الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
يتضمن كتاب البروفيسور إريك كاوفمان، أستاذ العلوم السياسية في كلية بيربيك في لندن، “التحول الأبيض” Whiteshift، مقتطفات من خطاب القاه القيادي في حزب المحافظين اينوك باول عام 1968 محذرًا فيه من أن شوارع بريطانيا ستتحول الى “أنهر من الدم” بسبب الهجرة الواسعة وخاصة من جزر الهند الغربية.
وبعد إقالته من منصب وزير الدفاع في حكومة الظل المعارضة أظهر استطلاع ان 74 في المئة من البريطانيين كانوا متفقين معه. وقال باول في خطابه ان العمال البريطانيين اخذوا يصبحون “غرباء في بلدهم”، لا يستطيعون الحصول على خدمات صحية واجتماعية، وان مناطق في بريطانيا تشهد بسبب الهجرة “تحولا كاملا لا مثيل له في الف سنة من التاريخ الانكليزي”.
خطاب عنصري؟
يقول كاوفمان في كتابه ان خطاب باول عنصري في بعض المقاطع ولكنه يشير ايضاً إلى أنّ حديثه عن أحياء تحولت “تحولا كاملا” له ما يبرره وان هذه التغيرات أثرت سلباً على البيض، الفقراء عادة، من سكان هذه الأحياء.
وتلاحظ صحيفة فايننشيال تايمز إن ما اقتبسه كاوفمان من خطاب باول يشير الى مقاربته لهذه المشكلة وكذلك مقاربة روجر ايتويل وماثيو غودوين استاذي العلوم السياسية في جامعتي باث وكينت البريطانيتين، اللذين يتضمن كتابهما “الشعوبية القومية” National Populism شرحاً وافياً ومنهجياً للعوامل التي أدت الى صعود أنشط الحركات السياسية الآن في أوروبا والولايات المتحدة.
هواجس شعبية
كلا الكتابين يوظفان مثال باول وخطابه في مقاربتهما ويميزان بين مظاهر العنصرية والتحامل والكراهية، والفحوى الذي يكتب ايتويل وغودوين إنه يمثل “هواجس شعبية واسعة الانتشار ومشروعة”.
ويعتمد الكتابان اعتماداً كبيراً على الاحصاءات والمنحنيات الإتجاهية لإسناد وجهة نظرهما مع الابتعاد عن النحيب على عالم كان يقوده الليبراليون وهو الآن يفلت منهم. وتذهب محاجَّاتهما التي لا تخلو من أهمية لفهم العصر، الى، اولا، إن الشعبوية ظهرت لتبقى.
ويقول المؤلفان ان الاعتقاد بأن الأمور ستعود الى حالتها الطبيعية ما أن يعود النمو الاقتصادي وينحسر تدفق اللاجئين أو يتوقف اعتقاد “مريح لكنه خاطئ”.
ويستكمل كاوفمان هذا الرأي بالقول ان عودة بريطانيا الى هيمنة الحزبين قد تكون مقدمة لإنبعاث يميني شعبوي، لا سيما إذا كان بريكسيت مخيباً للآمال أو أُجهض بإستفتاء جديد يصحح نتيجة الأول بالتصويت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي.
الشعبوية القومية
وهنا لا تكون الشعبوية فاشية بل يستخدم ايتويل وغودوين تعبير “الشعبوية القومية” للتشديد على ان قادتها الذين يركبون الموجة الجديدة لم يعدوا أنفسهم أو احزابهم أو ناخبيهم لحركة خطيرة في اهدافها مثل الفاشية التي لا تعتمد على زعيم كاريزمي فحسب بل وعلى حزب حديدي وكتلة جماهيرية معبأة وجاهزة لسحق من يعارضها.
موضوعة كاوفمان الرئيسية في كتابه “التحول الأبيض” تذهب الى إن مجتمعات البيض، التي أصبحت أقلية في بعض مدن اميركا الشمالية، ستزداد إنكماشاً في الغرب عموماً مع التوكيد على سرعة هذا الانكماش وخاصة في الولايات المتحدة بالقول “ان كاليفورنيا كانت بيضاء بنسبة 80 في المئة حتى عهد قريب هو عام 1970 ثم انخفضت نسبة البيض الى أقل من 50 في المئة في اواخر التسعينات”.
وبحلول عام 2050 تتوقع حكومة الولاية أن تبلغ نسبة ذوي الأصول اللاتينية 52 في المئة.
أزمة الاتحاد الأوروبي
وفي أوروبا فان التصويت لصالح بريكسيت في بريطانيا وانتخاب حكومة شعبوية قومية في ايطاليا مصممة على الدخول في مواجهة مع الاتحاد الأوروبي وإنعطاف حكومات أوروبا الشرقية نحو اليمين القومي وضعف المستشارة الالمانية انغيلا ميركل وهبوط شعبية الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كلها تشير الى أزمة مستمرة يمر بها الاتحاد الأوروبي، بحسب المؤلفين.
ويقول ايتويل وغودوين ان الهجرة مقترنة بخطر الارهاب الاسلامي “نقلت المحور الرئيسي للسياسة في أوروبا من الاقتصاد الى الثقافة”.
وهذا أحد الأسباب الرئيسية لتراجع الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية التي لا تريد التخلي عن احتضان قضايا الأقليات لصالح قضية حساسة مثل خيبة أمل البيض بالعولمة.
قمع الهوية البيضاء
ويدعو كاوفمان الليبراليين اليساريين الى الكف عن النظر الى الناخبين الذين منحوا تأييدهم للحركات الشعبوية، بعد سنوات من الولاء لأحزاب اشتراكية أو شيوعية في احيان كثيرة، على انهم عنصريون لا رجاء منهم. وهذه هي الموضوعة اللافتة في كتاب كاوفمان الذي يخلص إلى أنّ “قمع الهوية البيضاء بوصفها عنصرية وشيطنة ماضي البيض يأتي علاوة على تراجع قوتهم السكانية. وعلى هذا الطريق تنشأ النقمة الشعوبية أو حتى الارهاب”.
وترى صحيفة فايننشيال تايمز أن الكتابين يقولان لليبراليين واليساريين الذين يفضلون البقاء مصدومين على محاولة ان يفهموا ان مواطينهم ليسوا متعصبين يستحقون التنديد وإن مخاوف البيض مخاوف حقيقية لكنها ليست بالضرورة خطيرة.
ونصيحة كاوفمان هي أن يرحب البيض بتحول أبنائهم وبناتهم من اللون الأبيض الى اللون البيجي من خلال التزاوج مع الأعراق الأخرى. فالمجتمعات التي فيها أغلبية اثنية كبيرة تكون أكثر استقراراً من المجتمعات ذات الأقليات المتعددة، وأن الاستقرار في المستقبل يجب ألا يكون أبيض أو اسود بل استقراراً مختلطاً، ثمرة إدراك عابر للاثنيات بأن البحث عن النقاء العرقي لعبة صفرية وأن اختلاط لون البشرة هو المشروع التنويري المقبل.
إيلاف
This post is also available in: English (الإنجليزية)