الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
هل يشهد العالم “قمة الديمقراطية”؟ هل المستقبل المحتمل هو الذي ستتنافس فيه المجتمعات المفتوحة ذات الأسواق الحرة مع الدول الاستبدادية على النفوذ في الشئون العالمية في ظل رأسمالية الدولة؟ هل سيشهد العالم انتهاء العولمة، وتزايد الميل نحو العالم متعدد القطبية؟
مثَّلت الأسئلة السابقة محاور اهتمام الخبير الاقتصادي في جامعة برينستون “مايكل سوليفان” في كتابه المعنون: “التسوية: ماذا بعد العولمة؟” الصادر في مايو 2019، والذي يُعرب فيه عن قلقه إزاء عالم يتزايد فيه النمو المنخفض، والديون المرتفعة، ويدعو إلى معاهدة عالمية حول المخاطر، بحيث تلجأ البنوك المركزية فقط إلى تدابير مثل التيسير الكمي في ظل الشروط المتفق عليها.
في محاولته للاستفادة من التجارب التاريخية، يستلهم “سوليفان” في كتابه خبرة مجموعة Levellers، التي وصفها بأنها جوهرة خفية من التاريخ البريطاني؛ وهي جماعة تشكلت في منتصف القرن السابع عشر في إنجلترا، وشاركت في النقاشات حول الديمقراطية التي وقعت في جزء من لندن يدعى بوتني. كان إنجازهم الأساسي هو صياغة ما عُرف حينها بـ”اتفاقية الشعب”، التي كانت عبارة عن سلسلة من البيانات التي كانت بمثابة المفاهيم الشعبية الأولى لما قد تبدو عليه الديمقراطية الدستورية.
ويؤكد الكاتب أن هذه الجماعة كانت مثيرة للاهتمام لسببين؛ الأول أن نهجها كان بنَّاء وعمليًّا في سياق الوقت الذي عاشت فيه؛ حيث أوضحت اتفاقية الشعب التي توصلوا إليها ما يريده الناس من أولئك الذين يحكمونهم بطريقة واضحة وملموسة. على سبيل المثال، اقترحوا فرض قيود على مدة المنصب السياسي وتطبيق القوانين المتعلقة بالمديونية بالتساوي على الأغنياء والفقراء.
ويرجع السبب الثاني إلى الطريقة التي تم بها التغلب على الحركة، ثم قام القائد العسكري “أوليفر كرومويل” باختطافها والقضاء عليها مثلها في ذلك مثل العديد من الجماعات السياسية المثالية الناشئة، وهو ما يدعو إلى ضرورة استفادة العدد المتزايد من الأحزاب السياسية الجديدة والمرشحين الجدد من هذه التجربة، بحيث يكونوا أكثر حكمة في كيفية تعاملهم مع عملية التغيير والإصلاح السياسي.
لذا يؤكد الكاتب أن قصة جماعة Levellers والاتفاقات التي صاغوها تستحق أن يتم تفكيكها وإعادة فحصها؛ إذ إن أهدافهم ومشاعرهم والقوى التي دفعتهم لها صلة بالعالم الذي نعيش فيه. وتوفر نقطة انطلاق ملائمة لمعالجة وترتيب التغييرات الكثيرة التي ترتكز على النظام السياسي والاقتصادي الدولي اليوم.
أكد الكاتب أن هناك أمرين تسبّبا في نهاية العولمة التي نعرفها؛ يتمثل أولهما أولًا في تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، ونتيجة لذلك أصبح النمو أكثر “تمويلًا”؛ فزادت الديون العامة وبالتبعية زاد النشاط النقدي؛ أي إن البنوك المركزية تضخ الأموال في الاقتصاد عن طريق شراء الأصول كسندات، وفي بعض الحالات كأسهم، للحفاظ على التوسع الدولي.
ويتعلق ثانيها بالآثار الجانبية المُدركة للعولمة التي أضحت أكثر وضوحًا عن ذي قبل؛ ومنها عدم المساواة في الثروة، وهيمنة الشركات متعددة الجنسيات، وتشتت سلاسل التوريد العالمية، التي أصبحت جميعها قضايا سياسية في عالم اليوم.
ويستدل “سوليفان” على نهاية العولمة في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية وكذلك التمويل الدولي. ففي الاقتصاد -على سبيل المثال- يقول لدينا نمو منخفض الإنتاجية، وهوامش ربح عالية، لكن نمو الأجور منخفض في الولايات المتحدة، وسجلت المديونية أعلى معدلاتها. وكذلك امتلكت البنوك المركزية، التي تعد الآن أقوى من الحكومات، مجمعات هائلة من الأصول، التي اشترتها في محاولة للحفاظ على الآثار الجانبية للأزمة المالية العالمية، مما سيجعل الأسواق المالية أكثر هشاشة، والاقتصادات الهشة أكثر عرضة للخطر.
وفي السياسة، هناك خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وانتخاب “دونالد ترامب”، وظهور أحزاب سياسية جديدة في أوروبا، معظمها من اليمين المتطرف، بدأت في تعطيل الأحزاب التقليدية والعملية السياسية. كما ارتفع معدل تذبذب الناخبين واللا مبالاة تجاه الأحزاب السياسية الراسخة وانعدام الثقة في السياسة إلى مستويات لم نشهدها منذ الحرب العالمية الثانية. وعلى نحو خطير، تبدو الديمقراطية كخيار سياسي وكأنها بلغت ذروتها؛ حيث تتجه الآن المزيد من الدول نحو الحكم من قبل رجال أقوياء، ولم تعد البلدان الأخرى تعتبر الديمقراطية جزءًا لا غنى عنه من خارطة طريق التقدم والتنمية.
أما في المجال الجيوسياسي؛ فيتصاعد صعود وسقوط الأمم بوتيرة متسارعة على ما يبدو. إن انتخاب “إيمانويل ماكرون” يمنح فرنسا الآن زعيمًا لديه الأفكار والطاقة لقيادة أوروبا، في وقت تقترب فيه سيطرة “أنجيلا ميركل” على السياسة الأوروبية من نهايتها. وعلى الصعيد الدولي، لم يعد يُنظر إلى الولايات المتحدة كقائد، وزاحمتها دول أخرى في الزعامة الدولية. كما استخدمت سوريا الأسلحة الكيماوية، وهناك دعوات لألمانيا للحصول على أسلحة نووية، وقد أطلقت كوريا الشمالية صواريخ على اليابان كجزء من “طريقها إلى نزع السلاح”، ودخلت الإنترنت ترسانة الحرب في إطار ما يُعرف بالحرب السيبرانية.
المصدر: مركز المستقبل
This post is also available in: English (الإنجليزية)