الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
يواجه العاملون في قطّاع التعليم في البلدان التي ترحّب بالمهاجرين واللاجئين على اختلاف أعراقهم وجنسياتهم، تحدياتٍ لا يستهان بها تتطلب الكثير من الجهد والتخطيط. وإذ تضع الحكومات إجراءات وسياسات عديدة لمساعدة الأطراف كافة في مثل هذه الحالات، تبقى المهمة بغاية الصعوبة، بدءاً من مرحلة ردم هوة اتساع المساحات الثقافية وتصادمها أحياناً، مروراً بالمرحلة التي يتعلم فيها أبناء المهاجرين لغة البلد الجديد ويبدؤون بتلقي التعليم المناسب وصولاً إلى مرحلة الاندماج شيئاً فشيئاً.
عند هذه القضية توقّفت الدكتورة رولا قبيسي وهي باحثة أكاديمية في مجال التربية في جامعة الكيبك في مونتريال ضمن كتابها “التعليم في بيئات متعددة الجنسيات” الصادر مؤخراً باللغة الفرنسية عن دار Hermann في فرنسا وعن دار PUL في كندا، محاولةً بأسلوب علمي يقوم على الاستطلاع والدراسة والتحليل الإجابة عن أسئلة مهمة وذات حساسية بالغة تتعلق بموضوع دعم المعلمين للطلاب المهاجرين في اندماجهم الأكاديمي والاجتماعي والثقافي.
سلّط الكتاب الضوء على بعض التحديات التي تواجه إمكان التكامل التعليمي للطلاب المهاجرين الجدد وليس الذين ولدوا أصلاً في دول الاغتراب، وفي الوقت نفسه يظهر مدى تعقيد العمل التدريسي، ويناقش الآليات المناسبة من أجل تعلم كيفية تقدير التنوع الثقافي وتحقق تكافؤ الفرص بالنسبة إلى الجميع. وقد حاولت قبيسي بما يقارب الـ 322 صفحة تعميق فهمنا لممارسات التدريس الداعمة للطلاب المهاجرين، بالاعتماد على دراسة حالات ميدانية على أرض الواقع، وإجراء مقابلات فردية عامة وأخرى محددة مع بعض الطلاب والمعلمين، بالإضافة إلى الاطلاع على نتاجات الطلاب التي تفيد في فهم ما يحصل وتحليل التجربة ككل.
كذلك تمّ عرض بعض الإستراتيجيات والأبحاث التي يقترحها الباحثون والمتخصّصون على المعلمين لدعم هؤلاء الطلاب في العملية التعليمية، وفي ما يتعلق باندماجهم في المجتمعات الجديدة. وقد أكّدت بعض تلك الآراء أنه من المنطقي تقديم الدعم للطالب بلغة التدريس، لكن أيضاً من المفيد جداً تقديمه بلغته الأم واحترامها من قبل المعلمين، حيث من الضروري جداً إلمام الطالب بلغته الأم ليتمكن من تعلم لغة ثانية.
واعتمد الكتاب على إطارين نظريين يُعنى الأول بتحليل عمل المعلم لمساعدتنا في فهم عمله وسط العوامل المختلفة التي تؤثر في السياق من دون شك؛ ويقدّم نظرة عامة إلى البعد التفاعلي في العمل التعليمي ليبيّن كيف يتكيف المعلم مع التفاعلات التي تشكّل سياق عمله.
ويتناول الإطار الثاني، النهج الاجتماعي التاريخي الثقافي، مكملاً محتوى الإطار السابق من حيث أنه يسمح بفهم التفاعلات وبشكل خاص تلك التي تهدف إلى دعم الطالب. إلى جانب دراسة الأدوات المستخدمة، مادية كانت أو نفسية، ضمن العملية التعليمية وطريقة تلقيها من قبل المتعلم وتأثيرها في تعلمه.
وترى قبيسي بما يخصّ نتائج البحث المرجوة في الوقت الحالي، أن الأبحاث لا تعطي ثمارها سريعاً، فهي يجب أن لا تقدم وصفات جاهزة للمعلمين بقدر ما تنمي لديهم حس النقد والتحليل. وأن نتائجها عبارة عملية تراكمية تحتاج إلى الوقت والممارسة. وتجد أن كل بحث يفتح طريقاً لبحث آخر حول الموضوع ذاته، مبينةً أن من يقرأ الكتاب سيستفيد حتماً من أمور معينة وقد يغير فلسفته ونظرته حول كثير من المفاهيم التعليمية وهذا مؤشر جيد.
وفي تصريح إلى “اندبندنت عربية” أكّدت قبيسي أن الكتاب مستوحى من بحث الدكتوراه الذي درست فيه علاقة التعليم بالبيئات المتعددة الأعراق والثقافات؛ وتحديداً طرق دعم المهاجرين الجدد الذين أتوا مؤخراً إلى مقاطعة كيبيك واندمجوا في صفوف مدرسية عادية، بينما هم لا يجيدون اللغة الفرنسية المعتمدة كلغة رسمية للتدريس، بشكل تام.
وأوضحت أنها أرادت التطرق في الكتاب إلى عرض كيفية دعم الطلاب المهاجرين وكيف يمكن المعلم القيام بهذه المهمة غير السهلة على الإطلاق، آخذاً في الاعتبار بقية الطلاب وبيئة الصف إلى جانب العديد من العوامل الأخرى، وكل ذلك في ضوء السياسات الحكومية المعنية بدعم الطلاب المهاجرين.
وقالت: “من الضروري سماع صوت المعلمين والطلاب الذين وجدوا أنفسهم في ظروف مماثلة. كما من الضروري نشر حدّ أدنى من الوعي حول ضرورات العمل في بيئات متنوعة وأخذ التعددية بالحسبان انطلاقاً من مبدأ العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص”.
وأشارت إلى أنها قضية مهمة وأساسية، أولاً من ناحية المعلم الذي يرزح تحت عبء متطلبات عمله ولم يحدث أن تلقى التطوير والتدريب الكافيين للعمل ضمن بيئة متعددة الثقافات، حيث أنه بحاجة ملحّة إلى تطوير وعيه تجاه الطلاب ليتمكن من تعديل إستراتيجياته وأدواته للتعامل مع طلاب مهاجرين وغير مهاجرين في آنٍ واحد. وهذا لا يتطلب مهارات تعليمية فحسب، بل قناعات وأيديولوجيا ومواقف تنحاز إلى عدالة قضية ووضع هؤلاء الطلاب، وتتفهم مسار الهجرة الذي مروا به وتحاورهم لتتعرف أكثر على قصصهم وخبراتهم وقلقهم.
وتلفت النظر إلى أن المناهج التعليمية غير موجهة لتكون مناسبة لبيئة متعددة، وهنا نقطة ضعف تشكل تحدياً كبيراً للمعلم الذي عليه أن يبدع كثيراً لتعديل وتطوير المنهج، وأن يكون مقتنعاً بضرورة القيام بذلك.
المصدر: independentarabia
This post is also available in: English (الإنجليزية)