الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
الأمير
تمت ترجمة الكتاب من خلال دار الشروق
كثيرون في العالم العربي يظنون أن هذا الكتاب وصفة للديكتاتورية والظلم ودعوة لاتباع الوسائل غير الأخلاقية للوصول إلى الحكم والاستمرار فيه. والحق أن الكتاب كما يتبين من قراءته ليس كذلك بالمرة، فهو تحليل واقعي لعوامل ضعف الإمارات وسقوط الأمراء. تحليل مستخلص من مشاهدات الكاتب وخبرته الدبلوماسية والسياسية ومطالعاته وتأملاته في التاريخ.
وسر بقاء هذا الكتاب على رأس أهم ما أُلف في بابه منذ كتابته مطلع القرن السادس عشر حتى الآن ينبع من قدرته على إلهام الساسة والملوك والأمراء ما يصلح لملكهم سواء اقتضى الأمر اتباع القوة أو اللين، الرحمة أو القسوة، الحرب أم السلم، المباشرة أم الحيلة. والكاتب في كل ذلك يعرض للمشكلة فيحدد طبيعتها ويتتبع جذورها ويستعرض أسبابها ويناقش خطورة تداعياتها ثم يقدم للأمير الطرائق المتعددة للتعامل معها، مبينا مميزات وعيوب كل طريقة، ومرجحا إحداها على ما سواها، ومعززا رأيه هذا بشواهد الواقع ودروس التاريخ.
هذا هو الكتاب إذن، وهذا هو منهجه، وسر أهميته، لا كما شاع على ألسنة بعض “الوعاظ” العرب الذين درجوا على تسطيح كل ما له علاقة بالفكر واختزاله في عبارة يسهل على العامة حفظها وإيهامهم بالاكتفاء بها كما اجتزأوا هذه العبارة ودلّٓسوا على الكاتب حينما أخرجوها من سياقها: “الغاية تبرر الوسيلة”.
لم أقرأ كتابا أُلِّف قبل خمسمائة عام وكأني أقرأ كتابا معاصرا كهذا الكتاب. أفكار منظمة، مكثفة، مكتوبة بطريقة سلسلة، مبسوطة على هيئة خلاصات تشعر أن صاحبها قضى عمره يستخلصها ويفحصها ويُمحِّصها ويُقلِّبها على شتى الأوجه حتى استوت بين يديه فقدمها للقراء بهذا المنهج وفي هذا القالب الذي التزمه في طول الكتاب من مبتدئه لمنتهاه.
ربما لم يناظر هذا في تراثنا العربي، بحسب علمي، سوى كتاب مقدمة ابن خلدون التي أشرت إليها قبل أيام، مع بعض التحرز في المقارنة، كون المقدمة فلسفة تاريخية اجتماعية حضارية، بينما “الأمير” فلسفة سياسية مكتوبة على هيئة نصائح عملية يمكن الأخذ بها وتطبيقها.
قد يدهش القارئ العربي حينما يجد ميكيافلي ينصح الأمير الراغب في البقاء في الحكم قويا عزيزا باتباع العدل والسعي نحو كسب حب واحترام الرعية، والابتعاد عن الظلم، ليس فقط لأن ذلك يتوافق والمباديء الإنسانية والأخلاق والوصايا الدينية ولكن لأنه أيضا أقرب وأقصر الطرق لديمومة الحكم. كما قد يفاجأ الذي لم يطلع على الكتاب أن ميكيافللي وهو يقول للأمير إن ثمة وسائل قد يتبعها غيرك للاستيلاء على الحكم تتمثل في قتل الخصوم وإبادة الطامعين وقطع دابر المتشككين، لكن – والاستدراك هنا لمكيافيلي – ذلك عواقبه وخيمة، وأقلها إثارة الضغائن وتوريث الأحقاد وإضمار الثأر وتحين الفرص للانتقام مما يزعزع أركان حكمك، فالأفضل لك حينئذ هو اتباع طريق الحسم مع العدل، والقوة مع الانصاف.
وعلى هذا نسج المؤلف كتابه وسلسل فصوله وأبوابه، فجاءت قراءته متعة، ومطالعته إفادة، زادهما تألقا الترجمة الرائعة لمحمد لطفي جمعة، وليس الأمر كما حاول بعض “المتدينين” ترويجه بخبث متعمد تارة وبسذاجة وسطحية تارة أخرى.
المصدر: قراءات – محمد عبد العاطي
الأمير
للمزيد من الكتب، زوروا منصة الكتب العالمية
This post is also available in: English (الإنجليزية)