الانفجار السوري الكبير: الحرية والكرامة بين مخالب المفترسين

عنوان الكتاب الانفجار السوري الكبير، الحرية والكرامة بين مخالب المفترسين
المؤلف منير شحود
الناشر دار ميسلون للطباعة والنشر والتوزيع
البلد تركيا
تاريخ النشر 2018
عدد الصفحات 268

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

مقدمة المؤلف:

الكتابة عن الحدث السوري الفريد والمأسوي ليست سهلة؛ بسبب كثرة تداخلاته وتعقيداته والمآسي التي نجمت عنه وما زالت تتتابع، غير أن ذلك يجب ألا يفقد الكاتب، وهو يخطو في حقل ألغام المحنة السورية ودروب متاهاتها، أن يحاول رؤية صورة حياتنا بتجرُّد، بتفاصيلها الصغيرة وشموليتها، وتفاعلات العوامل التي أوصلتنا إلى تلك الهاوية، على رأسها الاستبداد، وفي خلفيتها تراكمات من العجز والخيبات والاستسلام والفشل واجترار التاريخ، بحيث يمكن لكل مستغل ومستبد وفاجر أن يجد ما يحتاج إليه لينمو كنبتة ضارة عملاقة في رحم المجتمع.

لم أفكر بكتابة هذا الكتاب إلا بعد أن فقدت الأمل القريب بأي عمل مجدٍ على صعيد السياسة، ورأيت أن الأمور تجري في مسار لم يكن أكثر المتشائمين منا يتوقعونه، وقد اجتمعت العوامل كلها، أو تصادفت، لتفتك بأهم حدث في تاريخ سورية؛ محاولة عفوية لاستعادة الحرية والكرامة، والوقوف في وجه سلطة مستبدة جعلت الخوف ظلًا للسوري أينما كان، وحيثما ارتحل، فكان لا بد لي من تقديم هذه الشهادة الممزوجة بالدمع والدم، علّها تسهم في فهم ما جرى، ودور مختلف العوامل في إيصال الأحداث إلى ما وصلت إليه.

مهما يكن، ليس التاريخ خطًا مستقيمًا، فيه تتداخل المؤثرات وتختلط، تتعارك الأسباب والنتائج، ذلك كله في مسار لا يمكننا القفز فوقه أو خارجه. بوصفنا كتابًا وباحثين، نحن جزء منه، ونمثل دورنا على مسرحه الواسع، ومدعوون لاستجلاء الوقائع والتفاصيل، وبناء قاعدة معلومات تاريخية يمكن البناء عليها في المستقبل.

قدمت في هذا الكتاب نموذجًا ما في الكتابة، حاولت أن يشبه الحياة ذاتها بتنوع تجلياتها، وكيف عشنا الحدث ونعيشه، حيث تختلط المذكرات الشخصية والذكريات العامة والمشاعر والتحليلات السياسية في كل معًا، ويبقى الحكم على هذه التجربة رهنًا برأي القراء وتفاعلهم.

إن استمرار المأساة يصعِّب على الباحث، المتأثر مباشرة بما يجري، من أن يفكر بعقل بارد، وهو أمر ضروري للحكم على الأحداث بموضوعية وخارج نطاق الانفعالات التي ميزت الحالة السورية بصورة عامة؛ بسبب كم الاحتقان المتراكم نتيجة منع التعبير عن الرأي، إلا من منفذ تمجيد السلطة والدعاية لها، ما أدى إلى تنميط أفعالنا أو ردود أفعالنا، وفتك بأي ممارسة إبداعية وعلى الصعد كافة، فتحولت سورية التي كانت بلدًا واعدًا في الخمسينيات، إلى ضرب من معسكر اعتقال سياسي جماعي لأكثر من نصف قرن.

لم تمض عدة أشهر على الانتفاضة السورية حتى أضيفت إلى عامل الاستبداد السياسي عوامل شتى لم تكن لتعبر عن نفسها من قبل؛ مجمل الانتماءات السابقة وفي مقدمتها الانتماء المذهبي، ما ترك حيزًا محدودًا لأي فكر عقلاني وسط ضجيج الانفعالات التي ما لبثت أن تسلحت، وتلقت مزيدًا من الزخم الخارجي، وما لبث أن صار جزءًا من المشهد الداخلي السوري، وبات يحتل مكان الصدارة، ويمسك بخيوط اللعبة كلها بعد أقل من سنتين من اندلاع شرارة الحدث.

هذا الكتاب محاولة متواضعة للحكم بموضوعية على مسار الأحداث، إذ يحتاج الحدث السوري إلى عشرات المجلدات للإحاطة بتفاصيله، ومتابعة العوامل المؤثرة فيه؛ الاستبداد، العسكرة، الأسلمة، المعارضة التقليدية، العوامل الإقليمية والدولية، دخول الإرهاب على خط الثورة، فضلًا عن حركيات الثورة ذاتها، وهذا ما يتطلب استقرارًا معقولًا ما زال غير متوافر حتى تاريخه.

تحضر التفاصيل الإخبارية في الكتاب بقدر ما تخدم تحليل الحدث، والرجوع إلى الماضي، القريب والبعيد، ضرورة يفرضها استمراره وعميق تأثيره في الحاضر. كما احتاج الأمر وما زال، بسبب التسارع التاريخي بعد ركود مديد، إلى إجراء تعديلات مستمرة لمتابعة “الفيضان السوري” من زوايا مختلفة. لعل ذلك هو أصعب ما يواجهه متابع الحدث، حتى لا تتحكم به وجهة نظر واحدة ناجمة عن حكم أيديولوجي مسبق أو انحيازٍ سافر، وقد أصبح الواقع، منذ اللحظة الأولى لاندلاع الانتفاضة، عصيًّا على مطلق أيديولوجيا للإحاطة به.

من جهة، قد تتمثّل نقطة ضعف الكتاب في بانوراميته، ما يجعل خطوط الأحداث فيه تتقاطع وتنقطع بصورة فوضوية، ويفضي إلى إهمال كثير من الأحداث والوقائع أو ابتسارها. من جهة ثانية، قد تبدو هذه المزية جيدة من حيث أنها تنتقل بالقارئ بين الذكريات والوقائع والتحليل، فلا يعتريه الملل.

تحتل الشهادات الحية حيزًا بسيطًا من الكتاب، لكنها تعبر بصورة مكثفة عن بعض المنعطفات المهمة في مسار الأحداث. تطرق الكتاب أيضًا إلى دور المرأة والانعكاسات المدمرة في حياتها، والمسؤوليات الملقاة على عاتقها في أثناء الحرب وبعدها، والفرص المتاحة لتعبر عن ذاتها وتتحرر من ربقة التقاليد الظالمة. كما تضمن أحد الفصول واقع تحليلا لواقع قوى اليسار والفرص الممكنة لإعادة تشكيل المفهومات والتحالفات والقيم المتوافقة مع حقوق الإنسان والتقدم التقني المتسارع.

لا شك في أن الكثير كُتب في ما جرى في سورية، لكن المزيد لم يكتب بعد أيضًا، ومنه ما دار في الكواليس والاجتماعات الخاصة، خاصة بالنسبة إلى عمل المعارضة، ووقوع كثير من أفرادها وتجمعاتها في فخ ألاعيب الاستخبارات الدولية، ما يساعد في اكتشاف أسباب الفشل الذريع في استشراف سير الأحداث واستنباط استراتيجيات جديدة للعمل. لقد كشف الحدث السوري عن أزمة عميقة في سياسة المعارضة التقليدية، وعرّى عجز قوى اليسار وهامشها الاجتماعي الضيق، لأسباب ذاتية ناجمة عن عدم تجاوز الفكر العقائدي، وموضوعية تتعلق بتحالف الاستبدادين السياسي والديني، وتضييق الخناق على الفكر الحر.

على الرغم من ذلك، فقد الزخم السياسي الإسلامي كثيرًا بعد هذه السنوات السبع، واحترقت أوراقه واحدة بعد الأخرى كاستبداد بديل، نظرًا إلى فواته التاريخي، وسعيه للوصول إلى السلطة بالوسائل كافة، وفي مقدمتها العنف والإرهاب، مستغلًا فوضى ثورات “الربيع العربي”، فتحول إلى كابوس جديد، وحطم ما بقي من آمال في الحصول على الحرية وبناء مجتمع ديمقراطي حديث، ما يمهد الطريق للخلاص من كل استبداد والتفكير بطريق الخلاص الوحيد؛ دولة القانون والمواطنية.

المؤلف

منير شحود
من مواليد دريكيش- طرطوس- سورية 1958
دكتوراه في الطب من جامعة دمشق، ودكتوراه فلسفة في الطب عام 1989/ سانت بطرسبورغ/ روسيا/ اختصاص تشريح الإنسان
مدرس في عدة جامعات سورية وعربية.
مؤلف ومترجم لعدد من الكتب العلمية والثقافية

TOP