الوصف
This post is also available in:
English (الإنجليزية)
أصبحت البرازيل عالماً قائماً بحدّ ذاته، تحت قيادة حزب العمال منذ عام 2003 إلى 2016؛ حيث أصبحت مسرحاً للدراما الاجتماعية والسياسية، وشهدت صعوداً اقتصادياً عاماً؛ لكن يبدو أن مجريات الأحداث تغيّرت، وألقت بظلالها على كافة القطاعات. يتساءل هذا الكتاب عما ينذر به الميل المفاجئ إلى اليمين تحت قيادة جايير بولسونارو بالنسبة للبرازيل، كأكبر بلد في أمريكا اللاتينية، وكيف حدث ذلك؟
حكم حزب العمال اليساري البرازيل منذ عام 2003؛ عندما تولى لويس إيناسيو لولا دا سيلفا منصبه، حتى عام 2016، عندما تم عزله لتصبح ديلما روسيف بديلة له. يرى أندرسون في هذه الفترة تمزقاً لإجماع واشنطن (الإجماع هو مسودة طرحها جون وليامسون عام 1989 لتكون علاجاً ووصفاً من عشرة بنود للدول الفاشلة التي واجهت صعوبات مالية وإدارية واقتصادية وكيفية تنويع اقتصادها وإدارة مواردها الطبيعية، إضافة إلى دعوته البنك الدولي ومؤسسة النقد الدولية لتبني هذه البنود)؛ حيث تحولت الثروة إلى الفقراء عبر برامج اجتماعية مبتكرة.
يعلق الكاتب أندرسون بقوله: «لمدة عشر سنوات، كانت البرازيل الدولة الرئيسية الوحيدة في العالم التي تتحدى العصر، لرفض نظام الليبرالية الجديدة؛ خشية فقدان مكانتها، خاضت الطبقة الوسطى حرباً طبقية من جانب واحد، انتهى بها الأمر إلى تنصيب بولسونارو رئيساً».
ويرى أنه لم يكن الشيء المفاجئ في حزب العمال هو تطرفه؛ بل كم كان تقليدياً، خاصة في عهد روسيف. فباسم «التنمية الوطنية»، حصلت الشركات الكبرى على إعانات كبيرة؛ من خلال القروض الرخيصة والإعفاءات الضريبية. وبهدف كسب الليبراليين الجدد؛ وضع حزب العمال المال العام في أيدي عدة شركات كبرى من القطاع الخاص.
البرازيل تمتلك اليوم عدداً أكبر من السكان، وناتجاً قومياً إجمالياً أكبر. وعلى الرغم من كل الأسباب، فإنها لا تزال تحتل موقعاً هامشياً غريباً في الخيال التاريخي المعاصر.. لا تزال الصور الشعبية، على الرغم من السياحة المتزايدة، شحيحة: الأشرار الهاربون، والاستعراضات الموسمية في ملابس تنكرية، وانتصارات كرة القدم الدورية.
من ناحية التأثير الثقافي، عندما اكتسحت موسيقى وأدب أمريكا اللاتينية العالم، تراجعت البرازيل. فقد تغلبت إيقاعات السالسا منذ فترة طويلة على إيقاعات السامبا، وقائمة الروائيين البارزين تغفل بوضوح الدولة التي أنتجت أكثر روائيي القرن التاسع عشر ابتكاراً خارج أوروبا، وهو الروائي والكاتب البرازيلي ماتشادو دي أسيس، الذي يعد الأب الحقيقي للأدب البرازيلي الحديث، ومؤسس الأكاديمية البرازيلية للآداب ورئيسها حتى وفاته في 29 سبتمبر/أيلول، 1908.
من المرجح أن يحصل القرّاء الشماليون اليوم على انطباع عن البلد من كلام منمق وطنان من أحد كتّاب البيرو أكثر من أي عمل روائي محلي داخل البرازيل. إذا ظل أكبر مجتمع في نصف الكرة الجنوبي خارج الشاشة ذهنياً بالنسبة لمعظم الغرباء، فإن جزءاً من السبب يكمن في تاريخه السياسي الحديث.
على الصعيد الدولي، أصبحت القارة تظهر في شريط الأخبار العالمية للمرة الأولى في أعقاب الثورة الكوبية؛ عندما كان شبح حركات العصابات يطارد واشنطن. لم تكن البرازيل في طليعة هذا الاضطراب. مقارنة بفنزويلا أو كولومبيا أو البيرو أو الأرجنتين، كانت حلقات التمرد – إلى حد كبير في المناطق الحضرية – صغيرة وسرعان ما تنطفئ.
من ناحية أخرى، وصلت الديكتاتورية العسكرية في وقت مبكر، أوائل الستينات، قبل ما يقرب من عقد من الزمان من قدوم الرئيس السابق للتشيلي أوغستو بينوشيه أو الرئيس الأسبق للأرجنتين خورخه فيديلا – واستمرت لفترة أطول، لأكثر من عشرين عاماً. كان الجنرالات البرازيليون دائماً الأكثر براعة في المنطقة؛ حيث ترأسوا معدلات نمو قياسية في السبعينات، وفتحوا عملية إعادة دمقرطة تمت معايرتها بعناية في الثمانينات، في عملية سيطروا على نهايتها تقريباً.
في عام 1984، اندلعت تظاهرات ضخمة؛ لإجراء انتخابات مباشرة في المدن الكبرى، في الوقت الذي كان يستعد فيه الكونجرس المحلي لاختيار رئيس جديد، وفقاً لتوجيهات القيادة العليا. لم يستسلم النظام. لكن الخوف من الانتقام الشعبي؛ أدى إلى تقسيم النخبة المدنية التي دعمتها حتى الآن؛ حيث انشقت عدة شخصيات بارزة في الشمال الشرقي – جوهر نظام التحالفات السياسية – ليصبحوا مع المعارضة.
أوقف الجيش الضغط على الشوارع، ولكن على حساب فقدان السيطرة على الكونجرس؛ حيث تحولت نظرات ملاك الأراضي والرؤساء المحليين، وأتباع النظام المرنين، من المرشح الرسمي إلى سياسي معتدل هو تانكريدو نيفيس (رئيس وزراء البرازيل للفترة من 8 سبتمبر/أيلول 1961 لغاية 21 يوليو/تموز 1962 أيام حكم الرئيس جواو غولار)، الذي عمل كرمز للمبدأ الدستوري والمصالحة.
على الرغم من أن نيفيس لم يكن أبداً معارضاً صريحاً للديكتاتورية، ولم يكن ليفوز في منافسة خلال انتخابات مباشرة، فإن تبنيه غير المباشر من قبل الكونجرس رئيساً جديداً للبلاد تم تكريسه من قبل الرأي العام، وسط توقعات هائلة، باعتباره النصر النهائي للديمقراطية على الاستبداد. مع وفاته المفاجئة عشية تنصيبه رئيساً للبلاد في مارس/آذار 1985، أصبح الرئيس الجديد بدلاً عنه نائبه الدكتاتور خوسيه سارني.
المصدر: جريدة الخليج
This post is also available in:
English (الإنجليزية)