الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
الجانب الآخر من اليوتوبيا
تدور رواية أوفا تيم الجديدة حول نظرية الأعراق وتحسين النسل
كان أوفا تيم في الثالثة من عمره حينما سقطت، في يوليو عام ١٩٤٣، قنابل الحلفاء على هامبورج، والتهمت عاصفة من النيران أحياء بأكملها في المدينة. تعد الأشجار الضخمة المحترقة من بين ذكرياته الأولى. كان تَوَرُطْ أخيه الأكبر، الذي انضم طواعية إلى صفوف الوحدات النازية الخاصة، وكذلك وفاته في عام ١٩٤٣ متأثرًا بجراحه، من الأحداث المؤثرة في كيان الكاتب.
عالج أوفا تيم، في روايات كثيرة، دون إثارة مشاعر عظيمة ولكن بقوة سردية هائلة، قضية النازية وقصة نشأتها. يوجه النظر إلى الجوانب المجهولة من الماضي الألماني: الحديث المتعالي عن العذاب، وصمم جيل الآباء، والمعطيات الفكرية التي هيأت الأوضاع لمرحلة النازية. يتحرى تيم، في كتابه الجديد، إيكاريا، أصول نظرية تحسين النسل وعلم الصحة الوراثية.
إن إيكاريا مكان يشتاق المرء إلى الحياة فيه، مكان تسوده المساواة والإخاء، لا ملكية خاصة، فالجميع يعمل ويتعلم ويأكل ويحتفل معًا، لكل شخص حرفته، وكل شخص قادر على نيل السعادة. هكذا على الأقل كان تصور كل من كارل فاجنر وألفريد بلوتس حينما غادرا معًا زيورخ متجهين إلى الولايات المتحدة في زيارة -امتدت عدة شهور- لجماعة الإيكاريين في أيوا. قرأ طالبا الطب والاقتصاد الشيوعيان قبلها عمل إتيان كابيه، الذي أسس أول مجموعة إيكارية، وتحمس الاثنان لأفكاره. مجتمع بلا طبقية، ومتسع من المكان، والتمتع بالصحة، أليس هذا هو الحل! ولكن اتضح أن الإيكاريين أصحاب عقول منغلقة وجبانة ورجعية؛ إذ يدينون كارل بسبب قصة حبه الرقيقة، كما يوجهون إلى الزائرين تهمة التدمير. يصر بلوتس على مواصلة مهمته من أجل إصلاح البشر.
يتناول أوفا تيم مادة تاريخية له بها علاقة وطيدة: بلوتس، الذي توفي عام ١٩٤٠، وهو في السبعين من العمر، كان جد زوجته المترجمة داجمار بلوتس. يُعد هذا الطبيب مؤسس نظرية تحسين النسل، وينسب إليه مصطلح “التطهير العرقي”. تستعرض الرواية المحيط الثقافي في هذه الحقبة الزمنية، ولكن يتيح تيم أيضًا مساحة متنوعة للمقاطعة وعرض الانعكاسات، وهو ما يجعل تناول هذا الموضوع محتملًا. يصعب تحمل خمسمائة صفحة تتناول تفاصيل النظرية العرقية، بمصطلحات مثل “اختيار عناصر للتربية”، و”الاستئصال”، و”التخلص من الكائنات التي تمثل عبئًا”. ولكن يعرف أوفا تيم إمكانات السرد جيدًا؛ لذلك لا يعطيِ الكلمة لشخصية بلوتس، غريبة الأطوار، بل لرفيق دربه المنشق كارل فاجنر، الذي يجعله يحكي عن الصداقة التي ربطته بهذا العالِم. الشخص الذي يقوم بتوجيه الأسئلة إلى شاهد العصر العجوز هو شخص عهد على نفسه الكشف عن جرائم النازية: إنه ضابط احتلال أمريكي، اسمه ميشائيل هانزن، وهو البطل الثالث للرواية. هذا الشاب الدارس للأدب، الذي يحمل في حقيبة ظهره كتبًا للكاتبين إرنست بلوخ وإيتا هوفمان، هاجر مع أسرته وهو في الثانية عشرة من عمره إلى أمريكا، وله دور تقييمي في الرواية. تجمع شخصيته بين القدرة على التفكير التحليلي، والبراجماتية الدافئة، وفضوله للتعرف على تنوع الحياة.
يتكون، إذًا، نسيج متشابك ومثير من خطوط الأحداث المختلفة والأماكن والأشكال النصية. يعقب الوصف المفصل لألمانيا المدمرة تدوينات لمذكرات يومية قصيرة ومحددة بقلم الضابط، وتختلف عنها الصور الشعرية للمشاهد الطبيعية، وتأملات في الطيور، فضلًا عن أربعة عشر محضرًا للاستجوابات. تتجلى قوة خاصة لصوت الرجل العجوز الأصلي، إذ يستطرد في حكاياته، ويدخل في متاهات الأحداث الفرعية. ندخل في تيارات فرعية حينما يتورط الأبطال في قصص الحب. تكتسب رواية إيكاريا سحرها الخاص من التناقضات المعروضة: الولايات المتحدة ويقينها من امتلاك المستقبل أمام ألمانيا وهي في حالة من الانحدار، ثوار ميونيخ الملتزمين بنموذج الجمهورية السوفيتية أمام المربين للنسل البشري في ظل الحكم النازي، إرنست بلوخ أمام شتيفان جيورجة. يستعرض أوفا تيم في رواية إيكاريا قاع المدينة الفاضلة.
This post is also available in: English (الإنجليزية)