الوصف
This post is also available in:
English (الإنجليزية)
“باعتباري مسلمة أمارس شعائري الدينية وناشطة نسائية مقتنعة تمام الاقتناع بموقفي، أريد من كل الذين ينكرون إمكانية وجودي أن يبدؤوا بالتساؤل عن السبب الذي يجعلهم يرون من البديهي أن يكون “الإسلام دينا ذكوريا” ؟ من أين لهم بهذا اليقين بأن الإسلام، أكثر من أي دين آخر، يعكس معاني اللامساواة والقمع تجاه النساء؟”.
تطرح زهرة علي، من موقعها كناشطة نسائية مسلمة تُعتبر في الغالب حاملة لمجموعة من التناقضات، مجموعة من التساؤلات من قبيل التصورات المرتبطة بالإسلام والنظام الذكوري واستخدام الحركة النسائية والعلمانية في الغرب، وذلك في كتاب “الحركات النسائية الإسلامية”، وهو مُؤلَف جَمَع كتابات نسائية نُشرت خلال سنوات 2000 باللغات الإنجليزية والعربية والفرنسية لباحثات ومناضلات ومناصرات للحركة النسائية ومسلمات من مصر وماليزيا والولايات المتحدة وإيران والمغرب.
يُضاف هذا الكتاب إلى قائمة المنشورات الفرنكوفونية المعدودة في الساحة الثقافية، حيث يتناول هذه الحركة النظرية والسياسية (ولاسيما أشغال إحدى الندوات وعددين خاصين لمجلتين)، والأشغال المنجزة إلى وقت قريب عن العلاقة بين الحركة النسائية والعنصرية والحركة الاستعمارية (في الحركة النسائية السوداءبخصوص “قضية دومينيك ستروس كاهن” أو مثلا القومية المثلية.
ويدفعنا الكتاب من خلال مجموعة من المساهمات (مقالات وحوارات، وُضعت في سياق ومنظور معين، تتضمن مقدمة وخاتمة) إلى إلقاء نظرة على تاريخ الحركات النسائية الإسلامية وطرقها المتبعة وتنظيمها والرهانات المطروحة والنقاشات الدائرة حولها، مبرزا بذلك ما يوحد الحركة وكذا التنوع الذي يطبعها.
منذ فترة الوحي القرآني، طرحت النساء مجموعة من التساؤلات وعبرن عن احتجاجهن بخصوص مكانتهن في المجتمعات الإسلامية، بيد أن هذه الانتقادات وهذا التحليل لم يتخذ شكل حركة إلا حديثا. وفي هذا السياق، تُفرق زهرة علي بين ثلاث فترات، حيث تبدأ الفترة الأولى في أواخر القرن التاسع عشر الذي شهد حركة ثقافية إصلاحية إسلامية من خلال “موقف وطني مناهض للاستعمار”. ثم تلتها في سنوات السبعينيات “خطابات كانت تسعى لتعزيز الحداثة الإسلامية من خلال مجموعة من المطالب التي اتخذت طابعا نسائيا”؛ أما الفترة الثالثة فقد ظهرت في التسعينيات عبر “الانتقال من خطاب نسائي يدافع عن الإسلام إلى خطاب نسائي من داخل الإسلام”. ومنذ بداية سنوات 2000، شكلت الحركات النسائية الإسلامية “حركة متعددة القوميات” (نموذج: مليكة حامدي)، و”حركة عالمية” (نموذج: مارغو بدران).
اجتمعت هذه الحركات حول “مُنطلق أساسي يتمثل في ضرورة إنهاء الاستعمار وإعادة النظر في كل قراءة للحركة النسائية والإسلام” (زهرة علي). وتُعرف مارغو بدران على سبيل المثال الحركات النسائية الإسلامية باعتبارها “خطابا وممارسة نسائية تتحرك داخل نموذج إسلامي”. لكن الحركات النسائية الإسلامية تمثل أيضا هويات واستراتيجيات جماعية (مليكة حامدي)، وخلافات بشأن ما يمكن أن يشكل عدالة النوع والمساواة في الحقوق، ومواقف محلية متنوعة ومتحركة (زيبا مير حسيني). وقد نتجت هذه الحركات عن البيئة المختلفة المحيطة بها: دول ذات أغلبية مسلمة، الأقليات المسلمة، ومجتمعات اعتنقت الإسلام في الغرب.
يمَكننا هذا الكتاب من التعرف على وضع الحركة في كل من ماليزيا وإيران من خلال مساهمات زينة أنور وزيبا مير حسيني. في هذا السياق، تجمع الجمهورية الإسلامية بين الديمقراطية والتيوقراطية، وتحث على “علمنة” و”تحديث” المجتمع، إذ بدأت تواجه “تحديين أساسيين” منذ اندلاع ثورة 1979 يتمثلان في “المطالب المتعلقة بالديمقراطية وحقوق المرأة”. ويُعتبر هذان التحديان “دافعا قويا لتحويل الجمهورية الإسلامية من الداخل”. وقد دفع ظهور ناشطات مسلمات في الحركة النسائية إلى “فتح الحوار بين التراث القانوني الإسلامي والحركة النسائية”، وساهم في ظهور توتر بين القومية ومناهضة الاستعمار من جهة، والعلمانية و”الحداثة” من جهة أخرى، بالنسبة للنساء اللواتي “كان لزاما عليهن الاختيار بين هويتهن الإسلامية-إيمانهن- ووعيهن الجديد بمسألة النوع”.
يكشف لنا الكتاب أيضا عن مختلف الرهانات والطرائق التي تتبعها الحركات النسائية الإسلامية، حيث بدأ بالتأريخ مع أميمة أبو بكر من خلال “إحياء التاريخ المنسي لمسلمات معاصرات”. وحسب أسماء المرابط، فإن إقصاء النساء في تاريخ الحضارة الإسلامية تزايد مع وجود تفاوت بين القرآن وتفاسيره الفقهية والتراثية، مما أدى إلى تعزيز هذه التفاسير الذكورية. وعرف هذا الإقصاء النسائي أوجَهُ مع مجيء الاستعمار، حيث حوصرت النساء بين خطاب استعماري (دور الحضارة في فك القيود الدينية الجائرة) وخطاب آخر قومي وتقليدي (آخر معقل للهوية الإسلامية المحاصرة).
رافق تأريخ مكانة النساء تفسيرٌ نسائي للنصوص الإسلامية يمزج بين الاجتهاد (وضع الإسلام في سياقه) والتفسير (تفسير القرآن) واستخدام أدوات العلوم الإنسانية والاجتماعية. يتعلق الأمر بالتمييز بين الآيات ذات معنى عالمي أو ظرفي، بين الشريعة والفقه، وتقديم مقاربة نقدية، أو بالأحرى إصلاح جدري للتفسير والفقه. يرتكز التفسير إذن على التراث القانوني الإسلامي، الذي يميز بين الشريعة والفقه، وعلى المبدأ التفسيري الذي يقضي بتعدد معاني النص، والتيار الفكري المعرفي النسائي (أسماء بارلاس) أو على نظرية التناص النقدية لجوليا كريستيفا (أميمة أبو بكر).
يسعى هذا الكتاب إلى تحقيق مجموعة من الغايات من أبرزها تقديم حركة نظرية وسياسية تقترح طرقا أخرى للتفكير في العلاقات بين الإسلام والتحرر، إذ يبدو أن الحركة النسائية تُستعمل بغرض انتقاد الإسلام في سياق تختلط فيه مجموعة من الخطابات والأحداث، وتُقدم فيه المُسْلمات بالتناوب بصفتهن “ضحايا” (نساء) أو مذنبات (مسلمات). كما يساهم أيضا الدفاع عن “العلمانية” وتعريف “الهوية الوطنية” في إقصاء النساء المرتديات لغطاء الرأس والتنديد “بالصبيان العرب”، وتعريف “العدو الداخلي”، وتعزيز السيطرة على الهجرة، وتعليل الحروب الإمبريالية.
لذلك تراهن إذن الحركات النسائية الإسلامية، كما تُصرح بذلك زهرة علي، من خلال انتقاداتها والتحدي الذي تطرحه، على إبراز إمكانية فرض ناشطات في الحركة النسائية الإسلامية وجودهن.
وختاما، لا بد من الإشارة إلى أن هذا الكتاب الجماعي يضم ثلاثة أجزاء، حيث افتُتح بمقدمة من توقيع زهرة علي. وساهمت كل من مارغو بدران وأسماء المرابط وأسماء بارلاس بورقة في الجزء الأول؛ أما الجزء الثاني فقد شاركت فيه كل من مليكة حامدي وزيبا مير حسيني وزينة أنور وأميمة أبو بكر؛ في حين أن سعيدة قادة وحنان اللحام ساهمتا في إنجاز الجزء الثالث.
This post is also available in:
English (الإنجليزية)