الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
في كتابه “إمبراطوريات إسلامية”، يوجّه المؤرخ جاستن ماروزي رسالة غير معلنة للمسلمين، فيقول: “اقتدوا بالغرب لتجعلوا دولتكم عظيمة مرة أخرى”.
يتعمق المؤرخ الرحالة جاستن ماروزي في كتابه “إمبراطوريات إسلامية – 15 مدينة تحدد الحضارة” Islamic Empires: Fifteen Cities that Define a Civilization في تحليل تاريخ الأشياء العظيمة التي قام بها المسلمون في السابق.
يقدم المؤرخ البريطاني، الذي يعتبر من ألمع الكتّاب الرحالة والمؤرخين من أبناء جيله، في كتابه تاريخ 15 مدينة عربية عبر قرون الإسلام الخمسة عشر، اختارها من عصور المجد، ونذكر منها بغداد في القرن التاسع، والقاهرة في القرن الثاني عشر.
زار ماروزي جميع المدن التي يصفها تقريبًا، ويبدأ فصول كتابه من خلال التحدث إلى المحاورين الذين يعانون الاكتئاب في كثير من الأحيان بسبب الحالة التي تعصف ببلادهم. ثم يعيدنا بسرعة إلى ماضٍ مجيد، مع التركيز على بعض القصص المتفرقة.
في البداية، يتحدث ماروزي عن صديقه التونسي، الذي يشعر بالحرج، “كونه عربيًا في هذه الأيام”، بسبب الفوضى والقتال وإراقة الدماء والديكتاتورية والفساد والظلم والبطالة التي تعصف بالشرق الأوسط. وينصحه بأن يفكر مرة أخرى في وقت كان فيه المسلم العربي يحتل قمة نظام الغزاة في العالم.
يُظهر الكتاب بعض الهفوات التي وقع فيها ماروزي، والاستنتاجات الخاطئة التي ينقلها؛ إذ إن صديقه التونسي كان يشكو حكامه الفاسدين، ويطالب بمجتمع أكثر عدلًا، وليس استعادة ما أسماه بخليفة “مشهور” والعودة إلى عصر الغزوات.
يتحدث ماروزي عن مكة المكرمة في القرن السابع، المدينة التي ولد فيها النبي محمد (صلى الله علبه وسلم)، والتي غزاها في النهاية. ومثل المؤرخ توم هولاند، يلقي شكوكًا على الرواية التقليدية لأصول الإسلام، متكهنًا بأن مكة ربما لم تكن حيث بدأ الدين بالفعل.
كما اعتمدت مصادره على مؤرخين مسلمين يبالغون، لأسباب سياسية أو ببساطة لإقناع القارئ. فمن غير المرجح، على سبيل المثال، أن يكون الجنرال العباسي في القرن الثامن الميلادي قد “قتل 60 ألفًا بدم بارد”، وأن يكون هارون الرشيد ترك “4 آلاف عمامة وألف قطعة من أجود أنواع الخزف”.
يظهر الكتاب بعض التخبط الفكري، فبعد أن يشير إلى مكتبة بغداد “بيت الحكمة” وترجمة النصوص اليونانية إلى العربية، وإلى الأعمال العلمية والفلسفية المثيرة للإعجاب من الخوارزمي والكندي. يعود ليبسط السرد ليلائم الأذواق الحديثة، ويضع “رجال الدين المحافظين بعقول مغلقة” ضد “المناقشات الفلسفية والدينية والعلمية الحرة” في البلاط العباسي. ويتهم علماء الشريعة بالمساهمة في الثقافة الفكرية الإسلامية.
لعل أبرز الدلائل على هذا التخبط، عدم التطرق إلى قصة أحمد ابن حنبل، مؤسس إحدى المدارس الأربع الرئيسة في الفكر الإسلامي السني، الذي تعرّض للجلد في القرن التاسع، بعدما طرح تفسيرات عقلانية للقرآن وعارض التقليديين.
لم يجِب الكتاب عن أسئلة عدة منها: ما الذي يربط هذه العصور المختلفة؟، وهل هناك ما هو “إسلامي” في الأساس في الفتح العنيف؟، وبالنظر إلى أنه لقرون عدة بعد وفاة النبي (عليه الصلاة والسلام) عاش غير المسلمين في الخلافة أكثر من المسلمين أنفسهم، فلماذا حتى نسميها إسلامية؟، وبما أن هذه الإمبراطوريات كانت غالبًا في حالة حرب – الفاطميون مقابل الأيوبيين، الصفويون مقابل العثمانيين – وغيرها من الصراعات، فهل يمكن تجميعها معًا باعتبارها “حضارة” واحدة؟.
في سوريا القرن الثامن، كتب ماروزي عن مجتمع أقل تسامحًا وتعايشًا بين الأديان، ما يربط بتناقض مريب بين الكآبة والحرب الطائفية المرعبة اليوم. وببساطة، يمكننا القول إن فحوى الكتاب يحمل رسالة غير معلنة للمسلمين: “اقتدوا بالغرب لتجعلوا دولتكم عظيمة مرة أخرى”.
المصدر: مجلة فكر
This post is also available in: English (الإنجليزية)