الوصف
الحق العربي في الاختلاف الفلسفي
ظل “المتفلسفون العرب” على مدار عقود طويلة يستهلكون نصوصًا فلسفية غربية، ولم يفكر أي منهم أبدًا، باستثناءات قليلة، في إبداع فلسفة خاصة به بسبب تصورات وهمية عن “كونية الفلسفة”، فبات معظمهم مستسلمًا لهذا الوضع، الذي يصطدم مع ثوابت الثقافة العربية الإسلامية.
مثل هذه التصورات منعت “المتفلسفة العرب” من إبداع فلسفتهم الخاصة، وجعلتهم يدورون في فلك الفلسفة الغربية، حتى باتت هي المرجعية الوحيدة لهم، مبتعدين بذلك عن التراث، حتى أصبح التقليد عنوانًا للفضاء الفكري العربي، وأصبحت عملية مراجعة هذه التصورات أمر حتمي للخروج من تلك الدائرة.
وسعيا إلى تأسيس فلسفة عربية موصولة بالثقافة العربية الإسلامية وتراثها، يأتي كتاب “الحق العربي في الاختلاف الفلسفي” للفيلسوف المغربي الدكتور طه عبد الرحمن، ليفتح الباب أمام الإبداع في مجال الفلسفة من خلال إثبات ضعف وتهافت التصورات التي دفعت المتفلسفة العرب إلى تقديس النص الفلسفي الغربي.
جاء هذا الطرح ليؤكد على أحقية العرب في أن يكون لهم فلسفتهم الخاصة، واكتساب هذه الأحقية لن يأتي من –وجهة نظر المؤلف- إلا من خلال الاجتهاد في إنشاء فلسفة خاصة تختلف عن فلسفة الغرب.
وأقرب الطرق إلى إبداع هذه الفلسفة، كما يقول عبد الرحمن في مقدمة كتابه، هو النظر في الدعاوى نفسها التي يرسلها الغرب كما لو كانت حقائق، ويأتي في مطلع هذه الدعاوي القول بأن “الفلسفة معرفة عقلية تشمل الجميع، أفرادًا كانوا أو أقوامًا”. مؤكدا أن “السؤال الفلسفي” لم يكن على مدار التاريخ شكلاً واحدًا، وإنما كان أشكالاً اختلفت باختلاف أطوار هذه الممارسة، وأبرز هذه الأشكال اثنان، السؤال القديم، الذي اختص به الطور اليوناني، والسؤال الحديث الذي ميّز الطور الفلسفي الأوروبي، موضحا أن السؤال الفلسفي اليوناني القديم كان عبارة عن فحص، ومقتضى الفحص هو أن يختبر السائل دعوى محاوره، بأن يلقي عليه أسئلة تضطره إلى أجوبة تؤول في الغالب إلى إبطال دعواه، ويضرب المؤلف على ذلك مثلاً على هذا الفحص الفلسفي بممارسة “سقراط” للسؤال.
أما السؤال الفلسفي الأوروبي الحديث فهو عبارة عن نقد، ومقتضى النقد هو ألا يسلّم الناظر بأي قضية حتى يقلبها على وجوهها المختلفة، ويتحقق من تمام صدقها متوسلاً في ذلك بمعايير العقل وحدها. ويفرق المؤلف هنا بين النقد والفحص، بأن الأول يوجب النظر في المعرفة، بينما الثاني يوجب الدخول في الحوار، ويضرب مثلاً على هذا النقد بفلسفة “كانط”.
ويوضح عبد الرحمن أن الاختلاف الفلسفي يأتي على ضربين اثنين، الأول اختلاف داخلي، وهو الذي يتولد داخل دائرة التراث الفلسفي الواحد. ومهما بلغ هذا الاختلاف من القوة وتبلور في صورة مدارس ومذاهب شتى، فإنه لا يمكن أن يتعدى إلى الحقائق الفلسفية التي تنزل منزلة الأصول لهذا التراث الخاص.
أم الاختلاف الثاني فهو خارجي، وهو الذي يحدث بين دائرتين متباعدتين من التراث الفلسفي، بحيث لا وجود لأصول واحدة بعينها تبنيان عليها معًا. وهذا لا يمنع من أن تشترك هاتان الدائرتان الفلسفيتان المختلفتان في بعض الحقائق الفرعية، أو أن تكون الحقيقة الفلسفية الواحدة أصلاً في إحداهما وفرعًا في الأخرى، لأن الذي ينتفي في هذا الضرب الثاني من الاختلاف ليس مبدأ “الاشتراك الفلسفي”، وإنما مبدأ “التوحيد الفلسفي”.
ومن هنا يشدد المؤلف على أنه إذا كان حق الاختلاف الثقافي، حق ثابت لكل أمم العالم، فكذلك حق الاختلاف الفلسفي ينبغي الإقرار به للجميع، وكما أن حق التفلسف على وجه العموم حق طبيعي للإنسان، لا تخترعه مؤسسة ولا يصنعه قانون، فكذلك حق الاختلاف في التفلسف، بشقيه الداخلي والخارجي، ينبغي أن يكون حقًا طبيعيا.
الحق في “الاختلاف الفلسفي”
الفصل الأول خصصه عبد الرحمن لبيان حقيقة الاتصال بين الحوار والاختلاف، على اعتبار أن هذا الاتصال هو الشرط الذي بوجوده توجد مشروعية العرب في فتح باب الحوار بصدد “الحق في الاختلاف الفلسفي”. ويؤكد المؤلف في هذا الفصل أن بنية الكلام هي أصلاً بنية حوارية، وأن بنية الحوار أصلاً بنية اختلاف لا بنية اتفاق، وأن الاختلاف في الرأي لا يسوي بالعنف، وإنما بالحوار، كما أنه لا يؤول إلى الخلاف، وإنما يؤول إلى الوفاق، ولا يتسبب في الفرقة، وإنما يتسبب في الألفة.
والاختلاف في الرأي، وفق المؤلف، يتقيد في سياق الحوار بضوابط منهجية ومنطقية محددة تصرف عنه المهلكات الثلاث، العنف، والخلاف، والفرقة، وأن وجود الاختلاف في الآراء لا يُضر أبدا بوجود الجماعة الواحدة، بل يكون خير مثبت لهذا الوجود، وذلك لقدرته على تحريك سكون الجماعة وتقليب أطوارها، وبالتالي تجديد الشعور بالمسئولية المشتركة عند أفرادها.
إن حقيقة الاختلاف، في مذهب المؤلف، أنه يجلب الحوار ويصون الجماعة، لذلك فإنه عندما يدعو إلى الاختلاف الفلسفي بين الأقوام، فهو يدعو في ذات الوقت إلى الحوار الفلسفي بينها من جهتين، إحداهما أن الفلسفة بموجب طبيعتها الاجتهادية تشترط الاختلاف والاختلاف يشترط الحوار، والثانية أن الاختلاف الفلسفي يكون بين الأقوام المختلفة أشد منه بين الأفراد المختلفين داخل الجماعة الواحدة، فيكون أدعى إلى التفلسف فعلى قدر الاختلاف تكون الممارسة الفلسفية.
ويوضح عبد الرحمن أن دعوته إلى “الاختلاف الفلسفي” هي دعوة أيضًا إلى حفظ الجماعة الإنسانية، من جهتين إحداهما أن الفلسفة بمقتضى طبيعتها الاستدلالية، تدفع ما لا دليل معه كالعنف، أو ما كان دليله تحكيميا كالخلاف، أو ما كان دليله فاسدًا كالفرقة.
والثانية أن بناء الجماعة الإنسانية في حال ثبوت الاختلاف الفلسفي بين الأقوام أقوى منه في حال انتفاء هذا الاختلاف بينها، ذلك أن “الاختلاف الفلسفي” بين الأقوام من شأنه يبني هذه الجماعة، لا بواسطة فلسفة قوم واحد على الأقوام الأخرى، وإنما بواسطة مساهمة كل قوم بمنظور فلسفي خاص.
“تهويد” الفلسفة العالمية
في الفصل الثاني يكشف المؤلف أن الكونية في الفلسفة، التي ينتجها النظام العالمي الجديد، أو ما أصبح يسمى بـ”الفلسفة العالمية”، ليست في حقيقتها إلا فلسفة قومية مبنية على أصول التراث اليهودي، المُسخّر لأغراض سياسية بالأساس.
وهنا يتساءل المؤلف: هل انتبه المتفلسفة العرب المعاصرون إلى وجود هذا “التهويد” للفلسفة الحديثة الذي استعرض مظاهره، أم أن اعتقادهم فيها كاعتقاد أسلافهم في الفلسفة اليونانية، وهو أن الفلسفة هي دائما وأبدًا معرفة كونية؟ ..
بهذا السؤال ينبه المؤلف المتفلسفة العرب إلى نقطة خطيرة، وهي تعاطي هذه الفلسفة لا يأتي بجديد، ذلك أن كل المؤلفات الفكرية تدور على نفس الاستشكالات ونفس المسلمات والنظريات التي يتضمنها الفضاء الفلسفي العالمي المزعوم.
وهنا ينبه الكاتب إلا أن التفلسف العربي بهذا الشكل لا يعدو أن يكون تقليدًا لمحتويات هذا الفضاء، تقليدًا يُلزم الإنسان العربي في نهاية المطاف بأن يتفلسف “بما يخدم عدوه” وهو لا يدري، وأن “يطبّع” معه في الوقت الذي يكون المطلوب فيه هو مقاومة هذا “التطبيع”.
في هذا الفصل يستجمع عبد الرحمن أفكاره وتحليلاته، ليخلص إلى أن هذا الفضاء الفلسفي لا عالمية حقيقية فيه، وإنما هو فضاء فكري قومي مفروض على العالم، وأنه فضاء معمم على الجميع بأسباب لا صلة لها بالفلسفة، وأن العالمية المفروضة مفهوم “كوني سكوني” بُني على مبدأ حدود المكان.
وإزاء ذلك، يؤكد المؤلف إلى أنه لا يمكن للإنسان العربي أن يواجه هذا المفهوم إلا بمفهوم حركي مبني على أبعاد الزمان، التي قد تخرج إلى “اللا متناهي” بفضل القوة المعنوية والهمة الإنسانية، وهذا المفهوم يسميّه عبد الرحمن “القومية الحية” أو “القومية اليقظة”.
هذه القومية اليقظة تقف على ثلاث خصائص أساسية لها، وهي القيام، والقوام، والقومة، ليتضح في النهاية أن القومية الحية هي اجتماع القوم على دوام العمل وفق القيم العليا، مؤكدًا أن الخطط الخطابية التي تنتهجها القومية الحية تنفع في دفع “آفة التهويد” عن الفلسفة العربية.
ولكن، هل وقعت الممارسة الفلسفية في أساطير؟..
يجيب المؤلف على هذا التساؤل، في الفصل الثالث من كتابه، بأن الفلسفة وقعت بالفعل في أساطير مختلفة، أصلية، وفرعية، لم يحل دونها التضاد المبدئي، بين الفلسفة والأسطورة.
وبناء على ذلك تصبح مقاومة هذه الأساطير خطوة مهمة، لا يمكن بدونها وضع قول فلسفي عربي قومي، فهذه المقاومة وحدها – كما يقول الكاتب- هي التي ستمكّن العرب من إحداث انعطاف يدخلون به عهدًا جديدًا في الممارسة الفلسفية.
ويتحدث عبد الرحمن في هذا الفصل أيضًا عن “أسطورة أصلية” ظلت تهيمن على هذه الممارسة طيلة تاريخها، مشكّلة إحدى مفارقات الفلسفة، وهي الإدعاء بأن العقل الذي يميز الممارسة الفلسفية يصفو ويمتحض فيها بالكلية، بمعنى أن القول الفلسفي قول عقلي لا تخالطه أي شائبة من شوائب الأسطورة، فيكون قولاً عقليًا خالصًا.
ويشدد المؤلف على أن هذا الإدعاء الذي ينفي على وجه القطع كل أسطورة ممكنة عن القول الفلسفي، حيث لا برهان من العقل يثبته ولا سلطان من الواقع يؤيده، هو عبارة عن ادعاء أسطوري محض. والمؤلف هنا يريد الإجابة عن سؤال مهم، وهو: كيف ندفع عن الفلسفة أسطورة “الخلوص العقلي” بحيث يتم التمهيد لوضع فلسفة عربية حية.
ثم يتطرق في الفصل الرابع إلى الأساطير التي تفرعت عن هذه الأسطورة الأصلية، لبيان العوائق التي تقف أمام الإبداع الفلسفي، مؤكدًا أنه لا إبداع في الفلسفة إلا إذا تم البناء على حقائق ثلاث، إحداها أن القول الفلسفي خطاب، وكل خطاب يضع في الاعتبار المتلقي.
والحقيقة الثانية، كما يقول الكاتب، هي أن القول الفلسفي بيان، وكل بيان يضع في الاعتبار لسان المتلقي. أما الحقيقة الثالثة، فهي أن القول الفلسفي كتابة، وكل كتابة تضع في الاعتبار بلاغة هذا اللسان، وعندئذ نستطيع فتح باب الإبداع في ممارستنا الفلسفية متى تيقنا بأن القول الفلسفي ليس فولا مقدسًا في نصه، فنتصرف فيه حسب المتلقي.
“اعوجاج” الفلسفة العربية
هنا يصل الفيلسوف المغربي إلى الفصل الخامس من كتابه الذي خصصه للبحث في كيفية تقويم ما يسميه “اعوجاج الفلسفة العربية”، مطبقًا ذلك على النموذج المغربي، وهو هنا يجتهد في بيان طابع التقليد الذي طغى على هذا النموذج، مؤكدا أن الهدف من ذلك هو المساهمة في تدارك النقص الذي لحق البحث في الفلسفة العربية الحديثة.
ويعتبر عبد الرحمن أن “المتفلسف المغربي يأبى إلا أن يجعل من التقليد، بل من تقليد التقليد، اجتهادًا وإبداعًا، وهو لا يرى أنه يجعل من الضعف قوة ومن النقص كمالاً فيجتهد في طلب المشروعية لهذا التقليد وينتهي بإرجاعها إلى أمرين هما: ضرورة النهوض بمقتضى الحداثة الفلسفية، وضرورة العمل بمقتضى كونية الفكر الفلسفي”.
وفي إتيانه بهذا التبرير عينه لا ينجو المتفلسف المغربي، كما يقول عبد الرحمن، من الوقوع في التقليد سواء في تصوره لمفهوم الحداثة أو في تصوره لمفهوم “الكونية”، فتكون المحصلة هي الاستغراق التام في تقليد مركب “من طبقات بعضها فوق بعض”: التقليد، وتقليد التقليد، وتقليد أسباب التقليد، وتقليد أسباب تقليد التقليد!
وقد أخذت آفة التقليد بناصية التفلسف المغربي، كما يرى المؤلف، بسبب اتخاذ مسلك إتباعي في الترجمة موروث عن أنماط ثلاثة، أولها النمط الترجمي الغربي العام الذي اشتهر بتقديس النص الأصلي، والثاني هو النمط الترجمي الفرنسي المستحدث الذي يقدم “اعتبار الغير على اعتبار الذات”، والثالث هو النمط الترجمي العربي القديم الذي بُني على مبدأ “التعلم والتعليم”.
وهذه الأنماط الثلاثة، أدت إلى ترك المتفلسف ممارسة النقد لما بين يديه من نصوص، حيث يعتبر عبد الرحمن أن النقد هو “عماد التفلسف”، ما يجعل الترجمة الاتباعية تعارض في مدلولها مدلول التفلسف.
ويقدم المؤلف الحل للخروج من هذا المأزق، داعيا إلى ترك الحرفية اللفظية والتصرف في الكلمات والتراكيب، حتى يكتسب المترجم القدرة على الاعتراض على النص، حيث يمكن هذا التصرف المتفلسف من تفعيل المقوم اللغوي لمجاله التداولي الخاص. ولا يكتسب المتفلسف القدرة على معارضة الغير إلا بترك الحرفية المضمونية، أي بالتصرف في المعاني والمضامين الواردة في الأصول المنقولة، بما يصرف عنها العناصر التي تمنع من تفعيل المقوم المعرفي لهذا المجال التداولي.
ولا طريق للمتفلسف المغربي لاكتساب القدرة على عرض ما ليس عند الغير، إلا بترك “الحرفية الاستعمالية”، أي بالتصرف في العلاقات والسلوكيات التي تنطوي عليها هذه الأصول بما يمكنها من تنشيط البنية العملية لمجاله.
الفتوة أشرف الرتب
يجتهد المؤلف في كتابه من أجل تصنيع مفهوم “الفتوة” الذي برز في سياق “انتفاضة الأقصى” في فلسطين المحتلة، متوسلاً في ذلك بمفهوم راسخ في الممارسة الفلسفية، وهو “الهوية”، ويستعرض في الفصل السادس والأخير من كتابه الأطوار التي تقلب فيها التصنيع الفلسفي لمفهوم الفتوة المنتفضة، والتي تبين بوضوح كيفية عمل خطة الإقامة التي تعتمدها القومية الحية مؤكدًا أن “الفتوة هي أشرف الرتب الأخلاقية، فهي تعلو على المروءة”.
ويتطرق عبد الرحمن في هذا الجزء “امتياز الفتى عن الإنسان”، مبينًا أثره في تشكيل الهوية البشرية ويخلص إلى أن الفتوة هي الأقدر على صنع الهوية البشرية، مبينًا كيف أنها تتحقق بامتياز في حدث “انتفاضة الأقصى”.
ويتناول فيلسوفنا في هذا الفصل الطبقات الأربع لمواقف العرب من هذه الانتفاضة، وهي أولا طبقة الناس، التي تتكوّن حسب تعبيره من “أهل التطبيع”، وطبقة الرجال وتتكون من أهل المقاطعة، وطبقة ذوي المروءة وتتكون من أهل الرفض، وأخيرًا طبقة الفتيان وتتكون من أهل الانتفاضة، ومن هذا التصنيف الرباعي يستخلص نتائج ستة هي:
الأولى: أن الأسبقية في العلاقة بين الهوية والطبقة لا تعود إلى الهوية وإنما إلى الطبقة، والثانية أن الهوية ليست واحدة وإنما تختلف باختلاف الطبقة، والثالثة أن الطبقة لا تستحق أن يقال عنها إنها صانعة للهوية، حتى تثبت قدرتها على مزيد من التخليق لهذه الهوية.
والنتيجة الرابعة هي أن صنع الهوية العربية لا يمكن أن يبتدئ إلا مع طبقة الرافضين، فما ما دونها. والخامسة أن صنع هذه الهوية لا يكتمل إلا مع طبقة الفتيان المنتفضين دون غيرها، والسادسة أن الفتوة الصانعة للهوية ليست واحدة، وإنما تختلف باختلاف الزمن.
ولكن ما فائدة إنزال خطة الإقامة على مفهوم الفتوة على مستوى التحليل؟ .. يجيب عبد الرحمن بأن مفهوم “الفتوة” يمتاز على غيره من المفاهيم التي تدخل في حقله الدلالي، وهي الإنسانية والرجولة والمروءة، موضحا أن الهوية البشرية لا تتحدد بالعقلانية التي هي من جانب واحد من جوانب الموجود البشري، وإنما بالأخلاقية التي تندمج فيها هذه الجوانب بأجمعها، وقد ثبت أن هذه الأخلاقية ليست رتبة واحدة، وإنما هي مراتب مختلفة أدناها الإنسانية، تليها الرجولة، تليها المروءة، وأعلاها رتبة الفتوة التي هي كمال المروءة.
أما خاتمة الكتاب، وكعادة فيلسوفنا، فقد خصصها للرد على الشبهة التي قد تعترض كتابه، وهي اتهامه بالدعوة إلى وضع فلسفة عربية غير إسلامية، استنادًا إلى كون الكاتب يدعو إلى وجوب اعتبار العنصر القومي في وضع الفلسفة العربية، وأن العنصر القومي والعنصر الإسلامي ضدان لا يجتمعان. ونظرا لأن هذه الشبهة تتعلق بصلة الفكر بالدين، فقد سماّها المؤلف “شبهة الفكر الفلسفي الكبرى”، ورد عليها بأن القرآن الكريم استعمل مفهوم “القومية” وأن هناك المعنى التداولي للقومية، وبذلك يكون طه عبد الرحمن قد تجنب إساءة فهم ما يرمي إليه والاتهامات التي قد تبنى على مغالطات وسوء فهم.
الحق العربي في الاختلاف الفلسفي
لمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية