الأقمار الساكنة

عنوان الكتاب الأقمار الساكنة
المؤلف كليمنس ماير
الناشر S. Fischer Verlag
البلد ألمانيا
تاريخ النشر 2017
عدد الصفحات 272

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

This post is also available in: English (الإنجليزية)

ربما يواجه الكاتب كليمنس ماير مشكلة تتعلق بصورته في الأذهان، وربما لا يكون هو نفسه بريئًا منها تمامًا. فقد حدث ذات مرة فيما مضى أنه أبدى ابتهاجًا مبالغا فيه، لدى احتفاله بالحصول على جائزة أدبية، كما أظهر غير مرة، بشيء من الغنج، صورة الألماني الشرقي المنفلت بعض الشيء. لذلك جاء موضوع روايته الأولى “حين كنا نحلم”، التي حققت نجاحًا كبيرًا، موفّقًا تمامًا: المهمشون، والمشاجرات، وحالة مابعد الاشتراكية، المتوحشة، في مدينة لايبزيج. كانت الصور النمطية التي يمكن للمرء سحبها من الأدراج عند الحاجة قد عفى عليها الزمن.

أما كون ماير مشتغل دؤوب ودقيق إلى درجة غير عادية، وكاتب ذو حس لغوي رفيع، فهذا ما أثبته بالفعل من خلال روايته الأولى: “في الحجر” (2013)، وبالفعل كان الموضوع هنا أيضًا موفقًا جدًا. حي البغاء، الموضوع واضح. من لازال يفكر بهذه الطريقة، فإنه أولًا لم يستمع لمحاضرة ماير الشعرية المثيرة في فرانكفورت، وثانيًا لم يقرأ مجموعته القصصية الجديدة “الأقمار الساكنة”. فهو كتاب يكاد يشعرك بأن الكاتب قد خلع سترته الواقية من الرصاص، متقدمًا إليك هكذا من دون أي حماية. في “الأقمار الساكنة”، لا يتبدى للمرء أي كاتب، غير ذلك الذي كان بإمكانه أن يتعرف عليه حتى الآن، لكن كليمنس ماير يبيّن من خلال ذلك العمل، بمنتهى الصراحة، أن خلف الصلابة ضعف بالضرورة، وأن وراء كتابته إنسانية عظيمة بالتأكيد.

مدينة لايبزيج التي لم تكن مسقط رأس ماير، بل كانت المدينة التي عاش فيها طيلة حياته، هي مسرح أحداث تسع حكايات، مقسمة إلى ثلاثة مجموعات، تسبق كلًّا منها مقدمة قصيرة. وتعد معظم القصص بمثابة مقطوعات ليلية، تحكي عن أناس يتحركون عادة تحت مستوى رادارات إدراكنا، يتسحبون فعليًا في الظلام، فهم محطمون أو مهمشون، يعانون من صدع ما، أو من غدر الأقدار، أو من شرخ في مسيرة حياتهم. أحيانًا لا يسع المرء إلا أن يتكهن؛ يظن المرء أن الأمر لابد أن يكون كذلك، وإلا فما كان هؤلاء الناس ليتقوقعوا على ذواتهم بهذا الشكل، ضائعين في عالمهم، الذي يتعين عليهم رغم ذلك أن يلعبوا دورًا فيه بشكل ما.

واحدة من أجمل قصص هذه المجموعة تحمل بعنوان “وصول متأخر”، حيث تظهر السيدة فيشر – وهي إحدى المتضررات من “التحول” في ألمانيا، كما يمكن للمرء أن يخمّن، – تقوم بتنظيف القطارات خلال أحد أوقات الدوام، في محطة السكك الحديدية الرئيسية في مدينة لايبزيج. في الآونة الأخيرة بدا أنها صارت مهمِلة بعض الشيء؛ فقد تم توجيه إنذار لها. بعد انقضاء ساعات العمل تتمشى بجوار أرصفة القطارات، إلى المحطة، تجلس في حانة، وتشرب مشروبًا تسميه “ماريا الصغيرة”؛ قهوة مع نبيذ مارياكرون. أحيانًا تنسى أن تخلع سترتها البرتقالية بعد الانتهاء من العمل. لكن أحدًا لا يهتم بذلك. تتعرف ذات يوم في الحانة على إحدى السيدات؛ بريجيتّ بتضعيف التاء، في بداية الستين، تعمل مصففة شعر؛ تقولها بالصيغة الألمانية الجادة وليس بالنطق الغَنِج للكلمة. بين هاتين السيدتين تنشأ علاقة ما؛ صداقة، ربما تشوبها مسحة إيروتيكية، لكن كل ذلك يبقى طي الغموض.

ينقل كليمنس ماير الحقائق عبر التفاصيل والمشاهدات البسيطة، وليدة اللحظة. كما أنه من اللافت كيف يمسك بمجموعة شخصياته التي تقطعت بها السبل في الليل في صورٍ صغيرة تتسم بأجوائها الشاعرية: “مرة أخرى شردتا بنظريهما، وجهت كل منهما نظرة عابرة إلى الأخرى، وإلى زجاج النوافذ، الذي كان يعكس لهما ما بداخل حانة محطة القطارات، الطاولات الأخرى والطاولات المرتفعة، وذلك الرجل السمين، الذي كان في مكان ما يعيد ملء كأس أحدهم، ذلك السمين، الذي كان يشبه مدرسًا، بنظارته المستديرة على أنفه الملتمعة بالعرق، ورغوة البيرة على الكؤوس، ورجل في الجهة الأخرى من الحجرة اتكأ على ماكينة لعبة المقامرة، ورمى المزيد من النقود، فأومضت أضواء ماكينة لعبة المقامرة الملونة على وجهه، ودخان فوق ساحة البار، ورجل كان يأكل السجق عند إحدى الطاولات المرتفعة، كان صوت الراديو منخفضًا، بحيث كانتا بالكاد تسمعانه.”

في قصة أخرى، شاب في شقة مهملة ملك سيدة عجوز – كان قد تواجد فيها بالمصادفة – يحل محل الحفيد، الذي كان مجندًا في أفغانستان. يتيهان في الليل، يبحثان عن العزاء أو عن بضع دقائق فقط من أي قاسم مشترك … من التقاسم. لقد وجد كليمنس ماير نبرة متأنية ودقيقة لقصصه، لم يكن الكثيرون يتوقعونها منه، بسبب ما ذكرناه عن مشكلة الصورة الذهنية المتكونة عنه. ولكن كلما خفتَ صوت ماير في هذا الكتاب، استطاع أن يبرز شخصياته الهامشية ويبعثها إلى النور، بشكل أكثر جلاءً.

المؤلف:
الكاتب كليمنس ماير ولد عام 1977 ، في مدينة هاله (زاله)، ويعيش في لايبزيج. وقد درس في معهد اللغة الألمانية وآدابها بلايبزيج في الفترة بين عام 1998 حتى 2003، وهو نفس المعهد الذي عمل به محاضرًا زائرًا في عام 2014. وفي العام نفسه عمل ماير أيضًا قيمًا فنيًّا للملتقى السنوي لمهرجان الأدب بمدينة ميونيخ.

This post is also available in: English (الإنجليزية)

TOP