الوصف
الجابري .. دراسات متباينة
أيا تكن الآراء حول المفكر محمد عابد الجابري رحمه الله، فإن الإجماع يكاد ينعقد على مسألتين هامّتين : الأولى أنه هو من نقل بإنتاجه الغني عاصمة الثقافة العربية من عواصم المشرق إلى رباط المغرب وما جاورها. والثانية أنه كان سبّاقًا في تأسيس منهج جعل منه ليس مقروءًا فحسب، بل ومؤثرًا في تيارات خصيمة له ومتخاصمة فيما بينها.
من هنا رأت جداول أن مفكرًا بهذا الوزن جدير بكتاب يناقش أفكاره .. والحق أننا حرصنا على تمثيل عادل للأجيال والجغرافيا والتيارات الفكرية العربية، وما تحقق هذا الهدف جغرافيًّا بالشكل الذي أردناه، فعلى الرغم من نسبة الاستكتاب المتساوية إلا أن درجة التجاوب جاءت لصالح التمثيل المغاربي .. وبقي تمثيل الأجيال والمدارس بشكل مرض.
الباحثون هم من مشارب وأجيال مختلفة، منهم من هو في عداد الأقران ومنهم التلاميذ المباشرون للمفكر الجابري، ومنهم من ولد بعد عقد ونصف من أطروحة الجابري للدكتوراه ” العصبيّة والدولة 1971″
تتقاطع بعض الدراسات أحيانًا كما نجد عند إبراهيم ورشاشن وسلطان العامر رغم اختلاف الزمان الفكري والحضاري المدروس. يسلّط ورشاشن الضوء على السياق التاريخي الوسيط الذي يراه الجابري مرتكزًا لتمايز المغرب عن المشرق ،ثم لحماسه في التبشير بابن رشد المتأثرة- وبحسب الجابري- بثورة ابن تومرت فاصلًا له إلى مستوى القطيعة الإبيستمولوجية عن فلاسفة المشرق، ثم مختزلًا لذات الهدف الفلسفة المغربية الوسيطة بفيلسوف قرطبة متناسيًا مدارسها الأخرى. ولا يرى ورشاشن كغيره ممن شاركوا أن الجابري استوعب أو شرح تعقيدات العلاقة بين الغزالي وابن رشد.
بعد أكثر من ثمانية قرون من وفاة ابن رشد. يُعيد العامر البحث عن ظروف ربما أسهمت في تغيّر الجابري الكهل عن الجابري الشاب. يرى العامر أن حماس الجابري للقطيعة المعرفية مع المشرق هو من منتجات الأزمات العربية وتحديدًا هزيمة 1967، فالنزعة الجابرية الملحّة نحو الوصول إلى الأصالة والمعاصرة قادته في النهاية – وبحسب العامر- إلى التنظير إلى “استقلال الذات المغربية “تحت مظلة” استقلال الذات العربية”، وليؤكد هذه النزعة، يحاول العامر أن يقرّر أن الجابري الشاب لم يكن مسكونًا في أطروحته للدكتوراه “العصبية والدولة 1971” بالأبيستمولوجيا ولا بالأصالة والمعاصرة ولا على إدراج ابن خلدون ضمن النسب المغربي، بل يقرّر الجابري حينها أن نظرية ابن خلدون نظرية أشعرية اقتفى في معظمها الغزالي، ثم يستطرد العامر في سرد آراء الجابري في أطروحته للدكتوراه بفلاسفة مشارقة وكيف ستنقلب هذه الآراء في أول مؤلف له (نحن والتراث 1980) بعد “هزيمة 1967” وحتى وفاته رحمه الله.
يفضِّل، وإن حاول بجهد تفصيلي أن يشخّص العلة ويكتب تصورًا للعلاج، فهو لا يتردد أن يصف المشاريع الفلسفية المعاصرة بـ”البدائل الزائفة” مستشهدًا بالثالوثين التفسيريين الشهيرين للجابري (البيان والبرهان والعرفان) والثاني لطه عبدالرحمن (المجرد والمسدّد والمؤيد)، وبعد أن يشرِّح نواقص النقد الأبيستمولوجية في المشروع الأول للجابري ونواقص النقد الأكسيولوجية في المشروع الثاني لعبدالرحمن، ينهي بحثه ساخرًا أن -البرهان- الممدوح عند الجابري ما هو إلا – المجرد- المذموم- عند عبدالرحمن المادح لـ -المؤيد- الذي هو العرفان المذموم جابريًّا.
بين دفتي الكتاب تسع دراسات بعضها يناقش جوانب معرفية تخصصية كما في موقفه من علم الكلام في ورقة ولد أباه، إلى طلاقه للفلسفة من أجل همّه الثقافي والحضاري كما في مساهمة مصباحي، إلى وقفات عند دراساته الإسلامية المتأخرة كما في مساهمة رضوان السيد، إلى مقارنة مشروعه بمشروع العروي في مساهمة سالم يفوت وبو خرطة.
(الناشر)
الجابري .. دراسات متباينة
للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية