الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
بزادي سميث مؤلفة “الأسنان البيضاء”(White Teeth)، دأبت على كتابة القصص القصيرة مذ كانت طالبة في الجامعة. ويمثّل “الاتحاد الكبير” (Grand Union) الذي يضم 19 أقصوصة، أول إصدار فعلي لها في ذلك الشكل. وفي كتاب “الاتحاد الكبير:، تُعبّر سميث عن خفة دم لاذعة تظهر جلياً في حوارات القصص، كـ”تُحوّلين كل شيء إلى مأتم” تقول فتاة مراهقة لوالدتها في افتتاحية القصة التي تحمل عنوان “جدلية” (Dialectic). وكذلك تبرز مهارة عالية في تركيب حتى أقلّ الشخصيات أهمية. وفي رواية “الآنسة أديل وسط المشدّات” (Miss Adele Amidst the Corsets)، تصف سميث تحرّكات مساعدة قسم المبيعات “المنفعلة” بالمرتخية والغاضبة كتحرّكات السجين خلف القضبان. لم يعد “لأيّ شيء معنى” بنظر الآنسة أديل الرّجعية التي ضاقت ذرعاً بأبناء الألفية الجديدة. وكذلك تسخر من أخيها التوأم ديفين الذي يتمحور وجوده حول “ثلاثة أطفال وكلب من فصيلة “لابرادور” وشعار “لا تجزعوا… إنّها عضوية!”. وبفضل أسلوبها التهكمي الساخر، تنجح سميث مرّة بعد اخرى في إمتاع القراء بموضوع كل أقصوصة، مهما كان قاتماً.
وفي أقصوصة “الأسبوع الكبير” (Big Week) التي تتمحور حول شرطيٍّ أميركيّ موصوم يُدعى مايك ماكراي، تظهر حقيقة ذلك الرّجل الفاسد عبر الأفكار الثاقبة التي تُعبّر عنها الكاتبة في خاتمة قصيرة ونافذة. وفي مقطعٍ مؤثّر، تتطرّق ماري، ابنة الـ56 عاماً، إلى موضوع الأسرة ورعايتها والسبب الذي دفع بها إلى ترك زوجها. “بدأ الزمن يُعيد بناء نفسه بحذرٍ حول جسدها المكسور، فشعرت برغبة جامحة في المكوث لوحدها مرة أخرى”، تكتب سميث. وفي قصة أخرى بعنوان “كلمات وموسيقى” (Words and Music)، تُخبر سميث عن سيدتين عجوزتين “عاشتا فترةً طويلةً متحررتين من رجالٍ لا نفع لهم”.
وعلى امتداد سلسلة قصص “الاتحاد الكبير”، تُلقي سميث عيناً فكاهية وغير عاطفية على شخصياتها. ونلمس الخوف من الكهولة يتسرّب إلى “التربية العاطفية”. وفي “المحطة التالية كانونبيري. المحطة التالية انقطاع الطمث، وبعدها وداعاً لملابس الجينز”، تفكّر مونيكا أثناء ركوبها القطار. والمميّز في أسلوب سميث الساخر أنها تُولي التوقّف عن ارتداء الجينز أهميةً كبرى وتجعله في مصاف نقطة اللاعودة. إنها كاتبة منسجمة تماماً مع تعاسة حياة هذا العصر عِبْرَ إلقائها بقعة ضوء على البالغين الذين يتحملون أعباء قروضهم الدراسية أو من خلال تناولها مدمني وسائل التواصل الاجتماعي “المُرهقة” الذين لا ينقطعون عن التذمر.
ومع الانتقال إلى أقصوصة “النّهر الكسول” (The Lazy River) الخالدة، نراها تُفّند فوضى البريكست (“قمر العام 2017 الذي ينمّ عن سوء نيّة”) في إطارٍ ممتع ولاذع عن الانقسامات الطبقيّة التي تظهر جليّة في حزم العطلات السياحية إلى إسبانيا. إذ نلحظ أنّ تلك الأقلية التي تُحذّر أطفالها من الإكثار من تناول رقائق البطاطس المقرمشة وتضع على أجسامهم كريمات واقية عالية الفعالية، تسبح عكس التيار لكنّها مع ذلك لا تفلت من سخرية سميث المضحكة. “حتى وهم في الماء يُحافظون على بعض الفروقات. لن يرقصوا الماكارينا”، بحسب الراوية.
يُذكر أنّ سميث اللندنية تكتب دائماً بطريقة مثيرة للاهتمام عن مدينتها. وفي روايتها الأخيرة البسيطة بعنوان “الاتحاد الكبير” التي لا تتخطى الـ930 كلمة، نلمس محاولتها استكشاف العواطف العائلية على خلفية ما حدث في قناةٍ قريبة من “لادبروك غروف”.
ومن بين الحكايات جميعها، “القضاء على كيلسو” (Kelso Deconstructed) هي الأكثر حزناً. وفي إطارها، تُذكّر والدة الكاتبة، إيفون، ابنتها بجريمة قتل مهاجر من أنتيغوا يُدعى كيلسو كوشران (32 عاماً)، طعناً بسكين على أيدي مجموعة من الشّبان البيض في “نوتينغ هيل” في مايو (أيار) من العام 1959. وآنذاك، خرج هؤلاء الشبان إلى الشارع لإثارة المتاعب لـ”ذوي البشرة الدّاكنة”. وبحسب سميث، كان اليوم الأخير لكيلسو الذي انتهى في “مستشفى سانت ماري” في بادينغتون، مؤثراً جداً وحزيناً.
“لم يكن لدى كيلسو أفكاراً أخيرة”، تكتب سميث. وستوثّر تلك المجموعة اللامعة من القصص القصيرة فيكم حتماً، وتمنحكم الكثير لتُفكّروا فيه.
يصدر كتاب “الاتحاد الكبير” عن دار “هاميش هاميلتون” (Hamish Hamilton) للنشر بسعر 20 جنيهاً إسترلينياً.
This post is also available in: English (الإنجليزية)