أماكن العنف

عنوان الكتاب أماكن العنف
المؤلف يورج بابروفسكي
الناشر S. Fischer Verlag
البلد ألمانيا
تاريخ النشر 2017
عدد الصفحات 272

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

This post is also available in: English (الإنجليزية)

عنف بلا نهاية

هل لنا أن نأمل في مستقبل سلمي؟ منذ عصر التنوير وضع الفلاسفة بدءًا من إمانويل كانط وصولاً إلى كارل ماركس حكي للتقدم يعد كله بتحجيم العنف. وفي العام المجدب 1939 سرد نوربرت إلياس في كتابه “عملية الحضارة” (Der Prozess der Zivilisation) قصة أحد أطوار التقدم هذه ولم يبق وحده صاحب هذه الصورة التاريخية: ففي الكتاب الذي حاز على اهتمام كبير، “العنف. تاريخ جديد للبشرية” (2011)، رد عالم النفس ستيفن بينكر مجددًا بالإيجاب على السؤال عن مستقبل سلمي حين أشار إلى تقدم تاريخي وصولا إلى اللاعنف. يريد ابن مدينة برلين يورج بابروفسكي أن ينحي هذا الوعد جانبًا في أحدث كتبه مكثفة المعلومات “مواطن العنف” (Räume der Gewalt). ومن خلال نظرة على تاريخ تجارب العنف وممارسات عنف الإنسانية الحافل والذي يمتد حتى العصر الحاضر تتثبت لنا حقيقة أنثروبولوجية بسيطة مفادها كالتالي: الإنسان كائن عنف. كما تبين التجربة التاريخية أن البشر في أكثر العصور والتراكيب اختلافًا يمارسون العنف – وأن العنف ينتج عنه دائمًا مزيد من العنف. والمستفيدون من مثل هذه المواقف التي لا تخضع فيها الأعمال الوحشية للعقوبات، يجعلونها تصبح من الأمور الطبيعية، ومن ثم لا يجب أن يكون “خبراء العنف” هؤلاء من المرضى النفسيين. فنحن وبزوال العائق الاجتماعي نجرح ونعذب ونقتل بدوافع كثيرة – ليس فقط بسبب السادية أو الرغبة في السلطة، بل على سبيل المثال أيضًا بغرض تنفيذ الالتزام. “الحضارة” هنا تؤثر في كل الأحوال ببطء ولكنها تقوي أيضًا، مثلما توضح الأعمال المتطرفة والوحشية التي تمت في الماضي القريب: فالعنف “في قدرته على التدمير (…) أصبح علامة القرن العشرين.” لا يعتقد يورج بابروفسكي في التقدم، ولكنه في الوقت نفسه ليس مُنظّر للتدهور والانحطاط : “الإنسان (…) لم يكن أبدًا إنسان آخر.”

يلعب المكان هنا دورًا خاصًا. فدائمًا وأبدًا كانت أماكن أو “مواطن العنف” تنفتح كي تواصل بث العنف والسماح به – بدءًا من الاستعمار مرورًا بمعسكرات الاعتقال وصولاً إلى المنطقة التي مزقها الإرهاب. حيث أسهمت هنا خلفية بابروفسكي بوصفه عارف بإرهاب حكم ستالين: فهو يعرف الهوات السحيقة من تاريخ العنف جيدًا ويعرف كيف يصفها بوضوح وتغلغل صادم. في تركيزه على إلحاق الألم بأحد والمعاناة منه (“إذا لم يكن هناك أحد يتألم فلن يكون هناك عنف”) يضع باربروفسكي مفهومًا ضيقًا للعنف مقارنة بعلوم اجتماع العنف الأخرى: فهو لا يريد أن يتحدث عن العنف المنظم أو الإدراكي، عن العنف دون فاعل محدد، بل يركز على كون العلاقة بين الجاني والضحية مباشرة. ليحيد بهذا قاصدًا عن الامتداد حديث العهد في مفهوم العنف – ولكنه قد يغفل كذلك وجهات نظر مهمة عن العنف في أنظمة اجتماعية معقدة تعتبر الوحشية الجسدية المباشرة أمر مكروه، بينما تسمح بأشكال العنف غير المباشرة.

بالطبع لا تتسم كل المواطن والحقب بالعنف بقدر متساوِ، مثلما يميز بابروفسكي: هناك إمكانات للنظام الاجتماعي والسياسي الذي يعيق نشأة مواطن العنف ويعاقب الوحشية استباقيًا. إلا أنه لا وجود للأمن المطلق قبل الانزلاق إلى اعتيادية العنف، لأن نُظم الأمن يمكن أن تنقلب إلى نقيضها العنيف: فقد أخفى مُنظِّر الدولة في القرن السابع عشر توماس هوبز إمكانية إرهاب الدولة، التي تصبغ القرن العشرين وحاضرنا كله دون شك.

رغم أن الكتاب غير السميك حجمًا مكتوب بأسلوب مفهوم، إلا أنه – وبسبب وضوحه – يعد كتاب مطالعة ينطوي على تحدِ: إذ يتيح بابروفسكي الفرصة لشهود على أسوأ لحظات العنف في تاريخ الإنسانية الحديث كي يتحدثوا، من روندا إلى أوشفيتس. ورغم كل هذا التشاؤم يمثل هذا الكتاب نص مطالعة يتسبب في إفاقة ويحوي استنتاجات مهمة سياسيًا. فقط عندما نعترف بالإمكانية المستدامة للأسوأ يمكننا أن نعمل على مواجهته: من خلال إحكام إغلاق مواطن العنف، حيثما تنفتح.

المؤلف:

ولد يورج بابروفسكي عام 1961، وهو أستاذ بقسم تاريخ أوروبا الشرقية في جامعة هومبولت في برلين وصدر له العديد من الكتب والمقالات عن تاريخ روسيا والاتحاد السوفيتي

This post is also available in: English (الإنجليزية)

TOP