الإسلاميون ومناهج التعليم في العالم العربي وتركيا وإيران

عنوان الكتاب الإسلاميون ومناهج التعليم في العالم العربي وتركيا وإيران
المؤلف مجموعة مؤلفين
الناشر  مركز المسبار للدراسات والبحوث
البلد الإمارات
تاريخ النشر 2018

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

لا يقتصر حضور الإسلاميين بأيديولوجياتهم المتداخلة على النفوذ السياسي في أكثر من بلد عربي وإسلامي، تمكنوا من بناء عمقهم الاجتماعي والتربوي وأثروا بشكل لا يستهان به في المنظومة والمناهج التعليمية، لا سيما في مقررات التربية الإسلامية والتربية الوطنية والتعليم الديني واللغة العربية. لم يأتِ هذا التأثير ليُطور المنهاج النقدي ومهارات التفكير الناقد والعقلانية، وهي من الخصائص الأولية التي من المفترض أن تنهض بها أنساق التطوير التربوي، وإنما جاء كتغلغل أيديولوجي/ ديني شديد الخطورة، نظراً لما تضمنه من أنماط خطرة احتوت على خطاب وتحيّزات تعليمية محملة بشكل مستور أو علني بالذهنية التي يفكر بها «تربويو الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية»، والقائمة على «الثقافة الدينية الإقصائية» وتعطيل الفكر النقدي وتسريب المشروع السياسي. هذا إلى جانب «المنهاج الخفي» وتأثيره في سلوكيات الطلاب، فبواسطته يستطيع المدرِّس أو الأستاذ الجامعي نشر الأفكار الأيديولوجية التي يؤمن بها، والبعيدة كل البعد عن الأولويات التعليمية.

يتناول كتاب المسبار «الإسلاميون ومناهج التعليم في العالم العربي وتركيا وإيران» (الكتاب الثالث والثلاثون بعد المئة، يناير (كانون الثاني) 2018) أحد أهم القضايا المرتبطة بالأدوار التي اضطلعت بها حركة الإخوان المسلمين المصرية وفروعها، والجماعات الإسلامية الأخرى في التعليم, داخل المدارس والجامعات الحكومية والخاصة.

شملت الدراسات عدداً من الدول العربية وناقشت «الانقلابات التعليمية» على التعليم العلماني التي بدأ بها حزب العدالة والتنمية التركي منذ وصوله إلى السلطة عام 2002، آخذاً بالاعتبار مدارس الداعية الإسلامي فتح الله كولن، وراصداً المناهج التعليمية في إيران بعد ثورة 1979. لقد أولى الكتاب أهمية لـــ«قيم المواطنة والديمقراطية وتحدياتها في مناهج التعليم في العالم العربي»، مطالباً بالوقاية من التطرف من خلال إصلاح مناهج التعليم.  

إذا اعتبرنا أن المناهج وطرق التعليم تنطلق من فلسفات تربوية حديثة، فإن ما يعتمد عليه «تربويو» الإسلام السياسي في أساليب تدريسهم وخلفياتهم الذهنية، إنما أتى ليكرس التطرف والغلو الديني خصوصاً في مقررات التربية الإسلامية، مما يقود المجتمعات لأزمات نائمة ويهدد الانسجام المجتمعي خصوصاً في البيئات التعددية؛ حيث يرفض «الإسلاميون» عبر المناهج التي أسهموا فيها في أكثر من دولة عربية وإسلامية، وجود الآخر المختلف مذهبياً ودينياً، فيربون الأجيال والطلاب على «ثقاقة اللون الواحد» التي ترفض النظر إلى التعدد، كجزء أصيل من ثراء الإسلام والديانات. غير أن المشاكل المعقدة التي يُثيرها دور الإسلاميين في مناهج التعليم، لا تتعلق بمقررات التربية الإسلامية أو التعليم الديني فحسب، إذ امتد حضورهم إلى مقررات اللغة العربية وعلم الأحياء والفيزياء، وهذا ما يمكن ملاحظته في التجربتين التركية والمصرية. أشارت إحدى الدراسات المعنية بالحالة التركية إلى مخاطر «المنهاج المضمر»: تم استبعاد مبادئ العلمانية من المناهج، والإشارة إلى مبادئ الإسلام مثل: الجهاد، ودار النعيم، والاستقرار، والإرادة الوطنية، مع تطهير الكتب المدرسية من «الداروينية ونظرية التطوّر».

 تُعد تجربة الإخوان المسلمين في مصر على صعيد التأثير في مناهج التعليم الأقدم تاريخياً. استطاعت الجماعة –بالإضافة إلى السلفيين- قبل وصول محمد مرسي إلى سدة الرئاسة، توطيد قوتها في وزارة التربية والتعليم والمدارس والجامعات المصرية. وبعد نجاح «إسلاميي مصر» في التمكين السياسي، الذي لم يدم طويلاً، سعوا إلى قلب المنظومة التعليمية ضمن الأطر والمقررات والأنساق التي تتواءم مع مشروعهم السياسي؛ «فالتعليم عملية سياسية كما أن السياسة عملية تربوية».
فما إن وصلوا إلى الحكومة إثر الانتخابات الرئاسية التي أعقبت «ثورة 25 يناير» 2011، حتى بدؤوا بـــ«أخونة التعليم» بهدف التأسيس لجيل جديد يؤمن بأفكارهم عبر التربية والتعليم، واستبعاد قيم المواطنة والديمقراطية والتعايش مع الآخر. تطرق الكتاب إلى «الإسلاميين ومناهج التعليم في الأزهر» حيث جرى التنافس بين مناهج المؤسسة الأزهرية التقليدية والمناهج التي حاول الإخوان والسلفيون فرضها، وذلك في ضوء الجدل الدائر حول جذور التشدد والتطرف في بعض المناهج الأزهرية ومسؤولية أي جهة عنها.

إن الوضع في الأردن ليس أقل خطورة؛ فمنذ الخمسينيات سيطر الإسلاميون على النظام التعليمي، ففي عام 1970 استلم منصب وزير التربية والتعليم أحد رموزهم: إسحق الفرحان، كما سيطروا على مديرية المناهج التي تشرف على إنتاج المناهج والكتب المدرسية. لقد خاض «حزب جبهة العمل الإسلامي» حرباً ضد كتب 2016 المعدلة، وتحديداً كتب «التربية الوطنية» التي ربطت جميع القيم بأصول إسلامية، ومن بينها التسامح والكرم، فقد رأى أن هذه التعديلات مساس بتراث المجتمع وقيمه، واعتبر أحد رموز الإخوان «أن تغيير الكتب هجمة مقصودة ضد الإسلام».

درس الكتاب منهاج التربية الإسلامية في مدارس حزب الله محلِّلاً ما ورد في مقرراتها، ومشيراً إلى تلازم (مفهوم «التربية» في منهاج التربية الإسلامية المعتمد في شبكة مدارس «حزب الله» مع مفهوم «التعبئة» التي تشدد على عنصري الهوية الدينية- المذهبية، والتعبئة السياسية- العسكرية، وتوظف لهذه الغاية مختلف الأدوات المعرفية وأساليب التدريس والتقنيات الحديثة، وتحشد طاقات حيوية لاستثمار العلم والتكنولوجيا والمختبرات وغرف الحاسوب، وغيرها من المعدات السمعية والبصرية، بما يحقق تشبيكاً متكاملاً بين النشاط الصفي واللاصفي لإحداث التعبئة والتغيير المطلوبين في عقول التلاميذ).

وربما تكون الحالة السعودية الأكثر تعقيداً. تمكن الإخوان المسلمون الوافدون من مصر إثر صداماتهم المتكررة مع النظام الحاكم من بناء «سلطة تعليمية دينية» وتغلغلوا في التعليم السعودي في فترات مبكرة تعود إحداها إلى عام 1961 مع تأسيس الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، «حيث كانت حصة الإخوان كبيرة، وازدادت مع الوقت لتشمل مواقع أخرى كجامعتي الملك عبدالعزيز وأم القرى وغيرهما».

أثار التعليم الديني في تونس جدلاً بين العلمانيين والإسلاميين. سعى الكتاب إلى تظهير هذا الجدل من خلال مجموعة من المحاور من بينها: دراسة حالات تثبت الإرباك الحاصل حول الأنموذج الاجتماعي والتعليمي المنشود، تحليل الخلفيات الثاوية، وصلة موضوع التعليم الديني بمختلف الأنساق والبنى النفسية والرمزية والذهنية والسياقات العالمية.

في الحالة التركية عمل معدو المناهج التعليمية الجديدة للمدارس الإعدادية والثانوية عام 2017 على «تزويد كل الطلبة في كل مستوى بثقافة عامة مليئة بوجهة النظر الإسلامية المحافظة»، وتقديم محتوى ملائم في المناهج عن طريق الكتب الدراسية والمناهج الخفية والتطبيقات التعليمية. نُقّحت بعض مجالات الموضوعات مثل دروس الدين، والتاريخ، وتعليم القيم وعدّلت لتتوافق مع النهج الجديد المحافظ.

وملئت مناهج الصفوف المدرسية بموضوعات مثل القدرية، والاستكانة، والولاء للمجتمع التركي والعضوية فيه، والقومية الصارمة والدولة القومية، والإرادة الوطنية، وبعض المُثُل الثقافية العثمانية المهمة. واستكمالاً، درس الكتاب استراتيجية التربية والتعليم في مدارس فتح الله كولن التي تقودها حركة «خدمة»، على الرغم مما تعرضت له من حملات إقفال داخل الأراضي التركية ودول أخرى على خلفية اتهام زعيم «الإسلام الاجتماعي» بتدبير انقلاب ضد الطبقة السياسية الحاكمة، قارئاً حضور «هذا الكيان الموازي» كبنية تربوية لها قوة الرمز التربوي والسياسي.

أما في إيران فقد تم التركيز على تأثير الثورة الإيرانية في التعليم، وانعكاساتها في عناصر العملية التعليمية من حيث الفلسفة والأهداف والمناهج وسياسات القبول بالجامعات وما أنتجته «الثورة الدينية» من مؤسسات تسمح لها بأسلمة التعليم بما يتماشى مع سياسات الدولة. واهتم الكتاب بالنشاط الإسلامي في الجامعات الماليزية وسعت إحدى الدراسات إلى إظهار التساؤلات التي يُثيرها التعليم الديني الإسلامي في أوروبا ومساهمة الإسلاميين فيه، انطلاقاً من إشكالية أساسية: هل ستجبر التعددية في أوروبا الإسلاميين على تغيير موقفهم من الآخر الديني عبر إطلاق ورشة إصلاح في منهاج التربية الإسلامية؟

جاءت دراسة «قيم المواطنة والديمقراطية وتحدياتها في مناهج التعليم في العالم العربي» كرد علمي على الرؤية الأيديولوجية للإسلامويين التي تستند إلى مبدأ اللون الواحد، فهم لا يؤمنون بقيم الديمقراطية –على الرغم من أنهم، وهنا المفارقة، أكثر من نظّروا حول هذا المفهوم- كما أنهم ضد المواطنة لأنها كمفهوم حديث تتنافى مع الدولة الإسلامية. جاءت هذه الدراسة بمثابة تقديم قراءة لأهمية تضمين المناهج التعليمية في العالم العربي لمفاهيم الديمقراطية والمواطنة ضداً من المناهج التي يروج لها الإسلاميون في مقررات التعليم الديني والتربية الوطينة التي تعتمد مقاربة إقصائية للآخر.

في الختام، يتوجه مركز المسبار بالشكر لكل الباحثين المشاركين في الكتاب، ويخص بالذكر الزميلة ريتا فرج، التي نسقت العدد، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهدها وفريق العمل.

(مركز المسبار للدراسات والبحوث)

TOP