الوصف
البحث العلمي مناهجه وطرائقه عرض وتطبيق
يسعى الإنسان بفطرته، حتى في حياته البدائية، إلى تعلم ما يواجه به مشكلات حياته والتغلب على قوى الطبيعية القاهرة. وإذ كان السعي إلى العلم في المجتمعات البدائية يتسم بأنه نشاط فردي، يقوم به أفراد معدودون جدا، وفي نطاق ضيق، فإنه بتطور الحياة وتقدمها، صار الإنسان يتوارث الخبرة العلمية، فتنتقل بين الأجيال، بعد شيوع الكتابة والتدوين، وتتطور بالتراكم، خلال هذا التنقل، فصار طلب العلم والنشاط العلمي بعامة ظاهرة ذات سمة جماعية، ولم تعد مقصورة على أفراد معدودين.
ولقد جاءت الرسالات السماوية هادية للبشر، لكي لا يضلوا الطريق، عن طريق التعلم والعلم بالأشياء، لكي يهتدوا بها إلى الصواب. وكان الدين الإسلامي الحنيف، في كثير من آياته، أكثر الأديان توكيداً على طلب العلم والحث عيه.
بل إن ذلك جاء في أول ما نزل من آياته
وعلى هذا النهج القويم جاء توجيه الرسول محمد صل الله عليه وسلم، في حديثه: “طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة”. ومنذ أن استقر العرب وشرعوا يبنون دولتهم، بدأ علماؤهم يخطون خطواتهم الجادة في طريق العلم والمعرفة، وكانت لهم مساهمات مشهودة في طلب العلم واصطناع مناهج مناسبة تطورت بتعاقب الأجيال، على نحو ما حصل في جمع الحديث وتمحيصه، والمنهج الذي اتبع فيه. وما تركه العلماء العرب طوال حقبة النشاط ، وهذا يؤكد بوضوح أنهم قطعوا أشواطاً مهمة في معرفة أصول مناهج البحث العلمي القائم على الملاحظة والتجربة والتأمل والتفكير العلمي المنظم، واتباع أساليب الاستدلال والاستنباط والاستقراء والاسترداد وسواها من المناهج في مباحثهم، وأنهم لم يكتفوا بالتجربة والخطأ وما شجره من هدر في الوقت والجهد والمال.
إن ما بلغته الدولة العربية العباسية من تقدم حضاري، وما ساد فيها من علوم وقام فيها من مدارس، هو حصيلة ما بلغه البحث العلمي من مستوى يؤهل لمثل هذه النهضة الحضارية.
هكذا كان أثر العلم ومناهجه ووسائله في تقدم أمتنا على كل الصعد الحضارية والثقافية والأدبية والعلمية والعمرانية.
غير أن قرون التخلف الستة التي عانى منها مجتمعنا جراء انهيار الدولة العباسية، بفعل الاحتلال والتسلط الأجنبيين، قضت أو كادت على كل مظاهر التقدم، وعطلت مسيرة العلم، في الوقت الذي نشطت فيه عوامل النهضة في الغرب مستفيدة مما خلقه العرب من إبداع علمي حتى بلغت اليوم الذروة على مختلف صعد الحياة.
وإذ تزداد الهوة التي تفصل مجتمعنا العربي اليوم عن ركب العلم والتقدم العالمي، في ظل ما يمر به العالم المتقدم من ثورة علمية وما يشهده من وثبات هائلة في مجال التكنولوجيا، يصبح لزاماً علينا العمل الجاد بكل ما نستطيع من قوة لردم هذه الهوة، أو لإيقاف اتساعها في الأقل، وذلك بالعمل على تسييد العلم على كل أنشطتنا التعليمية والاجتماعية والاقتصادية، والأخذ بأسبابه ومناهجه وتنشيط البحث العلمي في مجتمعاتنا وإطائه الأولوية في خططنا وبرامجنا.
فالبحث العلمي الذي نعول عليه في إحداث النهضة المطلوبة، وثيق الصلة بحياة المجتمعات ومستواها الحضاري والثقافي وتقدمها العلمي.
وأبسط تعريفات البحث العلمي نحده بمجموعة الخطوات التي يتبعها الباحث للكشف عن حقيقة جديدة بعينها يجهلان بقصد حل مشكلة يواجهها.
وللبحث العلمي طرائق متعددة وطرق متنوعة سلكها الباحثون والعلماء للوصول إلى الحقائق المنشودة منذ القديم، وتبلورت بالتجربة والممارسة على هيئة قواعد وأصول وأساليب يعتمدها الباحثون، تسمى المناهج أو مناهج البحث العلمي، ومفردها منهج، وهو لغة :الطريق والسلوك، فهو مصدر مشتق من الفعل نهج بمعنى سلك أو اتبع أو طرق، أما المنهج في الاصطلاح، أو في سياق(مناهج البحث العلمي): فيعني الطريق الذي ينبغي للباحث إتباعه في تقصيه للحقائق العلمية في أي فرع من فروع المعرفة.
وإذا كان التقدم الحضاري رهنا بتبني العلم والبحث العلمي ومناهجه وأساليبه وتقنياته، فما أحرانا إذا أن نتبع هذا السبيل لخطو بجد نحو مستقبل أفضل لتقليص الهوة بيننا وبين ركب التقدم العلمي العالمين الذي تنطلق خطواته نحو آفاق مذهلة من الاكتشافات والانجازات.
وإذا أردنا أن نشرع في اتخاذ خطوات عملية وعلمية في هذا المضمار، فإن خير وسيلة نراها أن نسعى ما وسعنا في هذه المرحلة العلمية غلى توفير وسائل نشر المعرفة العلمية، ووسائل البحث العلمي والتدريب على إتباع مناهجه، وفي مقدمة هذه الوسائل الكتاب المنهجي الذي نسعى بوساطته إلى تيسير المعرفة في هذا الحقل العلمي، وقد لاحظنا غياب الكتاب المناسب رغم وفرة المؤلفات في البحث العلمي ومناهجه، لكنها ليست موجهة لهذه المرحلة العلمية، لذا بادرنا إلى وضع مؤلف مناسب ينبني على نظرة تربوية تتحرى البساطة دون تفريط بالمعرفة العلمية.
وفي هذا الكتاب كالذي بين أيديكم، من المعلومات والتطبيقات والأمثلة والإرشادات ما يوفر حصيلة من المعارف والمعلومات تهيئ للطالب ما يمكنه من إنجاز بحوث تكافئ مستواه، وما بعده للمراحل العلمية القادمة، وبخاصة في دراساته العليا التي تقوم على البحث وعمل الرسائل،فضلاً عما يؤسس له من قاعد معرفية قابلة للتطور يواجه بها متطلبات البحث الجاد، بعد تخرجه وانخراطه في سوق العمل والإنتاج والبناء.
وليس من عمل لا يعتروه النقص ويشوبه بعض الوهن، فالكمال غاية لا تدرك، ومن ثم، فإننا حريصون على أن نستفيد من ملاحظات طلبتنا الأعزاء، فالكتاب ومادته موجهان لهم، وآراء زملائنا الأساتذة لتلافي ما نجده في صالح العلم من نقص أو وهن.
البحث العلمي مناهجة وطرائقة عرض وتطبيق
للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية