الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
البرازيل: 1964-1985
الأنظمة العسكرية لأمريكا اللاتينية في الحرب الباردة
يتضمن كتاب البرازيل 1964-1985 (Brazil, 1964-1985)، الصادر مؤخراً عن مطبعة جامعة ييل (Yale University Press) بأمريكا، دراسة هامة للتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها البرازيل خلال حكم النظام العسكري الذي استمر لمدة عشرين عاماً إبان الحرب الباردة.
وكانت الثورة الكوبية عام 1959 قد سببت مخاوف قوية مناهضة للشيوعية في الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، وفي السنوات التي أعقبت ذلك، أطيح بالحكومات في جميع أنحاء أمريكا الوسطى والجنوبية عن طريق انقلابات عسكرية مدعومة من الولايات المتحدة، وبحلول عام 1977 لم يتبق سوى ثلاثة قادة منتخبين ديمقراطياً في جميع بلدان أمريكا اللاتينية.
هذه الدراسة تم كتابتها عن طريق المؤرخ “هربرت كلاين” (Herbert S. Klein)، والاقتصادي البارز، “فرانسيسكو فيدال لونا” (Francisco Vidal Luna), وقد أوضحا فيها كيف أن الحكام العسكريين في البرازيل قد غيروا بعمق في البنية الاقتصادية والسياسة في البلاد، وأيضا في ثقافة المجتمع خلال عقدين قضوهما في السلطة، كما يوضحا مدى التأثير الدائم لهذه التغييرات على المجتمع بعد استعادة الديمقراطية من جديد.
الكتاب به مقارنة وتباين للتاريخ، ويشمل أيضاً برامج وأساليب وأهداف الحكم الاستبدادي أثناء الحرب الباردة في البرازيل وعلاقته مع الأنظمة العسكرية في بيرو وتشيلي والأرجنتين وبوليفيا وأوروغواي.
المؤلفان “هربرت كلاين” و”فرانسيسكو فيدال لونا” يقدمان تحليل مفصل ورائع عن التجربة البرازيلية من 1964 إلى 1985، وهى فترة من أحلك وأصعب فترات في تاريخ أمريكا اللاتينية.
البرازيل فى ظل الحكم العسكري
استحقت البرازيل خلال الربع قرن الأخير أن تكون مصدر إلهام لليمين واليسار معًا! بالنسبة لليمين، دأب صندوق النقد الدولي منذ أوائل الثمانينات على اعتبار البرازيل نموذجًا يحتذي للتنمية الاقتصادية في العالم الثالث، وراح يطلق وصف “المعجزة البرازيلية” على نمط النمو الذي تحقق في البرازيل منذ الانقلاب العسكري في 1964 – وذلك على الرغم من (أم ربما تحديدًا بسبب؟) الطابع الشديد القسوة والدموية لجنرالات البرازيل اليمينيين.
فقد اهتزت الأرض بشدة تحت أقدام جنرالات البرازيل تحت تأثير الإضرابات الجماهيرية التي اندلعت في أواخر السبعينات، تلك الإضرابات الجماهيرية التي أفرزت حركة نقابية قاعدية مناضلة، كما أنتجت حزبًا عماليًا جماهيريًا راديكاليًا أستطاع (رغم نواقصه) أن يتجاوز التراث الشعبوي لليسار البرازيلي.
مقدمات الحكم العسكري:
عندما استولى الجنرالات على السلطة في 1964 كانت هذه المرة الخامسة خلال 75 عامًا التي “”تتدخل” فيها القوات المسلحة في السياسة البرازيلية، إلا أنها كانت المرة الأولى التي يسفر فيها انقلاب عسكري من فترة طويلة نسبيًا من الحكم العسكري في البرازيل.
ومع ذلك، فليس من قبيل المبالغة على الإطلاق القول إن تطور الرأسمالية البرازيلية قد اقترن بشكل شبه دائم بأنظمة سياسية سلطوية، حيث أن “الثورة البرجوازية” (في جوهرها خلق مركز مستقل نسبيًا للتراكم الرأسمالي) في البرازيل قامت على أساس تحالف ثلاثي بين الدولة والرأسمال الأجنبي والرأسمال المحلي، وهو تحالف لم يعتمد على تعبئة الجماهير في مواجهة النظام السابق على الرأسمالية، ومن ثم لم يحتاج للديمقراطية البرجوازية.
فعندما أنجزت البرجوازية البرازيلية “ثورتها” السياسية المحدودة في أواخر الثمانينات من القرن الماضي (تم إلغاء العبودية نهائيًا في 1888 والقضاء على الإمبراطورية الموروثة عن الاستعمار البرتغالي في 1889 عن طريق انقلاب عسكري) فإنها أقامت في ظل “الجمهورية الأولى” (1889 -1930) نظامًا سياسيًا شديد النخبوية. ويكفي أن نعلم أنه مع انهيار “الجمهورية الأولى” في 1930 تحت وطأة أزمة حادة في صفوف البرجوازية أفرزها الكساد الكبير، لم يكن قد حصل على حق الانتخاب سوى 4% من السكان.
كان تأثير الكساد مدمرًا على الرأسمالية البرازيلية التي اعتمدت حتى ذلك الوقت على “التنمية من خلال التصدير” وأسفرت حدة الأزمة عن “تدخل” عسكري حديد أطاح “الجمهورية الأولى” واستبدلها بنظام شعبوي سلطوي تحت قيادة فارجاس. اعتمد فارجاس اقتصاديًا على إعادة هيكلة الرأسمال البرازيلي من خلال تدخل واسع من الدولة واستبدال “التنمية من خلال التصدير” بإستراتيجية “الإحلال محل الواردات”. أما على الصعيد السياسي فقد أقام فارجاس دكتاتورية وصلت إلى مستوى “الكمال” مع تأسيس “الدولة الجديدة” على نمط ايطاليا موسوليني.
ومع النجاح النسبي لبرنامج الدولة للتنمية الصناعية، أرخى فارجاس عناصر حكمة الأكثر سلطوية وأرسى دعائم تحالف شعبوي بين عمال الصناعات الجديدة وبيروقراطية الدولة. وعلى أساس هذا التحالف قاد فرجاس تحولاً نحو “ديمقراطية” هشة، حيث أقام تحت رعاية الدولة حزبين لكل من العمال والطبقة المتوسطة الجديدة كما وافق فارجاس على إضفاء الشرعية على الحزب الشيوعي البرازيلي الذي راح يؤيده باعتباره (وفقًا لنظرية المراحل الستالينينة) “محور للبرجوازية التقدمية”!
على أن التحالف الشعبوي لم يصمد كثيرًا، إذ سرعان ما تقوض تحت وطأة التناقضات الطبقية داخلة، وجاء إضراب مارس 1953في ساوباولو، الذي شارك فيه 300 ألف عامل، لكي يبرز بوضوح حدة هذه التناقضات. ثم جاء انتحار فارجاس في العام التالي لكي يرمز بطريقة دراماتية لبداية النهاية بالنسبة للشعبوية في البرازيل.
وخلال السنوات العشر الممتدة بين انتحار فارجاس واستيلاء الجيش على السلطة في 1964، استطاعت الطبقة العاملة التي اكتسبت مزيدًا من الثقة مع تزايد نضاليتها أن تنتزع التنازل تلو الأخر من خلفاء فارجاس. مع تزايد هذه التنازلات فقد النظام الشعبوي ثقة البرجوازية مما مهد الطريق للانقلاب العسكري اليميني الذي حظي منذ ساعاته الأولى بترحاب شديد من جانب البرجوازية البرازيلية والرأسمالية العالمي معًا.
لم يستطع جنرالات البرازيل أن يوطدوا حكمهم (رغم القمع السافر) إلا في 1968، بعد سحقهم الدموي لموجة الإضرابات والمظاهرات التي اندلعت في 1967 – 1968.
وفي أعقاب القضاء عي هذه الموجة النضالية شهدت البرازيل سنوات حالكة السواد بلغ فيها القمع السياسي حدودًا غير مسبوق في تاريخ البرازيل الحديث. ويكفي أن نذكر أنه عندما استولى الجيش على السلطة في شيلي في انقلاب دموي بعد ذلك بخمس سنوات استدعي جنرالات شيلي زملائهم البرازيليين لتدريب البوليس السري في شيلي.
خلال السنوات السوداء هذه تحديدًا وقعت “المعجزة البرازيلية”. بلغ معدل النمو السنوي المتوسط حوالي 11% خلال الفترة من 1968 إلى 1974.
ارتفعت الإنتاجية بشكل هائل في الوقت الذي تراجعت فيه مستويات معيشة العمال والفقراء بشدة. وفيما بين 1960 و1976 ارتفع نصيب الـ 5% الأغنى من السكان من الدخل القومي من 27،7% إلى 39% في حين انخفض نصيب 50% الأفقر من 17،7 % إلى 11،6% خلال نفس الفترة. وأظهر مسح تم إجراءه في 1976 أن 2،5 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين العاشرة والرابعة عشر انضموا لقوة العمال، وأن 68 % كانوا يعملون لأكثر من 40 ساعة أسبوعيًا.
نتج عن التنمية الصناعية السريعة تحولات عميقة للطبقة العاملة البرازيلية. ففي الفترة من 1950 إلى 1980 زاد سكان المدن من 36% إلى 68% من أجمالي السكان. وارتفع عدد عمال الصناعة التحويلية والبناء من 2 مليون إلى حوالي 10 مليون خلال نفس الفترة، تركز 60% منهم في منطقة الوسط – الجنوب الصناعية وكان أهم قطاعات الطبقة العاملة الجديدة – اقتصاديًا وسياسيًا – هو الصناعات الهندسية.
فقد بلغ عدد عمال الصناعات الهندسية في مدينة ساوباولو حوالي 350 ألفًا في 1982، كما بلغ عددهم في نفس السنة 140 ألفًا في ضاحية ساوبرناردو (جنوب ساوباولو) و 40 ألفًا و60 ألفًا على التوالي في ضاحيتي أوساسكو وجوارولوس (شمال ساوباولو).
وإلى جانب تزايد حجم الطبقة العاملة الصناعية، تزايد أيضًا تركزها. ففي أوائل الثمانينات كان 25% من عمال الصناعة التحويلية يعملون في مصانع بها ألف عامل فأكثر، فضلاً عن 45% آخرين يعملون في مصانع بها ألف عامل فأكثر، فضلاً بها مائة عامل فأكثر.
https://old.booksplatform.net/ar/product/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%B2%D9%8A%D9%84-%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D9%81%D9%8A/
This post is also available in: English (الإنجليزية)