الوصف
التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2016-2017
صدر مؤخراً عن مركز الزيتونة ببيروت التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2016-2017 والتوقعات المستقبلية للسنتين القادمتين.
يصدر التقرير الاستراتيجي الفلسطيني بشكل دوري منذ سنة 2005 عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت. وهو مركز دراسات مستقل، يهتم بالدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، ويولي الشأن الفلسطيني تركيزاً خاصاً. وهذا الإصدار هو المجلد العاشر من مجلدات التقرير الاستراتيجي.
ويعالج التقرير الاستراتيجي، الذي قام بتحريره د. محسن محمد صالح (الأستاذ المشارك في الدراسات الفلسطينية والمدير العام للمركز)، قضية فلسطين خلال سنتي 2016 و2017 بالرصد والاستقراء والتحليل. ويدرس الأوضاع الفلسطينية الداخلية، والمؤشرات السكانية والاقتصادية الفلسطينية، والأرض والمقدسات، ويناقش العلاقات الفلسطينية العربية والإسلامية والدولية، كما يناقش الوضع الإسرائيلي وعمليات المقاومة ومسار التسوية. والتقرير موثق ومدقق وفق مناهج البحث العلمي، ومدعّم بعشرات الجداول والإحصائيات والرسوم التوضيحية.
وقد شارك في كتابة التقرير وإعداده مجموعة من الأساتذة والباحثين المتخصصين، هم: أ. د. طلال عتريسي، وأ. د. معين محمد عطا رجب، وأ. د. وليد عبد الحي، ود. جوني منصور، ود. سعيد الحاج، وأ. إقبال عميش، وأ. باسم قاسم، وأ. حسن ابحيص، وأ. ربيع الدنان، وأ. زياد ابحيص، وأ. عبد الله عبد العزيز نجّار، وأ. مؤمن محمد بسيسو، وأ. هاني المصري، وأ. وائل سعد.
وفيما يلي ملخصٌ للتقرير، الذي يقع حجمه الأصلي في نحو 400 صفحة.
اولاً: الوضع الداخلي الفلسطيني
مثَّلت سنتا 2016–2017 استمراراً للسنوات السابقة في الانقسام السياسي، وتنازع تياري التسوية السلمية والمقاومة المسلحة، ومعاناة التيارين كليهما من مجموعة من الضغوط والاستحقاقات والأزمات. كما استمرت حالة الترهل و”الموت السريري” لمنظمة التحرير الفلسطينية، في الوقت الذي بدت فيه الآفاق أكثر قتامة وانغلاقاً أمام السلطة الفلسطينية في التحوّل باتجاه مشروع “الدولة”، أو في لملمة الصف الفلسطيني في بنية سياسية ديموقراطية واحدة؛ أو في إنهاء دورها الوظيفي الذي يخدم الاحتلال الإسرائيلي أكثر مما يخدم المشروع الوطني الفلسطيني.
سلوك قيادة المنظمة والسلطة:
يبدو أن قيادة المنظمة والسلطة (التي هي قيادة فتح) فضّلت متابعة الإمساك بزمام “الشرعية” الفلسطينية، وعدم الدخول في شراكة حقيقية مع حماس وقوى المقاومة؛ خصوصاً وأن البيئة العربية والدولية بشكل عام ما زالت معادية لتيارات “الإسلام السياسي” وتيارات المقاومة. وخلال سنتي 2016–2017 استمر تعطيل رئيس المنظمة والسلطة محمود عباس للمجلس التشريعي الفلسطيني الذي تهيمن عليه حماس؛ ولم يسعَ لأخذ شرعية لحكومته التي يرأسها رامي الحمد الله من المجلس؛ ولم يدعُ إطلاقاً لاجتماع الإطار القيادي المؤقت الذي يجمع كافة القوى الفلسطينية. ودخل عباس فوق ذلك في نزاعٍ مع المجلس التشريعي وحماس عندما أمر بإنشاء المحكمة الدستورية في نيسان/ أبريل 2016، وهو ما عدَّته حماس كارثة وطنية، وخرقاً دستورياً، واستخدم صلاحياته التي منحته إياها المحكمة الدستورية في رفع الحصانة عن خمسة من خصومه السياسيين (المحسوبين على محمد دحلان) من أعضاء المجلس التشريعي، بحجة إحالتهم للمحاكمة.
تطورات المصالحة:
تتابعت خلال سنة 2016 لقاءات فتح وحماس، خصوصاً في الدوحة، لمحاولة إنفاذ اتفاق المصالحة الموقّع منذ أيار/ مايو 2011. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2016 أعلن رمضان شلَّح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي مبادرة من عشر نقاط تدعو إلى إنهاء الانقسام، وعَقْدِ حوار للقوى الفلسطينية يؤدي إلى تبني برنامج وطني جديد، على أساس إلغاء اتفاق أوسلو، وسحب الاعتراف بـ”إسرائيل”، وإعادة بناء منظمة التحرير، وإعطاء الأولوية لبرنامج المقاومة. وبالرغم من ترحيب حماس وعدد من الفصائل بالمبادرة، إلا أن حركة فتح تعاملت معها على أساس أنها مبادرة غير واقعية.
وقد ازدادت حدّة الانقسام الفلسطيني عندما أعلنت حماس عن تشكيل لجنة لإدارة القطاع في أواخر آذار/ مارس 2017، بحجة استنكاف حكومة رام الله عن القيام بمهامها. وقد تعاملت قيادة السلطة وفتح بشكل حاد مع الأمر، وأعلنت فتح في 26/4/2017 أنها اتخذت قراراً استراتيجياً باتباع “كل السبل” لإنهاء الانقسام. وبدأت رئاسة السلطة وحكومتها باتخاذ مجموعة من الإجراءات القاسية كان من بينها خصم رواتب عشرات الآلاف من الموظفين التابعين لها في القطاع، وإحالة الآلاف إلى التقاعد المبكر، ووقف التحويلات الطبية للمرضى، والتوقف عن تغطية فاتورة الكهرباء الواردة من الاحتلال الإسرائيلي. وقد كان لذلك آثار كارثية على القطاع، الذي يعاني أساساً من أوضاع كارثية، بعد عشر سنوات من الحصار، وخوضه ثلاث حروب مدمرة مع قوات الاحتلال.
أما حماس فأكدت من طرفها على أن المصالحة “قرار استراتيجي” لا رجعة عنه، واتهمت فتح وقيادة السلطة بمحاولة تهميشها، وبمحاولة تطويع قطاع غزة وفق معايير اتفاق أوسلو. وفي الوقت نفسه قامت قيادة حماس، التي وجدت نفسها تحت ضغط مالي هائل وحصار خانق، بمجموعة من المبادرات باتجاه تفعيل المصالحة وفكّ الحصار، وأسهم دخول الطرف المصري على خطّ الوساطة في تحريك العجلة. وفي 17/9/2017 قامت حماس بحل اللجنة الإدارية، ودعت حكومة الحمد الله لاستلام مهامها، وفي 2/10/2017 وصل الحمد الله مع أعضاء حكومته إلى غزة لاستلام المهام. وفي 12/10/2017 تمّ توقيع اتفاق بين فتح وحماس في القاهرة، يقضي بأن تتم إجراءات تمكين الحكومة من استلام مهامها بحلول كانون الأول/ ديسمبر 2017، وتشكيل لجنة إدارية وقانونية لمعالجة موضوع استيعاب الموظفين المدنيين الذين عينتهم حكومة هنية السابقة، وتشكيل لجنة أمنية عليا لحل قضية الموظفين العسكريين. وبالرغم من استلام الحكومة للمعابر في 1/11/2017 وإعلان حماس عن تعاونها الكامل في تمكين الحكومة، إلا أن حكومة الحمد الله وقيادات فتحاوية ظلت تتحدث عن تقدمٍ جزئي بطيء، وتتعذّر بعدم سيطرتها على الأمن؛ كما أن بعض قيادات فتح حاولت فتح ملف المقاومة في القطاع وضرورة السيطرة عليه. ولم ينفع لقاء الفصائل الفلسطينية في القاهرة في 21/11/2017، ولا لقاء فتح وحماس بعده بعشرة أيام في تسريع إنفاذ برنامج المصالحة، الذي دخل سنة 2018 وهو ما يزال يعاني من التعثر.
الانتخابات البلدية:
إن تجربة الانتخابات المحلية البلدية التي دعت حكومة رام الله إلى عقدها في 8/10/2016، أسهمت في تأجيج النزاع الداخلي الفلسطيني، بدلاً من أن تكون عينةً اختبارية ناجحة مشجعة باتجاه تطبيق برنامج المصالحة. إذ إن معظم القوى الفلسطينية (بما فيها فتح وحماس) قررت المشاركة في الانتخابات. وأظهر كشفٌ أولي وجود 787 قائمة في الضفة الغربية و87 قائمة في غزة. وفي الوقت الذي أخذت تظهر فيه توقعات بفوز حماس في المدن الرئيسية في الضفة، ظهرت تحذيرات إسرائيلية من أن حماس قد تعزز تأثيرها السياسي. وفي هذه الأجواء القلقة رفعت جهات فتحاوية طعوناً إلى محكمة العدل العليا برام الله (التي يحسبها كثيرون على فتح) بعدم دستورية الانتخابات في قطاع غزة، باعتبار أن القضاء والسلطة في القطاع فاقدة للشرعية. وقد كان ذلك في إثر تقديم جهات محسوبة على حماس في القطاع طعوناً في قوائم انتخابية؛ قبلت اللجنة المركزية للانتخابات منها أربعة طعون، من بينها ثلاثة من بينها لقوائم فتحاوية. وقد قررت المحكمة العليا تأجيل الانتخابات وإجراءها في الضفة واستثناء قطاع غزة، وهو ما دفع حماس والجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي لمقاطعة الانتخابات، التي جرت في 13/5/2017. حيث فاز المستقلون بـ 65% من المقاعد، فيما فازت القوائم الحزبية بـ 35% فقط؛ وهو ما عكس ضعف أداء فتح حتى في غيبة الفصائل الرئيسية المنافسة.
ترتيب البيت الداخلي لفتح وحماس:
خلال الفترة التي يغطيها التقرير، قامت فتح وحماس بترتيب بيتهما الداخلي. إذ عقدت فتح مؤتمرها السابع في رام الله في 29/11–4/12/2016 بمشاركة 1,400 عضو، حيث أعيد انتخاب عباس رئيساً لفتح، واحتفظ 12 عضواً بمناصبهم في اللجنة المركزية من أصل 18 منتخباً حيث انضم إليهم 6 أعضاء جدد. كما تمّ انتخاب 80 عضواً في المجلس الثوري لفتح. وقد تمكّن تيار الرئيس عباس من السيطرة على مفاصل حركة فتح، ومن إقصاء أنصار محمد دحلان. وبدت فتح أكثر قوة وتماسكاً.
أما حماس فعقدت سلسلة عملياتها الانتخابية في بيئة سرية في النصف الأول من سنة 2017، وتولى قيادة مكتبها في غزة يحيى السنوار، وتولّى ماهر صلاح قيادة مكتبها في الخارج، وتولى صالح العاروري قيادة مكتب الضفة، ثم انتخب لاحقاً نائباً لرئيس الحركة؛ بينما انتخب مجلس الشورى العام إسماعيل هنية خلفاً لخالد مشعل في 6/5/2017.
وكانت حماس قبيل تنحي مشعل قد أعلنت عن وثيقتها السياسية، التي عبَّرت حسبما ذكرت حماس عن “روح التجدد والتطور والانفتاح لديها، مع المحافظة على الثوابت”. وقد صيغت الوثيقة بلغة سياسية محترفة، تتميز بالواقعية والمرونة، وتؤكد فيها حماس هويتها الإسلامية الفلسطينية الوطنية، وعدم التنازل عن أي جزء من فلسطين، وعدم الاعتراف بـ”إسرائيل”؛ غير أنها لا تمانع في الالتقاء مع القوى الوطنية على برنامج الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على فلسطين المحتلة سنة 1967.
التنسيق الأمني:
استمر التنسيق الأمني بين السلطة في رام الله وبين الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما كان محل اعتراضٍ فلسطيني فصائلي وشعبي واسع. وكان هذا التنسيق محل إشادة إسرائيلية خصوصاً وأن الأمن الفلسطيني نجح في إحباط الكثير من عمليات المقاومة والقبض على خلاياها، كما عمل بشكل فعال على احتواء وإطفاء انتفاضة القدس. وبدا واضحاً أن السلطة غير جادة في التلويح بإمكانية وقف التنسيق الأمني؛ وحتى قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير بوقف هذا التنسيق لم يجد أي آليات لتنفيذه. وقد اضطرت قيادة السلطة لوقف التنسيق مؤقتاً أيام هبة باب الأسباط في القدس في تموز/ يوليو 2017، غير أنها عادت تدريجياً للتنسيق بعد هدوء الأوضاع.
ثانياً: المؤشرات السكانية الفلسطينية
تُشير التقديرات المتوفرة إلى أن عدد الفلسطينيين في العالم بلغ في نهاية سنة 2017 نحو 13.03 مليون نسمة؛ نصفهم تقريباً، أي 6.44 ملايين نسمة (49.4%)، يعيشون في الشتات. والنصف الباقي، أي 6.59 ملايين نسمة (50.6%) يقيمون في فلسطين التاريخية، ويتوزعون على نحو 1.57 مليون نسمة في الأراضي المحتلة سنة 1948، ونحو 5.02 ملايين نسمة في أراضي سنة 1967، منهم 3.046 ملايين في الضفة الغربية (60.7%)، و1.975 مليون في قطاع غزة (39.3%).
أما في الأردن، فيُقدّر عدد الفلسطينيين في نهاية سنة 2017 بنحو 4.087 ملايين نسمة، يشكّلون نحو 31.4% من الفلسطينيين في العالم (نحو 63.5% من فلسطينيي الشتات)، وغالبيتهم العظمى يحملون الجنسية الأردنية. ويقدّر عدد الفلسطينيين في بقية الدول العربية بنحو 1.646 مليون نسمة، يشكلون ما نسبته 12.6% من مجموع الفلسطينيين في العالم، يتركز معظمهم في الدول العربية المجاورة، أي في لبنان وسورية، ومصر، ودول الخليج العربي. ويقدّر عدد الفلسطينيين في الدول الأجنبية بنحو 706 آلاف نسمة، يشكلون ما نسبته 5.4% من مجموع الفلسطينيين في العالم، يتركز معظمهم في الولايات المتحدة الأمريكية، وأمريكا اللاتينية، وكندا، وبريطانيا، وباقي دول الاتحاد الأوروبي. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأعداد هي أعداد تقديرية، خصوصاً خارج فلسطين حيث يصعب عمل إحصاءات دقيقة لهم. وتجدر الإشارة إلى أن تقدير أعداد الفلسطينيين في الدول الأجنبية كان بناء على نسبة النمو المستخدمة في بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (1.5%)، مع ملاحظة أن نسبة زيادة أعداد الفلسطينيين في الدول الأجنبية يُفترض ألا تقل عن 2%.
وما زال اللاجئون يشكلون أكثر من ثلثي عدد الفلسطينيين في العالم، فبالإضافة إلى نحو 6.439 ملايين فلسطيني في الخارج، هناك نحو 2.157 مليون لاجئ يقيمون في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى نحو 150 ألف لاجئ طردوا من أرضهم، لكنهم ما زالوا مقيمين في فلسطين المحتلة سنة 1948؛ وبالتالي فإن مجموع اللاجئين الفلسطينيين يُقدَّر بنحو 8.746 ملايين لاجئ، أي نحو 67.1% من مجموع الشعب الفلسطيني وذلك لسنة 2017؛ وبالرغم من أن هذا الرقم يحتمل بعض التكرار حيث يوجد فلسطينيون في الخارج يحملون الهوية الفلسطينية لأبناء الداخل، إلا أن هامش الفرق يبقى محدوداً. أما أعداد اللاجئين المسجلين في سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فبلغ في مطلع سنة 2017 نحو 5.87 ملايين نسمة. مع التأكيد على أن هناك الكثير من اللاجئين الذين لم يسجلوا أنفسهم لدى الأونروا، لعدم حاجتهم لخدماتها، أو لعدم وجودهم في أماكن عملها كبلدان الخليج وأوروبا وأمريكا.
وقد أظهرت نتائج إحصاء أعداد الفلسطينيين في لبنان التي أعلنت في 21/12/2017، والتي قدرتهم بنحو 175 ألف فلسطيني مدى “النزيف” الذي تعرض له المجتمع الفلسطيني وحجم الهجرة الكبير لفلسطينيي لبنان إلى الخارج. وقد تشجع معرفة هذه الأعداد السلطات والقوى السياسية اللبنانية على اتخاذ إجراءات مناسبة لتخفيف معاناة الفلسطينيين، بما في ذلك إعطاؤهم حقّ التملك والعمل. غير أنه يخشى أن تستخدم هذه النتائج كذريعة من الدول المانحة لتقليص المساعدات إلى الأونروا؛ أو تستخدم للدفع بالمساعي الغربية الإسرائيلية التي تستهدف توطين اللاجئين الفلسطينيين.
وحافظ النمو السكاني في الضفة والقطاع في سنة 2017 على معدلاته السابقة تقريباً، فبلغ 2.8% (2.5% في الضفة و3.3% في القطاع)، وبلغ 2.2% لفلسطينيي 1948. وإذا ما استمر التزايد وفق هذه النسب للسنوات التالية مقارنة بنسبة تزايد اليهود البالغة 1.9%، فإن عدد السكان الفلسطينيين واليهود في فلسطين التاريخية يتساوى تقريباً في سنة 2017 أو أوائل سنة 2018؛ حيث يبلغ عدد كل من الفلسطينيين واليهود نحو 6.6 ملايين تقريباً. وفي سنة 2022، ستصبح نسبة السكان اليهود نحو 49% فقط من السكان، حيث سيصل عددهم إلى 7.2 ملايين يهودي مقابل 7.5 ملايين فلسطيني.