الوصف
في كتابه التجارة الموازية والتهريب في الفضاء الحدودي التونسي – الليبي (1988-2012): تشخيص وآفاق في ظل عولمة متخفية، الصادر حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يسعى كمال العروسي جادًا في تشخيص ظاهرة الاقتصاد الموازي وروافده المحليّة والوطنيّة والخارجيّة بالفضاء الحدودي التونسي الليبي وتأثيراته على الاقتصاد الرسمي والمجتمع في ظلّ عولمة متخفّية.
يهدف هذا العمل إلى استشراف آفاق تطوّر هذه الظاهرة وإمكانيّة تطويعها ضمن أفق اندماج مغاربي يحصّن المناطق الحدودية التي اكتسحتها العولمة المتخفية، ويحوّلها من مجرّد بوابات لإغراق أسواقها بسلع منتَجة في الدول الآسيوية إلى نوى أولى لبناء اقتصاد مغاربي موحّد. يتمّ ذلك من خلال إنشاء منطقة تبادل حرّ أطلق المؤلّف عليها اسم “المنطقة المغاربية الحرة للتصنيع والتبادل التجاري” في ذات المجال الحدودي الذي يحرص على إدماج الناشطين في المجال الموازي حاليًا (من صيارفة وتجار جملة وناقلين) حتى يتمكنوا من ممارسة دور محوري وبنّاء في تسيير عمليات الأدفاق السلعيّة والمالية التي تمرّ عبر المنطقة المغاربية الحرة، تحت إشراف المؤسسات الديوانية وأجهزة الدولة الأخرى (أمنية وصحية واقتصادية).
يتألّف الكتاب (368 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من ثلاثة أقسام، فيها تسعة فصول، بعد مقدمة يستعرض فيها العروسي الإطار والحيثيّات التاريخيّة التي يتنزّل فيها هذا العمل ويتطرّق فيها إلى عدد من الدراسات التي اهتمّت بالموضوع.
يركّز المؤلّف في خاتمة الكتاب على آفاق معالجة ظاهرة التجارة الموازية ضمن أفق اندماج مغاربي يكون مدروسًا بحكمة وبُعد نظر، يتأسس أوّلًا على تشخيص علمي لإمكانات هذه البلدان ونقائصها في خضمّ التحوّلات العالمية وتحديات التنمية والتشغيل والتأسيس الديمقراطي الناشئ في بعض منها، آملا في أن يكون لنتائج هذا العمل نفع لتلك المجالات المهمّشة، وأنموذج يُحتذى به لاستنساخ ما يصلح من مقارباته على سائر المناطق الحدودية بين دول المغرب العربي الكبير، وملخّصًا السيناريو الاستشرافي الذي يقترحه في تحصين المناطق الحدودية التي اكتسحتها العولمة المتخفية، من خلال إنشاء المنطقة المغاربية الحرة للتصنيع والتبادل التجاري للحدّ من الاختراقات التي يتعرّض لها المجال الحدودي المستهدف من عولمة جارفة يمكن أن تتلاعب بمصير المنطقة ومستقبل أجيالها؛ إذ يمكن أن تشغلهم أدفاقها المادية المتراكمة عن التفكير في الملحقات الرمزية للعولمة ومخطّطاتها الجيوسياسية واستراتيجياتها الكامنة وعن صدّ أضرارها ما أمكن. ويعرج على دينامية المجال الحدودي، حيث تتشابك جملة من الاستراتيجيات المحلية والوطنية، وأخرى معولمة، في ظلّ تنافس شديد على المنطقة المغاربية بين قوى تقليدية مهيمنة (فرنسا وإيطاليا خصوصًا، وأوروبا عمومًا)، وأخرى وافدة (الولايات المتحدة الأميركية)، وثالثة صاعدة (الصين واليابان). ولا تزال تلك الاستراتيجيات في طور التبلور، وإن بدا بعضها ظاهرًا، فمعظمها خفي يتطلّب جهدًا استقصائيًا وتحليليًا لرسم شيء من ملامحه.
أخيرًا يطرح الكاتب فكرة الانطلاق من التعريفات التي توصّلت إليها الدراسة لتعريف المصطلحات والمفاهيم المتداولة في الموضوع من قبيل “الاقتصاد غير الرسمي” و”الاقتصاد الموازي” و”التجارة الموازية”، موازاة مع طرح فكرة إنجاز برنامج مديري وتنفيذي يهتمّ بالنهوض بالمناطق الحدودية وإشراك الشرائح المعنية بالموضوع في مخطّط تنمية يشمل إدماج الشرائح المحلية العاملة في هذه المناطق ضمن الدينامية المستحدثة، وتطوير أجهزة الدولة وقوانينها الناظمة للمجال.
باحث تونسي متخصص في الأنثروبولوجيا السياسية، يحمل دكتوراه في الأنثروبولوجيا من مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية بباريس (2007). أستاذ مساعد للتعليم العالي وباحث في الأنثروبولوجيا في معهد المناطق القاحلة في مدنين التونسية، وباحث مشارك في المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، قسم الدراسات الجيوسياسية. مؤسّس ومدير المتحف البيئي للمناطق القاحلة بمعهد المناطق القاحلة في مدنين. شارك في تأليف كتب عدة، وله العديد من البحوث المنشورة، باللغتين العربية والفرنسية.