الوصف
يبدو فعل رمي العصافير على شجرة العائلة، فعلاً مسالماً في ظاهرهِ، يُمكن وصفهُ بفعلِ إعادة الحياة لشيءٍ ما انتهى، عائلة ميِّتة مثلاً، أو حالة فقدٍ ممتدَّة في المكان والزمان، يصعبُ ترميم العطب الذي أصابَ أصحابَها، جرَّاء حربٍ أو ضياع وطن، وخسرانِ “الكثير”، حتى يصبح “القليل” المُتبقي كلُّ ما نتمسَّك به في “عتمةٍ واضحة لنواصل السير”، أو كما تقول رشا القاسم في أحد حواراتها. وهي هنا إذ ترمي عصافيرها على شجرة العائلة، تواصلُ السير بطرقٍ أخرى، وقد حَوَّلت حياتَها كاملةً، بمساحة الحزن الممتدَّة بين الوطن والمنفى، وشغف الكتابة؛ إلى شعر.
تصرِّح رشا القاسم في نهاية قصيدتها الأولى في الكتاب:
أنا غيرُ مرئية
وهذا ما يجعلني أكثرَ عرضةً للأنظار.
لعلَّ صفة التخفي، وأن تكون رشا القاسم غير مرئية، ستمنحها أدواراً جديدة في الحياة كشاعرة، تطأ قدماها مناطق لم تختبرها من قبل، في الكتابة عن “أشياء لا علاقة لها بالوحدة”، عن “بيت يتداعى” وآخر مؤقت، وثالث سيصير سفينةً، مروراً بـ”فهرس عائلي”، وعاداتٍ سيئة، وصولاً إلى “سيرة ذاتية حافلة بالأحلام”، والتي تقول فيها رشا:
سيرتي الذاتية حافلةٌ بالأحلام
بالأشياءِ التي لم تتحقق ..
وصفحاتي فارغةٌ لولاها.
رشا القاسم هنا، تعقد صفقة علنيةً مع الذاكرة، لا علاقة للحنين فيها بشيء، بقدر ما هي وشاية مدهشة، اعترافٌ مكتوبٌ بلغةٍ مصقولةٍ، تركت على حروفها وكلماتها الخساراتُ، أثراً لا يُمحى، مثل وشمٍ لعصفورٍ جميل. كلُّ هذا الألم يتحول على يد الشاعرة العسراء، إلى أسرارٍ وُجِدت ليُفشى أمرها. لكنْ، بأي طريقةٍ تفعلُ ذلك؟ إذ قسَّمت كتابها إلى أقسام ثلاثة، تصدرتها مقولاتٌ عن العائلة، ووهم السعادة، والصمت الذي يشبه بيتاً شاسعاً يتَّسع للجميع ويضيع فيه الجميع؛ وحصَّنت عالمها الشعري، بعزلةٍ لا تخلو من صخبِ الحياة التي تمرُّ كنهرٍ بجانبِ شجرة العائلة.
في قصيدة “أشياء لا علاقة لها بالوحدة” تقول رشا:
أنا ربّةُ بيتٍ خائبة
أفكرُ بك ..
فتحترق الطبخة.
أنا ربّةُ بيتٍ مهووسة
ولّتني الوحدةُ مهاماً ممتعةً للغاية
كأن أكوي بزّاتِ أبي العسكرية
ولتتأخرَ الحربُ قليلاً، أتعمدُ حرقها !
كأن أغسلَ ملابسَ إخوةٍ سافروا
ولأجدَ مبرراً لانتظارهم
أدلقُ الماءَ عليها باستمرار.!
“أرمي العصافير على شجرة العائلة” مجموعة شعرية أولى للشاعرة العراقية رشا القاسم، صدرت في 88 صفحة من القطع الوسط، ضمن سلسلة براءات التي تصدرها الدار وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.
رشا القاسم: شاعرة عراقية. تُرجمت مجموعتها هذه، إلى اللغة السويدية. كما تمَّ تلحين بعض القصائد وغناؤها من قبل إحدى الفرق السويدية. اختيرت الشاعرة ضمن قائمة المواهب الواعدة في الأدب في السويد – حيث تقيم حالياً – لعام 2018. شاركت في مشاريع ثقافية عدّة منها “مشروع التاريخ المشترك”.