من كبار الصحفيين والكتّاب ورجال السياسة حيث كان منهم بعض الوزراء.

 ومن بين المشاهير الكبار في تلك العائلة «جان جاك سرفان شرايبر»، الصحفي ومؤسس مجلة «الاكسبريس» الأسبوعية التي لا تزال منذ عقود إحدى أكبر الدوريات الفرنسية. كما كان نائباً ووزيراً لفترة من الزمن.

 لقد توفي عام 2006 وأنجب أربعة أطفال لا يزال ثلاثة منهم في قمّة نشاطهم وعطائهم هم «ايميل» الباحث الاقتصادي، و«فرانكلين» المهندس والكاتب والمؤرّخ خريج جامعة كارنيجي الأميركية، و«ادوارد» عالم الرياضيات. أمّا الأخ الأكبر «دافيد» فقد كان طبيباً نال شهرة كبيرة. وكان قد قدّم كتابين عرفا مكانهما في قوائم الكتب الأكثر انتشاراً في فرنسا لأسابيع عديدة هما «الشفاء» و«مكافحة السرطان».

 قصّة صراع هذا الأخ الأكبر، الطبيب النفساني وأحد فريق أطباء بلا حدود، مع مرض السرطان الذي أصاب دماغه تنمّ عن مدى «الشجاعة» و«الإرادة المصممة» اللتين تحلّى بهما، كما يشرح الأخ ــ المؤلّف، في خوض معركة يقال عنها إنها «خاسرة مسبقاً» ضد هذا المرض الفتّاك.

 بل ويؤكّد أن أخاه بدا لفترة من الزمن أنه قد «انتصر» وتماثل للشفاء من المرض العضال. هكذا «خذل» جميع التوقعات التي قال بها الأطباء عندما اكتشفوا أنه مصاب بورم دماغي خبيث وأنه «لن يعيش أكثر من ثلاث سنوات» حسب أكثر التقديرات تفاؤلاً. لكن «الرضوخ ليس في جينات العائلة»، كما يكتب المؤلف.

 لكن بعد سنوات عديدة من استعادته نشاطه وممارسته الطب والكتابة اكتشف الأطباء ذات يوم قبل وفاته بعام واحد أن المرض «هجم من جديد»، وأن حجم الورم الدماغي كان يتطلّب التدخل الجراحي مباشرة ودون أي تأخير. وبدا للأطباء أن الأفق كان زاخراً بالتهديدات التي لم يكن أقلّها «فقدان القدرة على الكلام ونوبات من الصرع وتدهور عمل الحواس الخمس».

 العديد من صفحات هذا الكتاب مكرّسة في هذا السياق لشرح حقيقة التقدّم الذي حققته العلوم الطبية في النضال ضد الأورام السرطانية. ذلك من خلال الحالة التي جسّدها المريض ــ الطبيب. ويشير المؤلف ــ الأخ أنهم بحثوا عن مختلف الإمكانات المتاحة في أوروبا أو أميركا ليقع الخيار في المحصّلة على اللجوء إلى أستاذ جامعي بلجيكي في الطب بمدينة «لوفان» كان بصدد تجريب علاج جديد.

 لكن كان الوقت قد تأخر؛ فالحالة الصحيّة العامّة للمريض ازدادت سوءاً. وفي الأيام الأخيرة لحياة «دافيد سرفان شاريبر» التي واكبت التدهور الكبير في حالته الصحيّة بفعل امتداد المرض إلى الجسد كلّه «انتصر اليأس على الأمل». وغدا المريض ــ الطبيب تابعاً في القيام بكل شيء للمحيطين به؛ لكنه واجه «النهاية» التي كانت تقترب أكثر فأكثر بكثير من الشجاعة و«البصيرة الصافية» أيضاً.

 وفي هذا الكتاب يحكي «فراكلين سرفان شرايبر» كيف عاشت الأسرة مأساة مرض الأخ الأكبر وكيف تضامنت معه في كل لحظة. كما يكرّس العديد من الصفحات لمحاولة سبر ما كان يختلج في أعماق الذين يحيطون فيه. هذا التعاطف والتضامن هما في صميم موضوع كتاب «أربعة إخوة، وصديق والبحث عن معنى الحياة».

الصديق الذي يقصده المؤلف في الكتاب هو «ايف» الذي بلغ الثامنة والثمانين من عمره. وكان صديقاً جداً من الأخ الراحل. كما كان يمتلك رؤية فيها الكثير من التعقّل والحكمة اكتسبهما من تجربة حياته. ومما يشير إليه المؤلف أنه في بداية عام 2011 عندما كان دافيد يسير نحو نهايته، وكان يدرك ذلك بحكم كونه طبيباً، جاءه وهو في المستشفى خبر ولادة طفلته «آنّا» لتكون طفله الثالث بعد أخويها.

 ويعود المؤلف مرّات في هذا العمل إلى بلدة «فوليت سور مير»، بالقرب من شاطئ بحر المانش، بنوع من التذكير بتاريخ أسرته. في ذلك اليوم الذي كان فيه الإخوة الثلاثة، للمرّة الأولى وحدهم بعد رحيل الأخ الكبير دافيد وقبله بسنوات قليلة رحيل الأب ــ الصحفي والكاتب والوزير في حياته. لقد كانوا برفقة أمّهم بالقرب من المقبرة التي تضم رفات ثلاثة أجيال من عائلة سرفان شرايبر.

 في المحصّلة يمثل كتاب «أربعة إخوة وصديق والبحث عن معنى الحياة»، شهادة مثيرة للحزن ولكنها في الوقت نفسه مثيرة للأمل وللتفكير العلمي والروحاني بكل ما يدور حولنا وبالمصير المشترك الذي يواجهه البشر جميعهم وبما يواجهونه من تحديات اليوم… وربما أكبر مستقبلاً، ومما يدعوهم للتضامن.

سؤال كبير ومواجهة

يكتب فرانكلين سرفان شرايبر: «كنّا أربعة إخوة، وكنّا نعيش باستمرار حالة من التضامن العميق حيث ربطت بيننا أفراح الطفولة وطموحات الشباب .. وعندما عرفنا أن الأخ الأكبر، الطبيب والكاتب مصاب بورم خبيث عبأنا جميع قوانا حتى النهاية في التحدّي الكبير الذي واجهه..دفعني ذلك الرحيل المفاجئ، رغم أنه كان معلناً، إلى مواجهة السؤال الكبير المطروح علينا حول معنى الحياة».

المؤلف في سطور

فرانكلين سرفان شرايبر مهندس ومؤرّخ وكاتب فرنسي. خريج جامعة كارنيجي في الولايات المتحدة الأميركية. يعمل في أميركا واليابان وفرنسا ويعيش حالياً في سويسرا حيث يهتم بدراسة النموذج السياسي السويسري.

https://old.booksplatform.net/ar/product/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D8%AD%D9%85%D9%89-%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%B2%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B5%D8%A8%D9%8A/

This post is also available in: English (الإنجليزية)