الوصف
تاريخ البشرية مليء بمتغيرات بين الدولة و حركية الوقفات الاحتجاجية التي تطمح إلى التغيير أو التأثير أو الضغط على الأنظمة السياسية كيفما كان نوعها، من أجل النهوض بالحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية و الثقافية والبيئية، التي تعرضت إلى التهميش والإفقار والاحتقان الاجتماعي “السخط الشعبي” وانتشار الجرائم والفساد الاقتصادي والمالي بسبب استحواد أقلية حاكمة أو مجموعة من أصحاب المصالح الذين يتحكمون في الثروة وأدوات القمع الاجتماعي.
فالوطن العربي مليء بهذه التناقضات التي أفقرت وأحقرت وهمشت المجتمع وجعلته في المراتب الأخيرة من سلم المؤشرات الدولية. وسرعان ما يلاحظ تطور الفعل والسلوك الاحتجاجي في شتى المجالات التي تحاول التأثير على القرار السياسي وعلى الفاعليين، غير أن تطور أساليب الاحتجاجات وضعف مدى استجابة الحكومات للمطالب الاجتماعية، أدت ببعض الأنظمة السياسية إلى الزوال بقيام ثورات عارمة أدت بأنظمتها إلى اللاإستقرار، أو إلى انقلابات أو انقلابات مضادة، وهناك دول أخرى اعتمدت على الاستقطاب السياسي بمنح العوائد والتحفيز وتقديم وعود فضفاضة، وأنظمة سلطوية تحكم بالجمر و”الرصاص القانوني“، والعنف و العنف المضاد لأجل خلق نوع من التوازنات المشروطة واللامشروطة .
ومواكبة لهذه الأنظمة توالت الحركات الاحتجاجية في الوطن العربي بأنواعها نتيجة متغيرات فكرية وثقافية وأيديولوجية مرتبطة بتطور وسائل وآليات التواصل بين مختلف مكونات المجتمع المحلي والدولي، فقد لعبت دورا رائدا منذ مطلع التسعينيات كفاعل في الانتقالات الديموقراطية والتداول حول السلطة. مما أصبح يطرح تساؤلات حول تمظهرات تطور السلوك الاحتجاجي في الوطن العربي، ومدى استجابة الدول لها؟ وهل حققت الحركات الاحتجاجية أهدافها ولو بتغيير أنظمة سياسية جديدة؟
وفي ظل المتغيرات والتحديات التي أصبح الوطني العربي يعرفها بأنظمته السياسية، وتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وتطور الحركات الاجتماعية بأنواعها التي أصبحت تطرح تحديات كبيرة أمام الأنظمة السياسية مما جعلها تلجأ إلى أساليب الهيمنة و العنف الرمزي والقمع القهري أشكالها على المجتمع، الشيء الذي خلف تصادما بين الدولة و مكونات المجتمع، أمام تخلي الدولة عن أدوارها الأساسية، مما يطرح اشكالية إعادة النظر في مفهوم الدولة الليبرالية أمام موجة حركية ردود الأفعال الاحتجاجية.
ومن هنا يطرح تساؤل حول: ماهي أهمية تطور السلوك الاحتجاجي في الوطني العربي؟ هل نحن أمام تغيير وتطور مطالب اجتماعية؟ أم نحن أمام موجة تغيير طبيعة لأنظمة سياسية؟ أم نحن أمام تغيير المذهب الليبرالي نحو مذهب فكري سياسي جديد؟